الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الله تبارك وتعالى يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له أن يكذبني، أما شتمه فيقول: إن لي ولدًا.
وفي رواية قال: قال الله عز وجل: (كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني وشتمني ولم يكن له أن يشتمني أما تكذيبه لي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادتهن واما شتمه إياي، فقوله اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد).
وروى نحوه البخاري من حديث ابن عباس بلفظ: (كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أن لا أقدر أعيده كما كان وأما شتمه أياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا" فمن أسمائه - سبحانه- الصبور.
وروي أن الله أوحى إلى داود عليه السلام تخلق بأخلاقي، وإن من أخلاقي أني أنا الصبور.
فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم
وأما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد صبر على مقاساة قريش وأذى الجاهلية، ومصابرته الشدائد الصعبة معهم إلى أن أظفره الله عليهم، ونصره عليهم، وحكمه فيهم فما زاد على أن عفا وصفح وقال "ما تقولون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، فقال أقول كما قال أخي يوسف:{لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم} إذهبوا فأنتم الطلقاء. وكل صابر قد عرفت عنه زلة وحفظت عنه هفوة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع الأذى إلا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا، لأن الله تعالى خصه بمناقب عديدة، ومنحه بكرائم الكرائم وأعلى - في الدارين - مقاله ومقامه، وكمل فيه جميع المحاسن وأفاض عليه من
عين الصبر ماء غير آسن، فكان صلى الله عليه وسلم:" اصبر الناس على مايصاب به من الأذى بقيامه في دين الله "- تعالى.
ففي الصحيحين، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجه من حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكي نبيًا من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول:"اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون" وفي رواية "اللهم أهد قومي".
قال أبو زكريا النواوي: وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم نحو هذا يوم أحد.
وفي صحيح مسلم ومسند أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه من ديث أنس- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج رأسه فجعل يسلت الدم عن وجهه، ويقول:(كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، كسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله) فأنزل الله عز وجل {لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا م عند الله وما عند الله \خير للأبرار}
وفي رواية قال: (كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم)
وروى البخاري ذكر الشج، والآية في ترجمة باب
والشج: الجرح
(الرباعية) بفتح الراء، وتخفيف الباء الموحدة، والباء المثناة من تحت بوزن ثمانية - هي السن التي بين الثنية والناب من كل جانب (والذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم هو عتبة بن وقاص
أخو سعد وجرح شفته السفلى، وعمر بن قمئة الليثي جرح وجهه يومئذ، وعبد الله بن شهاب الزهري شجه قي وجه يومئذ).
وكان هؤلاء ومعهم أبي بن خلف تعاهدوا يوم أحد ليقتـ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليقتـ لن دونه.
(روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه، فقال:{رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} .
ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك، وادمي وجهك وكسرت رباعيتك فابيت أن تقول إلا خيراً. فقلت:(اللهم أغفر لقومين فإنهم لا يعلمون).
(ففي هذا بيان وقوع الإبتلاء - صلوات الله وسلامه عليهم - ليظهر ما كانوا عليه من الصبر والحلم والعفو والشفقة على قومهمن ودعائهم لهم بالهداية، وينالوا - بذلك جزيل الجر، ولتعرف أممهم وغيرهم ما أصابهم فيتأسوا بهم).
قال القاضي أبو الفضل عياض بن مكوسى - في كتابه الشفا- أنظر مافي هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسام- وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه وسلم -على السكوت عنهم حتى عفار ثم اشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال:(اللهم أغ فر واهد)، ثم أظهر سبب الشفقة والرجمة بقوله "لقومي" ثكم اعتذر عنهم بجهلهم بقوله:(فإنه لا يعلمون). انتهى
وفي الصحيحين، ومسند أحمد من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين آثر سول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أشراف العرب فآثرهم- يومئذ - في القسمة فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، ولا أريد بها وجه الله، قال فقلت: لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأتيته فأخبرته بما قال، فتغير وجهه حتى كان كالصرف. ثم قال: (فمن يعدل إذا
لم يعدل الله ورسوله) ثم قال: (يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) فقلت: "لا جرم لا أرفع إ ليه بعدها حديثًا).
وفي رواية لأحمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)، فأتي رسول الله بمال فقسمه- قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة. قال فتثبت حتى سمعت ما قالا، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنك قلت لنا: لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا وإني مررت بفلان وفلان يقولان كذا وكذا فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (دعنا منك فقد أوذي موسى بأكثر من ذلك ثم صبر).
وروى أبو داود قوله: (لايبلغني أحد- إلى قوله: سليم الصدر).
ورواه الترمذي بزيادة عن ذلك.
والرجل المبهم هو معتب بن قشير قاله أبو عبد الله محمد الواقدي والصرف: بكسر الصاد - صبغ أحمر.
وقوله (لا جرم) أي لا نكر ولا نكير بل حق واجب. وقيل معناه: لا محالة ولابد -والله أعلم.
وروى أبو بكر البزار -وأبو الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني وغيرهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه قال: جاء أعرابي يومًا فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فأعطاه، فقال: أحسن إليك؟ فقال الأعرابي: لا ولا أجملت، فغضب المسامون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وارسل إلى الأعرابي وزاده شيئًا ثم قال: أحسنت إليك؟ قال نعم فجاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ماقلت بين يدي حتى يذهب مافي صدورهم