الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصر فهذه التقسيمات تحصل منها ثلاثة أقسام ولكل قسم منها رتبة وبعضها أشد من بعض:
القسم الأول: وهو أشهدها -ما تضرر به الناس كالظلم والغصب وشهادة الزور والغيبة والنميمة. فهؤلاء الأولى الإعراض عنهم وترك مخاطبتهم والانقباض عن معاملتهم لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الخلق.
ثم ينقسمون إلى من يظلم في الدماء والى من يظلم في الأموال والى من يظلم في الأعراض وبعضها أشد من بعض فالاستحباب في إهانتهم والإعراض عنهم مؤكد جدًا.
القسم الثاني: الذي يهيئ أسباب الفساد ويسهل طرقه على الخلق فهذا لا يؤذي الخلق في دنياهم وهو أخف من الأول فإن المعصية بين العبد وبين الله إلى العفو أقرب ولكن من حيث أنه متعد على الجملة -إلى غيره فهو شديد وهذا أيضًا يقتضي الإهانة والإعراض والمقاطعة وترك جواب السلام إذا ظن أن فيها نوعًا من الزجر له أو لغيره.
الثالث: الذي يفسق في نفسه بشرب خمر أو ترك واجب أو مقارنة محظور يخصه فالأمر فيه أخف ولكن وقت مباشرته إن صودف فيجب منعه بما يمتنع منه ولو بالضرب والاستخفاف فإن النهي عن المنكر واجب. وإذا فرغ منه وعلم أن ذلك من عادته وهو مصر عليه فإن تحقق أن نصحه يمنعه من العود وجب النصح وإن لم يتحقق ولكنه كان يرجو فالأفضل النصح والزجر بالتلطف أو بالتغليظ إذا كان هو الأنفع، فأما الإعراض ع ن جواب سلامه والكف عن مخالطته حيث يعلم أنه يضر وأن النصح ليس ينفعه فهذا فيه نظر والصحيح أن ذلك يختلف باختلاف نية الرجل.
فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم
.
والهجر يختلف باختلاف المهجورين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود زجر المهجور وتأديبه وزجر العامي عن مثل حاله، فإن كانت مصلحته تلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته كان مشروعًا وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر يضعف بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته
لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض التأمل أنفع من الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف.
قال أبو عبد الله بن مفلح وظاهر كلامهم يعني أصحاب "أحمد" أو صريحه من النشوز -بتحريم الهجر لخوف المعصية على المرأة ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف أقوامًا ويهجر آخرين وقد يكون المؤلفة قلوبهم أشر حاًلا في الدين من المهجورين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا من أكثر المؤلفة قلوبهم لمكان هؤلاء لأنهم كانوا سادة مطاعين في عشائرهم وكانت المصلحة الدينية في تألف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين: والمؤمنون سواهم كثيرون عزيزون فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. كما أن الشروع في الغدر والقتال تارة والمهادنة تارة وأخذ الجزية تارة. كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.
كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وإيلائه منهن شهرًا كما في الحديث المشهور فقد كان في ذلك مصالح كثيرة في الدين وكما فعل كثير من السلف.
وقد ذكر محمد بن عمر الواقدي رحمه الله عن رجل هجر رجًلا حتى مات فقال: هذا شيء تقدم فيه قوم منهم سعد بن أبي وقاص كان مهاجرًا لعمار بن ياسر حتى مات وعثمان بن عفان كان مهاجرًا لعبد الرحمن بن عوف وعائشة كانت مهاجرة لحفصة وطاووس مهاجرًا لوهب بن منبه حتى مات.
وقال أبو بكر الخلال في كتاب المجانبه: كان أبو عبد الله يعني الإمام أحمد يهجر أهل المعاصي ومن قارن الأعمال الرديئة أو تعدى وهجر بعض أصحابه وكان يتردد إليه سنين وصار لا يكلمهن فلم يزل يسأله تغير حاله وهو لا يذكر حتى قال: بلغني أنك طينت حائط جارك من جانب الشارع فقد أخذت قدر سمك الطين من الطريق وهو أنملة من شارع المسلمين فلا تصلح لتعلم العلم ونقل عنه أبو بكر المروزي في سقف البيت يكون فيه الذهب بجانب صاحبه؟ .
قال: يجفي صاحبه: وقال-في رواية- إذا علم أنه مقيم على معصيته وهو يعلم بذلك لم يأثم إن جفاه حتى يرجع وإلا كيف يتبين للرجل ماهو عليه إذا لم ير منكرًا ولا جفوة من صديق.