الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر أبو محمد عبد الحق الإشبيلي - في كتابه العاقبة عن أبي الحجاج اليماني قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول القبر للميت إذا وضع فيه: ويحك يا ابن آدم ما غرك بي؟ ألم تعلم أني بيت الفتنة، وبيت الظلمة وبيت الدود؟ ما غرك بي إذ كنت تمر بي فدادًا - فإن كان مصلحًا أجاب عنه مجيب القبر. فيقول: أرأيت إنه كان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: يقول القبر: أعود عليه خضرًا، ويعود جسده نورًا وتصعد روحه إلى رب العالمين.
وذكر قاسم بن أصبع. قال: قيل لأبي الحجاج: ما الفداد؟ قال الذي يقدم رجلًا ويؤخر أخرى يعني الذي يمشي متبخترًا.
وذكر أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي - في تذكرته - عن ابن وهب أنه ذكر عن أبي هريرة أنه قال: إن في الجنة حوراء يقال لها: العيناء إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها وعن شمالها وهي تقول: أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
وروى الخلال - بسنده عن عطاء قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله (
…
) أو (أمرًا) بمعروف، أو (نهيًا) عن منكر أو () في معيشتك مما لا بد لك منه.
فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة
أجمع العلماء على فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محتجين على ذلك، بما سبق من الأمر به، وبما سيأتي من ذم تاركه في الآيات الكريمات والأحاديث الصحاح المرويات. فيجب على الفور لأن الغرض بالنهي زوال المفسدة، فلو أخر النهي عنهما لتحققت المفسدة والمعصية وكذلك كل ما وجب على الفور وجب الأمر به على الفور. لئلا تتأخر مصلحته عن الوقت الذي وجبت فيه فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقالت طائفة: فرض على الأئمة وأمرائهم أن يقوموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي الظالمين، ونصر الحق، وقتال الباغين، وإنصاف المظلومين، ومنع الدعاة من الفساق والمفسدين.
وقالت طائفة: ذلك على فرض على جماعة المسلمين لا يسعهم التخلُّف عنه بمنزلة الجهاد.
وهذا القول عليه عامَّة أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين وغيرهم لقوله تعالى: {فقاتلوا الَّتي تبغي حتَّى تفيئ إلى أمر الله} .
قال أبو حفص عمر بن الملقن: وهذا هو الصَّحيح.
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو عبيد من حديث (جرير) عن الضَّحَّاك: قال الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فريضتان من فرائض الله عز وجل.
قال أبو عبيد: أرى الضَّحَّاك: إنَّما تأول بالفرائض (قوله تعالى): {ولتكن منكم} الآية.
وقد سبق الكلام عليها - فيما تقدَّم - والله أعلم.
ثمَّ اختلفوا هل هو فرض عين أو على الكفاية؟ فالجمهور على أنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من علم وتمكن منه بلا عذر؛ لما سبق من قوله - تعالى -:{ولتكن مِّنكم أمَّةٌ يدعون إلى لخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} .
ولم يقل: كونوا كلكم آمرين بالمعروف.
وقد قال إمام الحرمين أبو المعالي (فرض الكفاية - عندي - أفضل من فرض العين من (حيث) إن فعله البعض يسقط الحرج عن جميع الأمَّة بأسرها وبتركه يأثم المتمكنون منه كلهم).
قال أبو عبد الله بن مفلح: وهو فرض كفاية على من لم يتعين عليه وسواء في ذلك الإمام والحاكم، والعالم، والجاهل، والعدل والفاسق.
وقال قوم: لا يجوز لفاسق الإنكار. لكنَّ الصَّحيح خلافه.
وقال آخرون: لا يجوز الإنكار إلَاّ ممَّن أذن له ولي الأمر انتهى.
وسيأتي الكلام على ذلك مفصلًا في أماكنه.
قال ابو زكريَّا النواوي: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. والله أعلم).
وقيل: هو فرض عين على كل مسلم فيتعين على من علمه جزمًا أو شاهده يقينًا وقدر على إزالته وتمكن منه، وعرف ما ينكر، ولم يخف سوطًا ولا عصى ولا أذى.
وقيل أذى يزيد على المنكر أو يساويه ولا يهينه في نفسه أو ماله أو أهله أو حرمته، ورجا حصول المقصود.
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الخلق.
وقال شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني - قدَّس الله روحه -: الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر واجبان على كل مكلف عالم بذلك بشرط القدرة على وجه لا يؤدي إلى فسادٍ عظيمٍ وضررٍ في نفسه وأهله وماله، ولا فرق أن يكون إمامًا أو عالمًا أو قاضيًا أو واحدًا من الرعية. انتهى.
ويجعله أبو عبد الله محمد بن عبد القوي - في منظومه فرض عين بشروط قال:
وأمر بالمعروف والنهي يا فتى
…
عن المنكر اجعل فرض عين تسدد
على عالم بالحظر والفعل لم يقم
…
سواه به مع أمن عدوان معتد
ولو كان ذا فسقٍ وجهلٍ وفي سوى الـ
…
ـذي قيل بالكفاية فاحذر
فشرط أن لا يكون الآمر عالمًا بمحظورية الفعل، وأن غيره لا يقوم بذلك، وأن يأمن في الإنكار عدوان معتدي فإن فقد شرط من ذلك صار فرض كفاية عند صاحب النظم.