الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث وأقبل الحارث بأصحابه، إذا استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث. فقالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة. فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا، والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته، ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلاّ حين احتبس عليَّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله فنزلت: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
…
} إلى قوله: {
…
والله عليم حكيم}.
قال بعض المفسرين: وفي هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد، إذا كان عدلًا، لأنه -سبحانه - إنما أمر في الآية بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
وفيها دليل- أيضًا - على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى يثبت الجرح؛ لأن الله - تعالى- أمر بالتثبت قبل إنفاذ الحكم، فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة وإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملًا بجهالة، كالقضاء بالشاهدين العدلين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقوله).
فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:
وأما الدرجة الثانية: فهي التعريف، فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله، وإذا عرف أنه منكر تركه، كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود فيعلم - أن ذلك لجهله - بأن هذه ليست بصلاة ولو رضي بأن لا يكون مصليًا لترك أصل الصلاة، فيجب تعريفه باللطف من غير عنف؛ وذلك لأن في ضمن التعريف نسبة إلى الجهل، والحمق والتجهيل إيذاء وقل أن يرضي الإنسان (بأن ينسب إلى الجهل) بالأمور لا ميما بالشرع، ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخط والجهل؟ وكيف يجتهد في مجاهدة الحق بعد معرفته، خيفة من أن ينكشف عورة جهله؟ والطباع أحرص على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية؛ لان الجهل قبح في صورة النفس وسواد في وجهها وصاحبها
ملوم عليه- لأن قبح النفس أشد من قبح البدن وهو غير ملوم على قبح البدن، لأن خلقه لم يدخل تحت إختياره حصوله ولا في اختياره إزالته وتحسينه، والجهل قبح يمكن إزالته وتبديله بحسن العلم فلذلك يعظم تألم الإنسان بظهور جهله، ويعظم ابتهاجه في نفسه - بعلمه ثم لذته عند ظهور جمال علمه لغيره. وإذا كان التعريف كاشفًا للعورة مؤذيًا للقلب فلا بد أن يعالج دفع أذاه بلطف الرفق. فنقول له: إن الإنسان لا يولد عالمًا. ولقد كنا - أيضًا - جاهلين بأمور الصلاة فعلمنا العلماء. ولعل قريتك خالية من العلماء أو عالمها مقصر في شرح أمور الصلاة وإيضاحها، إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود، وهكذا يتلطف به؛ ليحصل التعريف من غير إيذاء، فإن إيذاء المسلم حرام محظور كما أن تقريره على المنكر محظور، وليسر من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو بالبول ومن اجتنب محظور السكوت على المنكر واستبدل عنه محظور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه فقد غسل الدم بالبول وأما إذا وقفت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي أن يرده عليه، فإنه يستفيد منك علمًا ويصير لك عدوًا إلاّ إذا علمت أنه قابل مغتنم العلم. وذلك عزيز جدًا). قال بعضهم: يجب على المعلم أن لا يعنف، وعلى المتعلم أن لا يأنف. وسيأتي فصل في استحباب الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الباب الرابع - إن شاء الله - تعالى - والله أعلم.
ثم ليكن وعظه في هذه الدرجة تعريضًا وإرشادًا من غير تنصيص على شخص.
وقد روى أبو داود - في سننه - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كره من إنسان شيئًا قال: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).
قال الحافظ عبد العظيم المنذري: رجاله رجال الصحيح قوله: (ما بال) أي ما حال. ففي الحديث عدم مواجهة صاحب المعصية بمعصيته، لأن المقصود يحصل له ولغيره بدون فضيحة وشناعة عليه. وفيه المبالغة بإزالة المنكر والتغليظ في تقبيحه، والله أعلم.
وروى أبو بكر الخلال - بإسناده - أنه قيل لإبراهيم بن أدهم: الرجل يرى من الرجل شيئًا ويبلغه عنه، يقول له؟ قال: هذا تبكيت ولكن يعرض ويسأل.