الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين
وأما قوله- سبحانه وتعالى: {يا أيُّها الَّذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لوّمة لائمٍ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} . الارتداد عن الدين هو: الرجوع عن الحق. فأخبر سبحانه عن قدرته العظيمة- أنه من تولى عن نصرة دينه، وإقامة شريعته (فإنه) يستبدل به من هو خير لها منهم وأشد منعةً وأقوم سبيلًا كما قال تعالى:{فإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم} .
وقال بعض العارفين: (جعل سبحانه صفة من لا يرتد عن الدين أن يحب الله ويحبه الله وفي ذلك بشارة عظيمة للمؤمنين، لأنه يجب أن يعلم أن من كان غير مرتد فإن الله يحبه، وفيه إشارة دقيقة، فإن من كان مؤمنًا يجب أن يكون لله محبًا، فإذا لم يكن له محبًا فالخطر بصحة إيمانه).
فمحبة الله للعبد إما أن تكون بنحو الرحمة عليه، أو بمعنى (اللطف والإحسان إليه) أو المدح له والثناء عليه. وقيل: تقريبه وتخصيص محله، وقيل غير ذلك.
وأما محبة العبد لله- سبحانه- فهي حالة لطيفة يجدها في قلبه تحمله على إيثار موافقة أمره، وترك حظوظه فيه وإيثار حقوقه- تعالى- بكل وجه.
قال بعضهم: المحبة ارتياح القلب بوجود المحبوب. وقيل ذهاب المحب بالكلية في ذكر المحبوب. وقيل: خلوص المحب لمحبوبه بكل وجه.
ويقال: (المحبة قضية توجب المحبة)(فمحبة) الحق أوجبت محبة العبد قال الله- تعالى-: {يحبهم ويحبونه} .
ثم بين سبحانه صفة المحبين فقال: {أذلة على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين} لأن ذلك من صفات المؤمنين الكمل يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه متعززًا على خصمه وعدوه.
كما قال- تعالى-: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} وفي صفته- صلى الله عليه وسلم: "الضحوك القتال" فهو ضحوك لأوليائه، قتال لأعدائه، ثم قال- في
وصفهم بالجهاد في سبيله-: (يجاهدون في سبيل الله في نصرة دينه من قتال الكفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وقيل: يجاهدون بنفوسهم من حيث استدامة الطاعات وبقلوبهم بقطع المنى والطلبات وبأرواحهم بحذف العلاقات (وبأسرارهم) بالاستقامة على الشهود في دوام الأوقات.
ثم قال: {ولا يخافون لومة لائم} أي لا يردهم عما هم فيه من قتال أعداء الله وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر راد، ولا يصدنهم عنه صاد، ولا لومة لائم، ولا عذل عاذل فلا يخافون في الله لومة لائم.
أي هم صلاب في دينه لا يبالون من لام فيه. فمتى شرعوا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر أمضوه، لا يمنعهم اعتراض معترض ولا قول قائل وهذان الوصفان أعني الجهاد والصلابة في الدين نتيجة الأوصاف السابقة من قوله:{يحبهم ويحبونه} ، لأن من أحب الله لا يخشى سواه. فلا يلاحظون فيه صحبة حميم. ولا يركنون إلى ثناء حكيم وقوله:{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} . إشارة إلى أن ما تقدم من الأوصاف التي تحلى بها المؤمن. فذكر سبحانه أن فضل الله يؤتيه من يشاء. أراد: ليس بسابقة بل على سبيل الإحسان منه تعالى لمن أراد الإحسان إليه. {والله واسع} الإحسان والأفضال {عليم} بمن يضع ذلك فيه من عباده ممن يحرمه إياه.
ثم قال سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} .
(أي ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي من أكبر أركان الإسلام وهي لله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة المحتاجين من الضعفاء والمساكين.
ثم قال- تعالى-: {ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح ومنصور في الدنيا والآخرة).
وقال بعض العارفين: (حزب الله هم الفانون عن حظوظهم، القائمون بالحق لسيدهم ومعبودهم، فمن قام لله بصدق انخنس دونه كل مبطل، وإذا أشرقت شموس أهل الحق أدبرت ظلم المبطلين).