الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما سوى الفرائض، وكان ينه وبين ربه - تعالى - فإنما ينكر عليه بالموعظة من غير ضرب ولا حس إلاّ ما فيه حد. كما ذكر أبو طالب عمر بن الربيع وغيره.
فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وأما الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو نفس الأمر والنهي. وله درجات وآداب.
أما الدرجات في ولها التَّعرُّف ثم التعريف ثم النهي ثم الوعظ والنصح ثم السب والتعنيف ثم التغيير باليد ثم التهديد بالضرب ثم إيقاع الضرب وتحقيقه ثم شهر السلاح ثم الاستظهار فيها بالأعوان وجمع الجنود. فهذه الدرجات التي ذكرها الإمام الغزالي. رحمه الله تعالى -
وقد قامت أمام درجة أخرى، وهي إنكار المنكر بالحال. قال بعض العارفين عند تفسير قوله - تعالى-:{لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} .
(فجعل سبحانه الربانيين نائبين عن الأنبياء الذين هم أولوا الدين، فهم الخلفاء ينهون الخلق بممارسة أحوالهم كثر مما ينهونهم بأقوالهم، لأنهم إذا أشاروا إلى الله حقق ما يؤمنون إليه ويحقق ما يعلقون هممهم به).
كما جرى لجماعة من السلف منهم خالد بن الوليد- رضي الله عنه فذكر ابن كثير- في تاريخه عن أي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن خيثمة قال: أتي خالد برجل معه زق خمر. فقال: اللهم اجعله عسلًا فصار عسلًا. وله طرق. وفي بعضها: مر عليه رجل معه زق خمر فقال له خالد: ما هذا؟ قال: خل. فقال: اللهم اجعله خلًا. فلما رجع الرجل إلى أصحابه أصابته والله دعوة خالد.
ومنهم شيخ مشايخنا الإمام القطب محيي الدين عبد القادر الكيلاني - قدس الله تعالى روحه.
قال صاحب "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار": أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر الأمهري. قال: سمعت قاضي القضاة أبا نصر قال: سمعت أبي عبد الرزاق يقول: خرج والدي يعني الشيخ محي الدين عبد القادر الكيلاني - قدس الله روحه - يومًا إلى صلاة الجمعة وأنا وإخواني عبد الوهاب وعيسى فرأينا في الطريق ثلاثة أحمال خمر للسلطان وقد فاحت رائحتها واشتدت ومعها صاحب للشرط وأعوان الديوان. فقال لهم الشيخ: قفوا فلم يقفوا وأسرعوا في سوق الدواب. فقال الشيخ للدواب: قفي فوقفت مكانها كأنها جمادات، وضربوها ضربًا عنيفًا، فلم تتحرك من موضعها، وأخذهم القولنج وجعلوا يتقلبون على الأرض يمينًا وشمالًا من شدة الوجع.
فضجوا بالشيخ، وأعلنوا التوبة والاستغفار، فزال عنهم ذلك في نفس الوقت، وانقلبت رائحة الخمر برائحة الخل، ففتحوا الأواني فإذا هي خل ومشت الدواب، فعلت أصوات الناس بالضجيج وذهب الشيخ إلى الجامع، وانتهى الخبر إلى السلطان فبكى رعبًا، وارتدع عن فعل كثير من المحرمات، وحضر إلى زيارة الشيخ، وكان يجلس بين يديه متصاغرًا ودخل عليه - قدس الله روحه - شيخ ومعه شاب وقال له: ادع لهذا، فإنه ولدي، ولم يكن ولده، بل كان على سريرة غير صالحة، فغضب الشيخ، وقال: بلغ أمركم معي إلى هذا الحد، ودخل داره، ووقع الحريق في أرجاء بغداد من وقته وكلما طفى مكان اشتعلت النار في مكان آخر، ورؤي البلاء نازلًا على بغداد كقطع الغمام بسبب غضب الشيخ.
راوي القصة عنه - فأسرعت بالدخول إليه، فوجدته على حاله مغضبًا فجلست إلى جانبه، وجعلت أقول له: يا سيدي ارحم الخلق، قد هلك الناس حتى سكن غضبه، فرأيت البلاء قد انكشف وانطفأ الحريق كله.
وكان الشيخ القطب العارف أبو عبدالله، محمد القرشي أحد الأولياء المشهورين بالبلاد المصرية - قدس الله روحه - (مبتلى) في جسده، ومات بالقدس الشريف ودفن بمقبرة ماملا. وكان يقول لأصحابه: إنكار المنكر بالباطن من حيث الحال أتم من إنكاره بالظاهر من حيث القال فقيل له: أرنا آية ذلك؟ فقال لصاحبه الشيخ أبي عبد الله القرطبي: أجلسني على دكة على الطريق فأتى به إلى المسجد الذي عند مفترق الطريق بين مصر والقاهرة فأجلسه على دكته فعبر بغل عليه جرار خمر، فأعلمه "القرطبي" به فأشار الشيخ إلى الحمل بإصبعه هو هذا فعثر البغل وانكسرت الجرار.
ومر عليه ثلاثة أحمال بغال عليهن خمر وهو يصنع كذلك والجرار تنكر فقال الشيخ: هكذا يكون الإنكار.
وقال الشيخ أبو (محمد) عبد الله بن مسعود المعروف بالرومي: اجتزت مع شيخنا ضياء الدين إلى النجيب عبد القاهر السهروردي صاحب العوارف- قدس الله روحه - قومًا بالكرخ فسمعنا اختلاط أصوات سكارى في دار، وشممنا رائحة منكرة فدخل الشيخ (دهليز) الدار فصلى ركعتين فخن ج من كان فيها صارخين فإذا كانت الخمر في أواني عندهم قد صار ماءا وتابوا كلهم على يد الشيخ.
قال: ومررت معه مرة أخرى على الجسر فرأى رجلًا: يحمل فاكهة كثيرة. فقال الشيخ: (هذه الفاكهة) تقول لي كلامًا قال الرجل ماذا تقول الفاكهة؟ قال إنها تقول لي: أنقذني من يد هذا، فإنه اشتراني ليشرب علي الخمر. فأغمي على الرجل وسقط لوجهه، ثم أتى إلى الشيخ فتاب على يديه.
ومر الشيخ أبو محمد الشنبكي جد أعيان مشايخ العراقيين العارفين بجماعة بين أيديهم أواني الخمر وآلات الطرب. فقال: اللهم طيب عيشهم في الآخرة فصار الخمر ماء، وألقى الله عليهم الخشية فتصارخوا ومزقوا ثيابهم وتهاطلت دموعهم وكسروا الأواني والآلات وحسنت توبتهم.
وروي عن الفتح بن منخرق قال: (تعلق رجل لامرأة وبيده سكين، وكان لا يدنو أحد منه إلاّ عقره، وكان الرجل شديد اليدين، فبينا الناس كذلك، والمرأة تصيح من بين يديه، إذ مر بشر بن الحارث الحافي- قدس الله روحه- فدنا منه، وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل إلى الأرض، ومضى "بشر" فدنوا من الرجل وهو يرشح عرقًا فمضت المر. ة لحالها فسألوه: ما حالك؟ فقال: ما أدري إلا أن شيخنا جاء إلي، وقال: إن الله - تعالى- ناظر إليك وإلى ما تعمل، فضعفت لقوله قدماي، وهبته هيبة شديدة، لا أدري من ذلك الرجل؟ فقالوا له: ذلك بشر الحافي. فقال واسوأتاه كيف ينظر إلى بعد اليوم وحم الرجل من يومه ومات يوم السابع).
وقد جرى لجماعة من السلف كثير من ذلك. والله أعلم.
(وحكى الشيخ أبو المظفر سبط بن الجوزي، عن القاضي جمال بن يعقوب الحاكم