الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو عبد الله بن عبد القوي- في النظم:
وحل لمن يستأجر البيت حكه التصاوير كالحمام للداخل أشهد.
فإن قيل: أرأيتم إن وجدتم بعض الملاهي في بعض الطرق مع قوم يحملونها أو يبيعونها أيجوز أن تكسروها؟ قيل: نعم، لأنها لا تصلح إلاّ للهو الذي حرمه الله، كما أن نهريق الخمر التي حرمها الله إذا وجدناها عند من يشربها أو يبيعها.
فإن قيل: أما يجوز أن ينتفع بالملاهي غير اللهو إلاّ بإحراقها بمنزلة الحطب فإذا كسرناها دفعناها إلى صاحبها ينتفع بإحراقها إن شاء.
فإن قيل: أرأيتم إن كانت الملاهي لأطفال المسلمين أتكسرونها؟ إذا كانت مثل الآلات التي يلهو بها الرجال كسرناها، كما لو وجد عند أطفال المسلمين خمرًا وجب علينا إراقتها.
وقد ضمن الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد القوي غالب ما تقدم ذكره في هذه الدرجة لأبيات من منظومته- في الآداب الشرعية فقال- رحمه الله:
ولا غرم في دف الصنوج كسرته
…
ولا صور - أيضًا - ولا آلة الردى
وآلة تنجيم وسحر ونحوه
…
وكتب حوت هذا وأشباهه أقدد
وبيض وجوز للقمار بقدر ما
…
تزيل عن المذكور مقصد مفسد
ولا شق زق الخمر أو كسر دونه
…
إذا عجز الإنكار دون التقدد
وإن يتأتى دونه دفع منكر
…
ضمنت الذي ينقى بتغسيله قد
قال العلماء: (ويحرم التكسب بعمل آلات اللهو والتجارة بها ولو بلا عوض ويؤدب المعطى).
قال أبو العباس بن تيمية: (آلات اللهو لا يجوز عملها، ولا الاستئجار عليها عند الأئمة الأربعة) انتهى.
فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر
ويجب إنكار المنكر المعطى إذا تحقق. في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد- ذكرها
صاحب الترغيب، وأبو الحسين محمد بن أبي يعلى وقالا: هي أصح لأننا تحققنا المنكر.
(ونص أحمد: أيضًا- في رواية إسحاق، ومحمد بن أبي حرب- في الطنبور، ووعاء الخمر وأشباه ذلك يكون مغطى -يكسره ويتلفه. قال: وفي رواية ابن منصور - في الرجل يرى الطنبور والطبل مغطى، والقنينة إذا كان تبينه أنه طنبور أو طبل أو فيها مسكر كسره.
وقال محمد بن أبي حرب: سألت أبا عبد الله- عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه؟ قال: يأمره. فإن لم يقبل يجمع عليه الجيران ويهول عليه. ونقل جعفر عن أحمد في من يسمع صوت الغنى في طريق. قال هذا قد ظهر أن ينهاه. ونقل عنه أي عن أحمد أن ينكر الطبل إذا سمع صوته.
ونقل جعفر، عن أحمد بن حمدان- في الرعاية: وقيل: من علم منكرًا قريبًا معه في دار ونحوها دخلها وأنكره.
قال أبو العباس بن تيمية: ومن كان قادرًا على إراقة الخمر، وجب عليه إراقتها (ولا ضمان عليه، وأهل الذمة إذا أظهروا الخمر فإنهم يعاقبون عليه - أيضًا - بإراقتها).
وشق ظروفها، وكسر أوانيها، وإن كنا لا نتعرض لهم إذا أسروا ذلك بينهم.
قال ابن مفلح: وهذا ظاهر في إنكار المنكر المستور. ولم نجد فيه خلافًا.
قال ابن عبد القوي وغيره: (المستتر من فعل المنكر بموضع لا يعلم فيه غالبًا- إما لبعد ونحوه، وما من يفعله بموضع يعلم به جيرانه ولو في داره فإنّ هذا معلن مجاهر غير مستتر).
قال أبو حامد الغزالي: فإن قلت: ما حد الظهور والاستتار؟ فاعلم أن من أغلق بابه
وتستر بحيطانه فلا يجوز الدخول عليه بغير إذنه، لتعرف المصيبة إلاّ أن يظهر في الدار ظهورًا يعرفه من هو خارج الدار كأصوات المزامير والأوتار إذا ارتفعت بحيث يجاوز ذلك حيطان الدار فإن سمع ذلك فله دخول الدار وكسر الملاهي، وكذلك إذا ارتفعت أصوات السكارى بالكلمات المألوفة بينهم بحيث يسمعها أهل الشوارع، فهذا إظهار موجب الإنكار فإذًا إنما يدرك مع تخلل الحيطان صوت أو رائحة فإذا فاحت روائح الخمر، فإن احتمل أن يكون ذلك من الخمر المحترمة فلا يجوز قصدها بالإراقة وإن علم بقرينة الحال أنها فاحت، لتعاطيهم الشراب فهذا محتمل، والظاهر جواز الإنكار.
وقد تستر أواني الخمر وظروفه في الكم وتحت الذيل وكذلك الملاهي. فإذا رؤي فاسق وتحت ذيله شيء آخر لم يجز أن يكشف عنه ما لم يظهر بعلامة خاصة، فإن فسقه لا يدل على أن الذي معه خمر إذ الفاسق محتاج - أيضًا- إلى الخل وغيره فلا يجوز أن يتدل بإخفائه وأنه لو كان خلا لما أخفاه. فإن كانت الرائحة فائحة فهذا محل النظر والظاهر أن له الإنكار؛ لأن هذه علامة تفيد الظن، والظن كالعلم في أمثال هذه الأمور وكذلك العود ربما يعرف بشكله، إذا كان الثوب الساتر له رقيقًا، فدلالة الشكل كدلالة الرائحة والصوت، وما ظهرت دلالته، فهو غير مستور بل هو مكشوف، وقد أمرنا بأن نستر ما ستر الله وأن ننكر على من أبدى لنا صفحته انتهى.
قال ابن مفلح وجماعة: (إذا فاحت روائح الخمر، فالأظهر جواز الإنكار)
قال الغزالي رحمه الله والإبداء له درجات: فتارة يبدو بحاسة السمع، وتارة بحاسة الشم، وتارة بحاسة البصر، وتارة بحاسة اللمس. ولا يمكن أن يختص بحاسة البصر بل المراد العلم. وهذه الحواس - أيضًا - تفيد العلم، فإذا إنما يجوز أن يكسر ما تحت الثياب إذا علم أنه خمر، وليس له أن يقول: أرني لأعلم ما فيه، فإنّ هذا هو التجسس الذي نهى الله عنه، ومعناه طلب الأمارات المعرفة: فإن حصلت وأورثته المعرفة جاز العمل بمقتضاها، فأما طلب الأمارة المعرفة فلا رخصة فيه أصلًا.
وقال عمر بن الربيع (الخشاب) في كتاب الأمر بالمعروف- في باب الإنكار على أصحاب الملاهي: إذا كان يسمع الناس حتى يصل إليهم في طرقهم ومساجدهم منعوهم بالوعظ، فإن انتهوا وإلاّ كان عليهم أن يعلموا السلطان، فإن فعلهم ذلك في منازلهم إذا كان