المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم: - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

الله صلى الله عليه وسلم وفهمًا في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والباع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نغمه على قدح الجهال وأهل البدع وطعنهم فيه، وازدرائهم به، وتغير الناس وتحذيرهم منه، كما كان الكفار يفعلون مع متبوعهم وإمامهم، فإن دعاهم إلى ذلك قدح ما هم عليه من المنكر، فهناك تقوم قيامتهم، وينصبون لهم الحبائل ويجلبون عليهم بخيلهم ورجلهم، فهو غريب في دينه، لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة، لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده، لفاد عقائدهم، غريب في طريقه، لفساد طريقهم، غريب في معاشرته لهم، لأنه لا يعاشرهم على ما تهوى انفسهم.

وبالجملة، فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد مساعدًا معينًا، فهو عالم بين قوم جهال، صاحب سنة بين أهل البدع، دع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم المنكر والمنكر المعروف.

‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

روى أبو القاسم الطبراني وغيره من حديث أبي أمامة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل شيء (إقبال وإدبار) وإن من إقبال الدين ما كنتم عليه العمى والجهالة وما بعثني الله به. وإن من إقبال الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان فهما مقهوران ذليلان، إن تكلما قمعا وقهرا واضطهدا. ألا وإن من إدبار الدين أن يجفو القبيلة بأسرها حتى لا يرى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان وهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانًا ولا أنصارًا). فوصف صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المؤمن العالم بالسنة الفقيه في الدين بأنه يكون في آخر الزمان عند فساده مقهورًا ذليلًا لا يجد آعوانًا ولا أنصارًا.

وروى الطبراني- أيضًا- من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في ذكر أشراط الساعة قال: (وإن من أشراطها أن يكون المؤمن في القبيلة أذل من النقد).

ص: 288

قال العلماء: النقد الغنم الصغار.

وروى الإمام أحمد - بسنده - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لرجل من أصحابه: "يوشك إن طالت بك حياة أن ترى الرجل قد قرأ القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فأعاذه في حل حلاله وحرم حرامه ونزل عند منازله لا يحوز فيكم إلا كما يحوز رأس الحمار الميت".

وروى الإمام احمد -أيضًا- في كتاب الزهد- بسنده، عن عثمان بن يحيى الحضرمي. قال شكا الحواريون إلى عيسى- عليه السلام. قال: من ولع الناس بهم وبغضهم إياهم. فقال المسيح: كذلك المؤمنون مبغوضون في الناس. وإنما مثلهم مثل حبة القمح ما أحلى مذاقها وأكثر أعدائها.

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا- بسنده عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المؤمن ملجم بلجام فلا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يجد طعم الذل.

وبسنده عن كعب الأحبار أنه قال: لتحببن إليكم الدنيا حتى تتعبدون لها ولا أهلها، وليأتينكم زمان تكره فيه الموعظة حتى يختفي المؤمن بإيمانه كما يختفي الفاجر بفجوره، وحتى يعير المؤمن بإيمانه كما يعير الفاجر بفجوره.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سيأتي على الناس زمان المؤمن فيه أذل من الأمة، وروى أحمد في الزهد بسنده، عن لقمان بن عامر. قال: سمعت أبا أمامة- رضي الله عنه يقول: المؤمن في الدنيا بين كافر يقاتله، ومنافق يبغضه ومؤمن يحسده، وشيطان وكل به.

وروى نحوه أبو بكر بن لال- في مكارم الأخلاق- من حديث أنس مرفوعًا: المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يضله، ونفس تنازعه.

ص: 289

وروى أبو نعيم - في الحلية - بسند، عن خيثمة بن عبد الرحمن وكان قوم يؤذونه تحال: إن هؤلاء يؤذونني فلا والله ما طلبني. أحد منهم بحاجة إلا قضيتها، ولا أدخلت على أحد منهم أذى، ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسودـ، ولم يرون ذلك إلا أنه والله لا يحب منافق مؤمنًا أبدًا.

وأنشدني فارس العربية ومالك أذمة العلوم الأدبية برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم الباعوني لنفسه:

اشكو إلى الباري أنا ساقد غدت

ملأي بأنواع المخازي بيوتهم

تغلي على قلوبهم حقدًا كما

تغلي على الجمر الكثيف قدورهم

هم يعلنون لذي اللقاء مودتي

والله يعلم ما تكن صدورهم

ولبعضهم:

إني بليت بقوم لا خلاق لهم

إن رمت إيضاح علم عندهم جهلوا

إن كنت منبسطًا سميت مسخرة

أو كنت منقبضًا قالوا: به ثقل

وإن تقربت قالوا: جاء يسألنا

وإن تزينت قالوا قد زها الرجل

من لم بخلق وخلق يرتضون به

لا بارك الله فيهم إنهم سفلوا

هم الكشوت فلا أصل ولا ورق

ولا نسيم ولا ظل ولا أثلُ

والكشوت: نبت معروف بهذه الصفة

وكان أبو الدرداء- رضي الله عنه يقول: لا يحرز المؤمن من شرار الناس إلا قبره.

وأنشدوا:

وما احد من السن الناس سالم

ولو انه ذاك النبي المطهر

فإن كان مقدامًا يقولون أهوج

وإن كان مبذالًا يقولون: مبذر

وإن كان سكيتًا يقولون: أبكم

وإن كان منطقيًا يقولون: مهذر

وإن كان صوامًا وباليل قائمًا

يقولون ساع يرائي ويمكر

فلا تحتفل في الناس بالذم والثنا

ولا تخشى غير الله والله اكبر

ص: 290

وقال عبد الله بن المبارك: ليست للمؤمن في الدنيا دولة، لأنها سجنه وبلاؤه، وإنما هو الصبر، وكظم الغيظ، وإنما دولته في الآخرة. وقيل، أوحى الله - تعالى إلى عزير: إن لم تطب نفسًا بأن أجعلك علكًا في أفواه الماضغين، لم أكتبك عندي من المتواضعين.

وقال الحسن البصري - رحمة الله عليه- إلى جانب كل مؤمن منافق يؤذيه.

كما قيل:

ولن تبصري شخصًا يسمى محمدًا

من الناس إلا مبتلى بأبي جهل

ومما قرع الأسماع، واشتهر وذاع، ما روى القاضي أبو عبد الله محمد ين سلامة القضاعي- في مسند الشهاب- بسنده- عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لو كان المؤمن في حجر، لقيقبض الله له فيه من يؤذيه).

وروى- أيضًا - نحوه من حديث أنس مرفوعًا بلفظ: "لو أن المؤمن في حجر فأرة لقيض الله له فيه من يؤذيه".

وقال علي- رضي الله عنه: ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه.

والحكمة في ذلك ما ذكر بعض المحققين: أن المؤمن ولي الله ومحبوبه، لقوله تعالى:{الله ولي الذين آمنوا} .

ولقوله: {

والله ولي المؤمنين}.

ولقلوله: {

يحبهم ويحبونه}.

فإذا أحب الله - سبحانه - عبده المؤمن، وأراد أن يختصه بالولاية عرفه للبلاء والابتلاء - كما سيأتي في فضل الصبر - من الباب الرابع إن شاء الله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم بعد ان سأله سعد بن أبي وقاص: أي الناس أشد بلاء قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل

) الحديث.

ص: 291

وقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن قال له أبو سعيد الخدري: ما أشد حماك يا رسول الله؟ قال: (إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر). ثم قال: يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: (الأنبياء). قال ثم من؟ قال: (العلماء). قال: ثم من؟ قال: (الصالحون).وقوله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون).

فكما لا يخلو الأنبياء من الابتلاء بالجاحدين، فكذلك لا يخلو الأولياء والعلماء والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر عن الابتلاء بالجاهلين، لأن منزلة الآمرين بالمعروف تلي منزلة الأنبياء. كما سبق في - الباب الأول - عند قوله:{إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} .

فذكر الله - سبحانه - الذين يأمرون بالقسط بعد الأنبياء في الترتيب فقل ما انفك الأولياء وأهل الدين، من الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، عن ضروب الإيذاء، وأنوع البلاء بالإخراج من البلاد، والسعاية بهم إلى السلاطين والحكام، والشهادة عليهم بالكفر والخروج عن الدين، أو نسبتهم إلى ما يفسق من البدع والمعاصي وغير ذلك وفي كل ذلك خير لهم في الدنيا والأخرة.

وقد روى ابن أبي الدنيا - بسنده - عن أنس مرفوعًا: "إن الله - تعالى - إذا أراد بعبد خيرًا، أو أراد أن يصافيه، صب عليه البلاء صبًا" الحديث.

ورواه الأصفهاني - في الترغيب والترهيب - بأتم من هذا إلى غير ذلك من الأحاديث.

ومن جملة ما يرسله الله سبحانه وتعالى إلى عبده من البلاء، أن يقيض له ويسلط عليه من بعض خلقه من يقصده بالأذى، وكان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوفى نصيب من ذلك كما روي من حديث جابر مرفوعًا:(ما أوذي أحد في الله ما أوذيت) ثم ألحق بحاله خواص

ص: 292

المؤمنين، فإن أحدهم لو اختفى في جحر ضب أو فأرة مثلًا لقيض الله له من يؤذيه كما تقدم قريبًا؛ فيفعل الله سبحانه بعبده المؤمن رفعًا لدرجاته التي لا يبلغها إلا بفوادح البلاء.

وأما في الدنيا فيذع عليه بلاؤها ومحنها حماية له من الافتتان بها، وتزهيدًا له فيها بالبلاء؛ كيلا يطمئن إليها، ويألف محبتها فيقطعه ذلك عن منازل الآخرة فيبتليه سبحانه تعويضًا له، وترسيخًا لمقام الولاء، ليضعف صورة نفسه ويذيب صفات بشريته، ويقطع بالفقر والذل عنه مواد الهدى وزينة الدنيا، فيترك فاقته وفقره بمولاه في كل بأساء وضراء، فيألف الإقبال عليه، ويستوطن المثول بهمته بين يديه بالصبر، ئم الرضا إلى أن يرفعه بذلك إلى درجات الأحباب والأولياء.

وهذا معنى قوله: (إذا أحب الله عبدًا صب عليه (البلاء) صبًا).

أي إذا أراد رفعه إلى مقام محبوبيته، سلك به طريق محنه وبلائه لأن البلاء سبك الصفات فإنه يسبك نفس عبده بنار الامتحان والابتلاء، ليصفيه من كدورات أخلاق بشريته ليصلح لولايته.

وأنشدوا:

إن كنت تزعم حبنا وهوانا .... فلتلقين مذلة وهوانا

واسمح بنفسك إن أردت وصالنا

واغضب عليها إن أردت رضانا

ولبعضهم:

تطرق أهل الفضل بين الورى

مصائب الدنيا وأفاتها

كالطير لا تحب من جنها .... إلا التي تطرب أصواتها

ولغيره الصغر يرتفع في الرياض وإنما

حبس الهزاز لأنه ترنم

وروى ابن أبي الدنيا - بسنده - عن يحيى بن سعد القطان، قال: بلغني أن أبي الدرداء- رضي الله عنه كان يقول: ما من يوم أصبح فيه لا يرميني الناس بداهية إلا عددتها لله علي نعمة.

وأنشد حسان بن ثابت- رضي الله عنه:

وإن امرؤ يمسي ويصبح سالمًا

من الناس إلا ما مفلح ومجيد

ص: 293