الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر
هذا الهجر بمنزلة التغرير والتغرير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات كالصلاة والزكاة وغيرها، أو فعل المحرمات كالظلم والفواحش أو دعا إلى البدع المضللة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
قال أبو عبد الله البخاري -في صحيحه- باب من لم يسلم على من اقترف ذنباً ولم يرد عليه سلامه حتى تتبين توبته والى متى تتبين توبة العاصي.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا تسلموا على شربة الخمر. حدثنا ابن بكير: أخبرنا الليث عن عقيل بن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك" ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول في نفسي هل حول شفتيه برد السلام أم لا؟ حتى كملت خمسون ليلة وآذن النبي صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الله عليه وسلم الفجر ثم مرة أصلي قريباً منه فارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض عني .. الحديث وهو مطول جداً ورواه مسلم في صحيحه والنسائي وغيرهم.
وروى مسلم في صحيحه وأحمد وأبو داود والترمذي وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض ثم قال {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون -ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبتئ ما قدمت لهم أنفسهم} .. إلى قوله (فاسقون). وقد سبق هذا الحديث بأتم من هذا -في الباب الأول.
فهؤلاء الذين ذمهم الله تعالى في هذه الآية الكريمة لم يتركوا الأمر بالمعروف بل أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر لكنهم لم ينأوا عن الفساق ولا هجروهم وجلسوا معهم فلعنهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم.
فمن لم يهجر من خالف الله ورسوله وارتكب المعاصي خيف عليه أن يحل به ما حل بأحبار بني إسرائيل فقد خوفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل بنا ما حل بهم إن فعلنا مثل فعلهم.
وروى نعيم بن حماد -بسنده- عن الحسن مرسًلا اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدًا ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحاه الله -إني لا أجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله. ورواه أحمد وقال الحسن أيضًا: مصارمة الفاسق قربان إلى الله تعالى.
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن إبراهيم بن أدهم، عن ابن عباس الخرساني عن سعيد بن المسيب رحمه الله عليه- أنه قال: لاتملؤا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكي لا يحبط أعمالكم الصالحة.
والمقصود أنه يستحب أو يجب هجران من جهر بالمعاصي لما تقدم من هذه النصوص وغيرها وأن يكفر في وجهه.
وأنشد أبو عبد الله بن عبد القوي:
وهجران من أبدى المعاصي سنة
…
وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطلاق مادام معلنا
…
ولاقه بوجه مكفهر معربد
قوله (إن يردعه) أي إن كان الهجر يردع المهجور.
وقوله: (مكفهر) أي معبس. وقد أكفهر الرجل إذا عبس وفلان مكفهر اللون: إذا ضرب لونه إلى الغبرة. والمكفهر من السحاب: الأسود الغليظ الذي ركب بعضه بعضًا.
قال الجوهري وغيره والله أعلم. قال ابن مفلح: ولا هجر مع السلام.
وقد روى أبو حفص العكبري بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا "السلام يقطع الهجران".