الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبشر ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادة، أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك وجاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان كالآمر الناهي له، ولهذا المعنى قال الله عز وجل: {ولما سكت عن موسى الغضب
…
}.
فإذا لم يمسك الإنسان ما يأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شر الغضب وربما يمكن غضبه ويذهب عاجلًا فكأنه -حينئذ- لم يغضب.
قال ابن رجب: وإلى هذا وقعت الإشارة إليه في القرآن (في) قوله -تعالى: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} .
وقوله: {
…
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.
والغيظ: الغضب. وقيل: أشد. وقيل: أوله. غاظه يغيظه فاغتاظ وغيظه يغيظه وأغاظه وغايظه.
وكظم الغيظ رده في الجوف. يقال: كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه. والغيظ أصل الغضب وهو نتيجته وكثيرًا ما يتلازمان لكن الفرق بينهما أن الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب فإنه يظهر من باطن الإنسان إلى ظاهره والله أعلم.
فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:
وقد جاء في كظم الغيظ والثبات عند الغضب أحاديث من أمثلتها. ما ثبت في الصحيحين ومسند أحمد، والموطأ من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ورواه ابن حبان -في صحيحه- ولفظه: "ليس الشديد من غلب الناس، إنما الشديد من غلب نفسه".
الصرعة -بضم- الصاد، وفتح الراء- أصله عند العرب- من يصرع الناس كثيرًا. وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود عن ابن مسعود مرفوعًا (ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا الذي لا تصرعه الرجال. قال: لا ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب).
وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن حصية أو أبي حصية عن رجل شهد سول الله صلى الله عليه وسلم يخطب. وفي آخره. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الصرعة؟ قالوا: الصريع). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه، ويحمر وجهه، ويقشع شعره فيصرعه غضبه).
وروى ابن أبي الدنيا من حديث علي مرفوعًا: "أشدكم من ملك نفسه عند الغضب، وأحلمكم من عفا عند المقدرة".
وروى أبو الاسم الأصبهاني -في الترغيب والترهيب- عن حديث ابن عمر مرفوعًا "من كف لسانه ستر الله عورته، ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه، ومن اعتذ إلى ربه قبل الله عذره".
ورواه أبو يعلى الموصلي بلفظ: "من كف غضبه كف الله عنه عذابه" فذكر مثله.
وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث سهل بن
معاذ بن أنس الجهني، وعن أبيه مرفوعًا:"من كظم غيظًا وهو قادر على (أن) ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيه من أي حور العين شاء" الحديث
قال الترمذي: حديث حسن.
وعند "أحمد": "من كظم غيظًا وهو يقدر أن ينتصر
…
" فذكره.
وروى أحمد -أيضًا- وابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس مرفوعًا: "ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ كظمها عبد، ما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانًا".
وفي مسند أحمد، وسنن ابن ماجه من حديث ابن عمر مرفوعًا. "ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله -تعالى-".
ففي هذه الأحاديث دلالة على فضل كظم الغيظ، وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصا والمخاصمة، فإن شدة الغضب مؤدية إلى كل سوء.
وغضب عمر بن العزيز -رحمة الله عليه- فقال له ابنه عبد الملك: أنت يا أمير المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضلك به تغضب هذا الغضب؟ فقال له: أو ما تغضب يا عبد الملك؟ فقال عبد الملك: وما تغني عني سعة جوفي إذا لم أردد فيه الغضب حتى لا يظهر.
وقال بعض السلف: (إياك والغضب، فإنه يصيرك إلى ذل الاعتذار).
وقال بعضهم: عجبًا لمن قيل فيه السوء وهو فيه. كيف يغضب؟ وعجبًا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟ أيها الآمر زل المنكر بمعروف وتبتل واستشعر الخضوع واستجلب الدموع واحتل، واحذر سهم الغضب أن يصيب المقتل.
والمقصود أن يحسن الخلق بكظم الإنسان غيظه وبه يصير الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر صابرًا على ما أصابه في دين الله -تعالى- وإلا فإذا أصيب عرضه أو نفسه بشتم أو