الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روي عن عمر- رضي الله (عنه) أنه (كان) يخرج يعس المدينة بالليل فرأي نارًا موقدة في حي فوقف. قال: يا أهل الضوء، وكره أن يقول يا أهل النار.
وسأل رجلًا عن شيء هل كان؟ قال: لا أطال الله بقاءك. فقال: قد علمتهم فلم يتعلموا: هل لا وأطال الله بقاءك.
وكان بعض القضاة جلس أعمي وكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام اذهب مع أبي محمد. يقول خذ بيده. قال: والله ما أخل بها مرة واحدة. وسأل بعض الخلفاء ولده وفي يده عود أراك. ما جمع هذا؟ قال: محاسنك بي يا أمير المؤمنين.
فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:
وقد جاء في مدح الرفق وذم تاركه في غير ما حديث، وما أحسن ما بوب عليه الإمام أبو عبد الله البخاري- في صحيحه- فقال: باب الرفق في الأمر كله. حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة. فقالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مهلًا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله) فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت وعليكم).
وفي رواية نحوه.
وفي أخري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد قلت: عليكم). ولم يذكر الواو. هذا لفظ الصحيحين، ومسند أحمد، والترمذي.
وفي رواية البخاري: "أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم فقال: وعليكم. فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة عليك بالرفق وإياك والفحش). فقالت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو (لم) تسمعي ما قلت؟
رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيَّ".
وفي رواية أحمد كذلك.
ولمسلم، قالت: أتي النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود فقالوا: السام عليكم يا أبا القاسم قال: (وعليكم) قالت عائشة- رضي الله عنها وعليكم السام والذام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة لا تكوني فاحشة) فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ قال: (أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم).
وفي رواية أخري بنحوه، وفيه: قال: ففطنت بهم عائشة فسبتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مه يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش). وزاد: فأنزل الله- عز وجل: {وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله
…
}.
ولأحمد، قالت: بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ استأذن رجل من اليهود فأذن له. فقال: السام عليك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وعليك). قالت فهممت أن أتكلم. قالت: ثم دخل الثاني: فقال مثل ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك قالت: ثم دخل الثالث: فقال: السام عليك: قالت: قلت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، "أتحيون الله صلى الله عليه وسلم بما لم يحيه به الله؟ ! قالت: فنظر إليَّ. فقال: (مه، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش)، فقالوا قولًا فرددناه عليهم .. الحديث.
وروي الترمذي الرواية الأولي. وقال حديث حسن صحيح، قوله:(والذام) بتشديد الذال المعجمة وتخفيف الميم- والذم. والله أعلم.
ثم قال أبو عبد الله البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا حماد بن زيد. قال: حدثنا ثابت، عن أنس- رضي الله عنه أن أعرابيًا بال المسجد، فقاموا إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تزرموه، ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه). وفي رواية فقام الناس إليه ليقعوا فيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه وأريقوا علي بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).
ورواه مسلم وغيره.
قوله: (لا تزرموه) بضم التاء وإسكان الزاي بعدها راء- أي لا تقطعوا عليه بوله و (الإزرام) القطع. والسجل- بفتح السين المهملة وسكون الجيم- وهي الدلو الممتلئة بالماء.
والذنوب- الدلو. والله أعلم.
فالحديث دال علي استحباب الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعسف ولا إيذاء، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا ولا عنادًا. وعلي دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما من قوله صلى الله عليه وسلم:(دعوه) وكان قوله صلى الله عليه وسلم دعوة لمصلحتين.
إحداهما: لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولي من إيقاع الضرر به.
الثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة في المسجد.
فكذلك ينبغي للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يستعمل في جميع أموره مراعاة المصالح من الرفق وغيره.
وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود من حديث عائشة- رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع في شيء إلا شانه).
وفي رواية. قال: ركبت عائشة- رشي الله عنها- بعيرًا وكان فيه صعوبة فجعلت تردده. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالرفق) وذكر مثله وفي رواية أخري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالي رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف وما لا يعطي علي سواه) هذه رواية مسلم.
ولأحمد، ولأبي داود، عن المقدام بن شريح، عن أبيه. قال: سألت عائشة- رضي
الله عنها- عن البداوة. فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلي هذه التلاع، وأنه أراد البداوة مرة، فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة. فقال لي: يا عائشة، ارفقي، فإن الرفق لم يكن شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه).
وفي رواية ذكرها رزين بعد قوله: محرمة، وهي التي لك تركب فلعنتها. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فعليك بالرفق).
ولأحمد- أيضًا- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار).
ولان ماجه: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".
قال العلماء: الشين ضد الزين وهو العيب.
ورفق الله: تودده إلي عباده، ودعاؤه إياهم.
والعنف بضم العين وإسكان النون هو ضد الرفق ومعني يعطي علي الرفق أي يثيب عليه- ما لا يثيب علي غيره.
وقيل: يتأتي به من الأغراض وتسهيل به من المطالب ما لا يتأتي بغيره.
والبداوة: الخروج إلي البادية. فيها لغتان: فتح الباء وكسرها.
والتلاع جمع تلعة، وهي مجري بأعلى الأرض في بطون الأدوية. وقيل: ما ارتفع من الأرض وما انخفض منها.
والناقة المحرمة: التي لم ترض ولم تذلل بالركوب- كما سبق في رواية رزين قريبًا-.
وروي الحديث ابن أبي الدنيا. ولفظه: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه). قال العلماء: الفحش التعبير عن الأمور القبيحة بعبارة صريحة. والله أعلم.
وأنشدوا:
فإن الرفق قيل يمن
…
وأن الخرق في الأشياء شؤم
ولبعضهم:
الرفق يمن والأناة سلامة
…
فاستأن في رفق تلاق نجاحا
وفي صحيح مسلم، وسنن أبي داود، وابن ماجه حديث جرير بن عبد الله مرفوعًا:"من يحرم الخير وزاد مسلم كله".
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود من حديث عبد الله بن مغفل مرفوعًا: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف".
ومعني الحديث: أن استعمال اللطف يثمر ما لا يثمر العنف غالبًا وأنشدوا:
ينال بالرفق ما يغني الرجال به
…
كالموت مستعجلًا يأتي علي مهل
وفي مسند أحمد، وجامع الترمذي من حديث أبي الدرداء مرفوعًا:"من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير".
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروي أحمد- أيضًا- نحوه من حديث عائشة. ولفظه:
"فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة".
وفي صحيح مسلم- أيضًا- وغيره من حديث عياض بن حماد المجاشعي مرفوعًا: "
…
أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربي ومسلم، ورجل غني عفيف متصدق
…
" الحديث
قوله: (ذو سلطان مقسط) وما بعده مرفوع علي أنها صفات له، وهي بمعني صاحب.
وانشدوا:
رأيت الرفق أعلي في السمو
…
ولم أر كالتواضع في العلو
وفي صحيح مسلم، ومسند أحمد من حديث عائشة مرفوعًا:
(الهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه. ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به).
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالي).
وفي الصحيحين -أيضًا- ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي من حديث أبي موسي الأشعري- رشي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذًا إلي اليمين- فقال: (ادعوا الناس وبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا).
وفيهما -أيضًا- من حديث أنس بن مالك مرفوعًا: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا.
وفي سنن أبي داود من حديث أبي موسي الأشعري- رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره قال: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا).
وروي الإمام أحمد من حديث ابن عباس مرفوعًا: "علموا ويسروا ولا تعسروا".
وروى البزار من حديث أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: (إن الله أمرني أن أعلمك ولا أجفوك، وأن أدنيك ولا أقضيك فحق علي أن أعلمك، وحق عليك أن تعي).
قال العلماء: في هذا الحديث الأمر بالتيسير وهو ضد التعسير، ثم بالتبشير أي الإخبار بالخير، نقيض الإنذار وهو الإخبار بالشر، وذلك بفضل الله ورحمته وجزيل عطائه، رفقًا بعباده، والنهي عن التغير بذكر التخويف.
وهذا الحديث من جوامع الكلم، لاشتماله علي خير الدنيا والآخرة، لأن الدنيا دار الأعمال والآخرة دار الجزاء، فأمر صلى الله عليه وسلم بالتسهيل فيما يتعلق بالآخرة تخفيفًا لكونه رحمة للعالمين في الدارين. وفي تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليهم. وكذلك من تاب من أهل المعاصي يتلطف بهم كلهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلًا قليلًا. وقد كانت أمور الإسلام في التكليف علي التدريج فمتى يسر علي الدخل في الطاعة الدخول فيها سهلت عليه (وكانت عاقبته- غالبًا- التزايد فيها، ومتى عسرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن أوشك أن لا يدوم أو لا يستحليها. وفيه أمر الولاة بالرفق. كما ذكر النووي وغيره.
وفي جامع الترمذي، وصحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا:"ألا أخبركم بمن يحرم علي النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ علي قريب هين لين سهل" قال الترمذي: حديث حسن.
وفي رواية لابن حيان: "إنما تحرم النار علي كل هين لين قريب سهل".
وروي الخرائطي- في مكارم الأخلاق- من حديث جرير مرفوعًا: "الرفق رأس الحكمة".