الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟ قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: كان إذا أصبح قال: اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك، فلا يشتم من شتمه ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه).
ورواه غيره بلفظ: (اللهم إنه لا مال لي فأتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي، فمن شتمني أو قذفني فهو في حل) فقال النبي: من يستطع منكم أن يكون كأبي ضمضم؟ قال ذلك صلى الله عليه وسلم لأن العفو عن أرباب الهفوات بإقالة العثرات والحلم على مقترفي الزلات، والصفح عن ذوي الهيئات واصطناع المعروف، وإغاثة المضطر الملهوف من محاسن الشيم، وأشرف خلال الكرم.
فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي
ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، الأناة والتؤدة والتثبت. والأناة الصفح والحلم والوقار. قال الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا
…
}.
قرأ حمزة والكسائي: (فتثبتوا) من التثبت.
وقال تعالى: {خلق الإنسان من عجلٍ} ، وقال- تعالى-:{ .. وكان الإنسان عجولًا} وقال- تعالى-: {فستعلمون من أصحاب الصراط السّوي ومن اهتدى
…
}.
وقال تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} .
وقرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا- كقراءتهما آية النساء المتقدمة قريبًا. و (الفاسق) الكذاب، (أن تصيبوا): أي لئلا تصيبوا قومًا (بجهالة) أي بخطأ. {فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} أي على عجلة، وترك التأني.
وفي جامع الترمذي من حديث سهل بن سعيد الساعدي- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأناة من الله والعجلة من الشيطان).
وقال: حديث حسن غريب- وروى نحوه أبو يعلى الموصلي من حديث أنس مرفوعًا. بلفظ: التأني من الله والعجلة من الشيطان.
فالأناة بفتح الهمزة وبالتاء: التي تكتب هاء وبالقصر- التثبت في الأمور والسكون وترك العجلة والتأني والمكث والإبطاء وهي محمودة (والعجلة) وهي التقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه، وهي مذمومة، والسرعة محمودة وهي التقدم فيما ينبغي التقدم فيه والأناة والتؤدة، والتثبت خلق متوسط، لأن النفس إذا انحرفت عن ذلك انحرفت إما عجلة وطيش، وإما إلى تفريط وإضاعة. والفرق بين المبادرة والعجلة أن البادرة هي الإسراع في أمر هو حق الله عز وجل ويخاف عليه الفوت. فالعبد محمود في الإسراع فيه أما العجلة بالإسراع في أمر على قضاء الشهوة والتهمة وإدراك المنية، لا لله- تعالى- ولا لوجهه. فتلك العجلة من الشيطان.
كما قيل:
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد
…
وإذا هممت بأمر خير فأسرع
والمقصود أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون بعد البصيرة والمعرفة، والبصيرة تحتاج إلى تأمل ومهلة، والعجلة تمنع من ذلك.
قال الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام: الأفعال ضربان:
أحدهما: ما خفي عنا مصلحته، فلا تقدم عليه حتى تظهر مصلحته المجردة عن المفسدة أو الراجحة عليها. وهذا الذي جاءت الشريعة بمدح الأناة فيه إلى أن يظهر رشده وصلاحه.
الضرب الثاني: ما ظهرت لنا مصلحته، وله حالان:
أحدهما: أن لا تعارض مصلحته مفسدته ولا مصلحة أخرى، فالأولى تعجيله، والثانية أن تعارض مصلحته مصلحة هي أرجح منه مع الخلو عند المفسدة، فيؤخر عند رجاء
الحياة وإلى تحصيله، وإن عارضته مصلحة تساويه قدمت مصلحة التعجيل لما ذكرناه فيما خلا عن المعارض والله أعلم.
وفي الموطأ، ومسند أحمد وسنن أبي داود من حديث عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة) هذه رواية الموطأ.
ورواية أحمد، وأبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة).
ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن سرجس بلفظ: (إن السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة) وقال: حديث حسن غريب.
التؤدة- بضم المثناة الفوقية، وفتح الهمزة المهملة- هي التأني والتثبت وعدم العجلت فإذا أمرت بها فأنت أتيد.
وفي سنن أبي داود وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الخير).
ورواه البيهقي. قال: إلا في عمل الآخرة.
قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: أنتم في زمان خيركم فيه المسارع الأمور، وسيأتي بعدكم بزمان يكون خيركم المتثبت المتوقف لكثرة الشبهات.
وقال علي- رضي الله عنه وكرم وجهه-: من التوفيق التوقف عند الحيرة.
قال الغزالي: فمن لم يثبت في هذا الزمان، ووافق الجماهير فيما هم عليه خاض فيما
خاضوا، وهلك فيمن هلكوا. فبجمع ما في هذا الفصل، أن من وقعت به نازلة أو بلغه خبر محتمل الصدق والكذب أن لا يعجل فيه.
وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية- رضي الله عنهما يعاتبه في التأني فكتب إليه معاوية: أما بعد فإن التفهم في الخبر زيادة ورشد، وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيبًا، فإن العجل يخطئ- أو كاد أن يكون مخطئًا.
وأنشد بعضهم:
ومستعجل والمكث أولى لرشده
…
ولم يدر ما يلقاه حين يبادر
قال بعض الحكماء: العجلة تثمر الزلل العاجل، وتسفر عن الندامة في الأجل.
ولغيره:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون من المستعجل الزلل
قال أبو بكر البيهقي- في الشعب-: أخبرنا جعفر الخلوي. قال: سمعت الخواص يقول: العجلة تمنع من إصابة الحق، وربما آلت إلى الضرر.
وأنشدوا:
لا تعجلن فربما عجل الفتى فيما يضره
…
وربما كره الفتى أمرًا عواقبه تسره
وكم لله من لطف خفي
…
يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم عسر أعاد يسرًا
…
وفرح لريحه القلب الشجي
وكم هم تساءمنه صباحًا
…
فأعقبه المسرة بالعشي
وروى أنه لما ولد عيسى- عليه السلام أتت الشياطين إبلين. فقالت: أصبحت الأصنام قد نكصت رؤوسها. قال: هذا حادث قد حدث مكانكم! وطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئًا ثم وجد عيسى عليه السلام قد ولد وإذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع إليه فقال: إن نبيًا قد ولد وإذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع إليهم فقال: إن نبيًا قد ولد البارحة ولا حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا، فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة.
وقال الحسن البصري: المؤمن وقاف متأن وليس كحاطب ليل. وأجمع الحكماء على أن المظفر مأمور بالصبر، والإدراك موصول بالتأني.