الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكرك البقاع أنه شاهد مرة الشيخ العارف القطب عبد الله اليونيني وهو يتوضأ من نهر ثوري عند الجسر الأبيض بصالحية دمشق، إذ مر نصراني ومعه حمل بعير خمرا، فعثرت الدابة عند الجسر وسقط الحمل، فرأى الشيخ وقد فرغ من وضوئه، ولا يعرفه فاستعان به على رفع الحمل على البغل، فاستدعاني الشيخ وقال (يا فقيه) فتساعدنا على تحميل ذلك الحمل على الدابة، وذهب النصراني، وتبعت الحمل وأنا ذاهب إلى المدينة، فانتهى بي إلى العقيبة فأورده إلى الخمار بها، فإذا هو خل: فقال له الخمار ويحك ذا خل. فقال النصراني: إني أنا والله أعرف من أين أتيت، ثم ربط الدابة في الخان ورجع إلى الصالحية فسأل عن الشيخ فعرفه وجاء إليه وأسلم على يديه ولازمه. انتهى).
فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف
قال أبو حامد رحمه الله: أما الدرجة الأولى فهي التعرف ونعني به، طلب المعرفة بجريان المنكر وهو التجسس وذلك منهي عنه قلت كما سيأتي بيانه - في الباب الخامس - إن شاء الله - تعالى -.
ثم قال رحمه الله: فلا ينبغي له أن يسترق السمع على دار غيره، ليسمع صوت الأوتار، ولا أن يستنشق، ليدرك رائحة الخمر، ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار ولا أن يستخبر من جيرانه، ليخبروه بما يجري في داره نعم (لو) أخبره عدلان ابتداء بأن فلانًا يشرب الخمر في داره، أو بأن في داره خمرًا أعده للشرب، فله إذ ذاك أن يدخل داره ولا يلزمه الاستئذان - هذا قول أبي حامد - ولم يذكر إذن الإمام في ذلك.
لكن قال أبو طالب عمر بن الربيع - في كتابه الأمر بالمعروف -: فإن قيل: (لم) أجزتم للإمام الهجوم عل قوم اجتمعوا على المسكر، وعلى الملاهي أو على من يبيع المسكر في داره أو نحو هذا؟ قيل: إن للإمام أن يعاقب مثل هؤلاء على بما هو أعظم من الهجوم عليهم في منازلهم وسيأتي - في الدرجة الرابعة في تحريق عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بيتين وجد فيهما خمرًا. ولا ريب أن إحراق المنازل أعظم من الهجوم عليها: فإن قيل: أو ليس بيت المؤمن حرزًا له؟ قيل: هو حرز له ما كان على إيمانه وستره، فإن أصاب أحدًا أو دمًا واعتصم ببيته كان للإمام أن يأمر بالهجوم عليه، وأن يستخرجه من بيته، ليقام عليه ما يستحقه من الحد، كذلك لو سرق أو قطع الطريق، ثم صار إلى بيته كان للإمام أن يهجم عليه في بيته ويتخرج منه أموال المسلمين، ويفعل به
ما يستحقه ومن كان يبيع الخمر في بيته أنكرنا عليه بالعظة، ولم نهجم عليه إلا بأمر السلطان وأمرائه ويجب علينا أن ننهي ذلك إليهم وعليهم أن يهجموا عليه ويكسروا ما أصابوا عنده ويعاقبوه بما يروا من العقوبة وإن أمرنا بالهجوم عليهم (وجب علينا) أن نهجم عليهم، وأن نكسر ما أصبنا وليس لنا أن نعاقبهم، لأن العقوبة إنما هي للإمام ولأمرائه، فإن باع ذلك في الأسواق والطريق ظاهرًا وجب على المسلمين أن يمنعوه، لأن إظهار ذلك استخفاف بالمسلمين. وللإمام وأمرائه أن يعاقبوه وليس ذلك للعوام. قال الغزالي رحمه الله: فإن أخبره عدلان أو عدل واحد - وبالجملة كل من تقبل روايته دون شهادته ففي جواز الهجوم على داره بقول هؤلاء نظر واحتمال. والأولى أن يمتنع لأن له حقًا في أن لا يدخل إلى داره بغير إذنه ولا يسقط حق المسلم عما ثبت حقه عليه إلاّ بشهادة عدلين انتهى.
وقد قيل: إنه كان نقش خاتم لقمان عليه السلام الستر لما عاينت أحسن من إذاعة ما ظننت. فينبغي - حينئذ- أن لا يقبل في الإخبار بالمنكر إلاّ قول عدلين. كما تقدم - في الركن الثالث - قال الله - تعالى {يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}
وروى الإمام أحمد - في سبب نزول هذه الآية - بسنده - عن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها. وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي في دعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-رسولًأ لأمان كذا وكذا ليآتيك ما جمعت من الزكاة (فلما جمع الحارث الزكاة) ممن استجاب له وبلغ الأمان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه فقد سلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - (نعم ارجع إليهم فادعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة. فرجع إلى قومه فدعاهم فأسلموا فلما كان بعد ذلك احتبس الرسول فلم يأته قال الحارث فخشيت أن يكون حدث حدث فيه سخطة من الله ورسوله فدعا بكبراء قومه. فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت ليَّ وقتًا يرسل إليَّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف: ولا أرى حبس رسوله إلاّ من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما