المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

وقد سبق الكلام على معنى ذلك في درجات الأمر والنهي- من الباب الثاني- والله أعلم.

‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

وأما الحلم والعفو فمن أهم الأخلاق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، ويدل على فضيلة ذلك والندب إليه، ما تقدم في فضيلة الرفق من الآيات الكريمات، والأحاديث الصحاح المروريات، قال أكثرها مشتركة بين الرفق والحلم والعفو.

وقال تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتَّى يأتي الله بأمره إنَّ الله على كل شيءٍ قدير} .

قال أهل التفسير: (العفو ترك المؤاخذة والصفح إزالة أثره من النفس).

وقال تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} . وقال تعالى: {ومغفرة خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى والله غنيُّ حليمٌ} .

قال الكلبي والضحاك: وتجاوز عن ظالمه "خير من صدقة يتبعها أذى". أي من وتعيير للسائل بالسوائل. وقول يؤذيه.

{

والله غنيُّ} أي مستغن عن صدقة العباد {حليمٌ} لا يعجل بالعقوبة. وقيل: يحلم ويعفو ويصفح ويتجاوز عنهم مع شدة إساءتهم وعظيم إحسانه.

وقال تعالى: {والكاظمين الغيظ} . قال المفسرون: (كظم الغيظ رده في الجوف أي سكت عنه ولم يظهر قدرته على إيقاعه بعدوه).

{والعافين عن الناس} أثنى سبحانه- على الكاظمين الغيظ بعفوهم عن الناس لتركهم المؤاخذة وهو قول الواحدي.

ص: 369

قال بعضهم هو أجل ضروب فعل الخير، حيث يجوز للإنسان أن يعفو أو يحلم وأخبر- بعد ذلك- أنه يحبهم بإحسانهم.

وقال تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} .

(أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بتدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة، فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة- أيضًا- فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلًا للاستشارة في الأمور).

وهي من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام. وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بقوله: {وأمرهم شورى بينهم} .

وقال تعالى: {إن تبدوا خيرًا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوًا قديرًا} أي إن تظهروا أيها الناس خيرًا، أو أخفيتموه، أو عفوتم عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم عند الله، ويجزل ثوابكم لديه.

وقال تعالى: {ولا تزال تطَّلع على خائنةٍ منهم إلَّا قليلًا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحبُّ المحسنين} .

وقال تعالى- حكاية عن يوسف وإخوته- عليهم السلام حين قالوا: {

تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} (أي مذنبين {قال لا تثريب عليكم} أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم وقيل: لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوة، ولكم عندي العفو والصفح {يغفر الله لكم} أي يستر عليكم ويرحمكم).

وقال- تعالى- لنبينا- صلى الله عليه وسلم: {فاصفح الصَّفح الجميل} (أي تجاوز عنهم، واعف عفوًا حسنًا. قال بعض المفسرين: أمر صلى الله عليه وسلم بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم) وقال

ص: 370

- تعالى-: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسَّعة

} أي ولا يحلف أولو الغنى والجدة يعني أبا بكر الصديق- رضي الله عنه {

أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهجرين في سبيل الله} يعني مسطحًا ابن خالته أن لا ينفق عليه بعد ذلك فأنزل الله هذه الآية.

فإن أبا بكر كان ينفق على مسطح فلما شارك في حديث الإفك كف عن النفقة عليه فعاتبه الله فرجع ثم أمره- سبحانه- بالعفو والصفح عن الخوض في أمر عائشة فقال: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبُّون أن يغفر الله لكم} فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي، ورد على مسطح نفقته التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.

وقال- تعالى: {وعباد الرحمن .... } (أي أفاضل العباد) {الَّذين يمشون على الأرض هونًا

} رفقًا.

قال الحسن: (علماء حلماء. وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار لا يسفهون، وإن سفه عليهم حلموا:{وإذا خاطبهم الجهلون} يعني السفهاء بما يكرهون {

قالوا سلمًا} قال مجاهد سدادًا من القول.

وقال مقاتل بن حيان: قولًا يسلمون فيه من الإثم. وقال الحسن: إن جهل عليهم جاهل حلموا ولم يجهلوا.

وقال بعض العارفين: (من خاطبهم بالقدح فيهم جاوبوه بالمدح له. وقال غيره: إذا خاطبهم الجاهلون بأحوالهم، الطاعنون فيهم، العائبون لهم قابلوهم بالرفق وحسن الخلق، والقول الحسن).

وقال تعالى: {وإذا مُّروا باللَّغو مرُّوا كرامًا} قال مقاتل: إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا عنه. وقال الحسن والكلبي: اللغو المعاصي كلها. يعني إذا مروا بمجالس اللغو واللهو والباطل مروا كرامًا مسرعين معرضين. يقال: تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه عنه وأكره نفسه عنها. وقال مجاهد: إذا أوذوا صفحوا. رواه ابن أبي الدنيا.

ص: 371

وقال تعالى: {فسقى لهما ثمَّ تولَّى إلى الظّل فقال ربّ إنّي

}.

قال مقاتل: يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو {وممَّا رزقنهم ينفقُّون} أي في الطاعة {وإذا سمعوا اللَّغو أعرضوا عنه

} أي القبيح من القول وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون: "تبًا لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم" {

وقالوا لنا أعمالنا ولكم} أي لنا ديننا {ولكم أعمالكم} ولكم دينكم .. سلام عليكم.

أي سلام المتاركة ومعناه: سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم القبيح {

لا نبتغي الجاهلين} قيل: لا يريد أن يكون من أهل الجهل والسفه.

وقال تعالى: { .. وإذا ما غضبوا هم يغفرون} .

قال ابن عباس: شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئًا فنزلة الآية. ومعناها: يكظمون الغيظ ويتجاوزون ويحلمون، وذلك من محاسن الأخلاق يطلبون ثواب الله- تعالى- فمدحهم بقوله:(وإذا ما غضبوا هم يغفرون).

وأنشد بعضهم:

إني غفرت لظالمي ظلمي

ووهبت ذلك له على علمي

ما زال يظلمني وأرحمه

حتى بكيت له من الظلم

وقال تعالى: {وجزؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها .. } سمى الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة، لتشابههما في الصورة. قال مجاهد والسدي هو جواب القبيح ثم ذكر- سبحانه- العفو فقال: {فمن عفا

} أي ظالمه { .. وأصلح .. } بالعفو بينه وبينه { .. فأجره على الله .. } . وفي الخبر الآتي قريبًا: إنه ينادي يوم القيامة يقم من له أجر على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.

وقال- تعالى-: {يأيُّها الَّذين ءامنوا إنَّ من أزواجكم وأولدكم عدوًا لَّكم

ص: 372

فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفورٌ رحيم} فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم {فإنَّ الله غفورٌ رحيم} .

وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر

} أي ظلم فلم ينتصر { .. إنَّ ذلك لمن عزم الأمور} أي ذلك الصبر والتجاوز (لمن عزم الأمور) من حق الأمور التي أمر الله بها.

وأما أحاديث الحلم ففي الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما في حديث طويل وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشج عبد القيس:(إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).

ورواه أبو داود من حديث مطر بن عبد الرحمن العبدي الأعنق، قال: حدثتني أم أبان بن الوازع بن زارع، عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس "قال: وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عليه فلبس ثوبه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والإناة) قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال:(بل الله جبلك عليهما).

قال: الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله ورسوله.

ورواه الترمذي مختصرًا.

ورواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري.

ورواه مسلم، وأحمد بأتم من هذا.

والأشج عبد القيس هو المنذر بن عمرو. وقيل عائذ بن عمرو. وقيل عبد الرحمن بن

ص: 373

عوف. وقيل المنذر بن الحارث. والحلم: العقل. وقيل: حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات، والاحتمال وحبس النفس عند الآلام والمؤذيات، ومثله الصبر.

والأناة (بغير مد) هي التثبت وترك العجلة- كما سيأتي- والله أعلم.

وفي معجم الطبراني من حديث فاطمة مرفوعًا: "إن الله يحب الغني الحليم المتعفف".

وورى البزار من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله يحب الغني الحليم المتعفف".

وورى الحاكم، والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "ابتغوا الرفعة عند الله. قالوا: وما هي؟ قال: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك وتحلم على من جهل عليك.

وروى الطبراني- في المعجم الأوسط- من حديث علي مرفوعًا: "إن الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم، وإنه ليكتب جبارًا عنيدًا وما يملك إلا أهل بيته".

وورى ابن أبي الدنيا- بسنده، عن عبد الوارث، عن أنس بن مالك- رضي الله عنه في قول الله- تعالى:{فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} إلى قوله: { .. عظيم} قال: الرجل يشتمه أخوه، فيقول: إن كنت صادقًا يغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا يغفر الله لك.

وروى الإمام أحمد في الزهد عن معاوية بن قرة، قال: قال أبو الدرداء- رضي الله عنه ليس الخير أن يكثر مالك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، وأن يكثر علمك، وأن تبادر الناس في عبادة الله- تعالى. عز وجل.

ص: 374

وبسنده، عن الفضيل بن عياض- قدس الله روحه- قال: كان يقال: من أخلاق الأنبياء الأصفياء الأخيار الطاهرة قلوبهم ثلاثة: الحلم والإناة وحظ من قيام الليل.

وروى الأصبهاني وغيره من حديث عائشة مرفوعًا: "وجبت محبة الله على من أغضب فحلم".

وروى ابن أبي الدنيا- بسنده- عن ييحى بن سعيد القطان. قال: قال أبو الدرداء- رضي الله عنه أدركت الناس ورقًا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكًا لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك. قالوا: فكيف نصنع؟ قال: تقرضهم من عرضك ليوم فقرك.

وفي الزهد للإمام أحمد- بسنده عن الربيع بن خيثم- رحمة الله عليه- أنه قال: الناس رجلان مؤمن وجاهل، فأما المؤمن فلا تؤذه وأما الجاهل فلا تجاره.

وأنشدوا:

ومن بسط اللسان على سفيه

كمن دفع السلاح إلى العدو

وروى ابن أبي الدنيا- بسنده- عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه قال: ليس الحليم أن يحلم عمن يحلم عنه، ويجاهل من يجاهله ولكن الحليم من يحلم عمن لا يحلم عنه، ويحلم عمن جاهله.

وروى البيهقي- في الشعب- بسنده، عن قتادة في قوله- تعالى- {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} قال:(هذا في الخماشة تكون بين الناس). فأما إن ظلمك فلا تظلمه، وإن حرمك فلا تحرمه، وإن خانك فلا تخنه، وإن فجر بك فلا تفجر به، فإن المؤمن هو الموفي المؤدي، وإن الفاجر هو الخائن الغادر.

والخماشة- ما ليس له أرش معلوم من الجراحات. والله أعلم. وبسند البيهقي، عن الحسن البصري في قوله- تعالى-:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} قال: السلام عليكم على الأرض.

ص: 375

قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: إني لأعلم أجود الناس وأعلم الناس، أجود الناس من أعطى من حرمه، وأجود الناس من عفا عمن ظلمه.

وفي الشعب للبيهقي- بسنده، عن الأحنف بن قيس قال:

ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبر من فاجر، وشريف من دنيء.

وقال ابن عباس- رضي الله عنه: ثلاثة من لم تكن فيه واحدة منهن فلا يعتد بشيء من علمه: تقوى تحجزه عن معاصي الله، وحلم يكف به السفيه، وخلق يعيش به في الناس.

وقال لقمان لابنه: يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، والأخ عند الحاجة.

وقال الحسن البصري- رحمة الله عليه- المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل عليه حلم، ولا يظلم وإن ظلم غفر، ولا يقطع وإن قطع وصل.

وروى أبو بكر البيهقي- في مناقب الإمام أحمد- عن عمار بن زائدة- رحمة الله عليه- قال: العافية عشرة أجزاء (تسعة منها في التغافل، فحدثت به أحمد فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل).

وروى- أيضًا- في الشعب- بسنده، عن الأعمش. قال: السكوت جواب والتغافل يطفئ شرًا كبيرًا، ورضا المتجني غاية لا تدرك، واستعطاف المحب عون الطفر، ومن غضب عمن لا يقدر عليه طال حزنه.

وذكر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالَّتي هي أحسن

}. أن رجلًا شتم قنبرًا مولى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه فناداه: يا قنبر دع شاتمك، واله عنه ترضي الرحمن وتسقط وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت.

ص: 376