المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

وبسنده عن عائشة مرفوعًا (إن الرفق يمن وإن الخرق شؤم)، ورواه أبو الشيخ عبد الله بن حيان- في كتاب الأمثال- بلفظ: الرفق يمن، والخرق شؤم.

وفي الشعب- للبيهقي- بسنده، عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله عليه- أنه قال: إن من أحب الأعمال إلي الله- عز وجل العفو عند المقدرة، وتسكين الغضب عند الحدة، والرفق بعباد الله.

وروي الطبراني من حديث أبي أمامه مرفوعًا: "إن الله يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين علي العنف".

ورواه (مالك) في الموطأ- من حديث خالد بن (معدان) مرسلًا.

قال ابن عون: (ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا وإلي جانبها كلمة اللين تجري مجراها).

وروي مالك في الموطأ عن يحيي بن سعيد القطان. قال: إن عيسي ابن مريم- عليه السلام لقي خنزيرًا فلي الطريق فقال: ابعد بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسي: أكره وأخاف أن أعود لساني النطق بالسوء.

وقال أبو حمزة الكوفي: لا تتخذ من الخدم إلا من لا بد منه، فإن مع كل إنسان شيطانًا، وأعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئًا إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه.

‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

ويتأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر. وقد عد شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني- قدس الله روحه- في كتاب الغنيمة من شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: أن ذلك باللين والرفق لا بالفظاظة والغلظة بل يكون شفوقًا علي أخيه المسلم. كيف

ص: 362

وافق عدوه الشيطان الرجيم الذي قد استولي علي عقله وزين له معصية ربه ومخالفة أمره، يريد بذلك إهلاكه وإدخاله النار.

وروي أبو بكر البيهقي- في شعب الإيمان- بسنده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده- رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف).

وقد سبق في أوائل هذا الباب من رواية أبي محمد الخلال- في كتاب الأمر بالمعروف بسنده عن أسامة بن زيد مرفوعًا: "لا ينبغي لأحد أن يأمر بمعروف حتى يكون فيه ثلاث خصال: عالمًا بما يأمر، عالمًا بما ينهي، رفيقًا بما يأمر به رفيقًا فيما ينهي".

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامه الباهلي- رضي الله عنه أن فتي شابًا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا:(مه مه) قال: ادنه فدنا منه متقربًا. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني، الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: افتحبه لابنتك؟ قال لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال لا والله (جعلني الله فداك) قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني فداك قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني فداك. قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم". قال: فوضع يده عليه. وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه وحصن فرجه). فلم يكن بعد ذلك الفتي يلتفت إلي شيء.

قال الحافظ زين الدين أبو الفضل العراقي: إسناده جيد ورجاله رجال الصحيح.

وروي أبو القاسم الطبراني- في المعجم الكبير- من طريق جرير بن عثمان بن سليم بن عامر، عن أبي أمامة- رضي الله عنه نحوه والرجل المبهم هو أبو الوليد] كثير [الهذلي الشاعر والله أعلم.

وروي أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 363

(علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف).

وقد سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الرجل يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر هو يظن أن لا يطاع في ذلك ممن لا يخاف مثل الجار، والأخ.

قال: ما أري بذلك بأسًا ولا سيما إذا رفق به، فإن الله -تعالي- ربما ينفع بذلك.

قال تعالي: {فقولا له قولًا لَّينا لَّعلَّه يتذكَّر أو يخشي} .

لقد علم الله - سبحانه- أن فرعون لا يتذكر ولا يخشي، وإنما قص الله علينا قصته، لتكون سنة. فإذا كان الله- تعالي- أمر كليمه موسي وأخاه هرون عليهما السلام أن يذهبا إلي فرعون عدوه، ويقولا له قولًا لينًا فكيف من قد جعل الله في قلوبهم الإيمان وإن ابتلاهم بالمعاصي؟ فهم أولي أن يرفق بهم ويتعطف عليهم، لعل الله تعالي يستنفذهم مما هم فيه.

وأنشدوا

ألم تر أن الله يرحم خلقه

وإن قصروا في حقه فهو يفضل

ففرعون يؤذيه بضيم عباده

من شا يستحي ومن شا يقتل

ويزعم أن لا رب للخلق غيره

ويفتنهم عن دينهم ويضلل

ومع ذاك أوصي الله موسي كليمه

وهرون رفقًا منه والرفق أجمل

فقولا له قولًا من الوعظ لينًا

عساه لما أبدي من النصح يقبل

إذا كان هذا لطفه بعدوه

فما تراه (بعد ذا) بالأحبة يفعل

وقال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني رحمه الله: الشرع من أوله إلي آخره أمر بالمعروف ونهي عن المنكر والدعاء إلي ذلك يثبت لكافة المسلمين إذا قدموا علي بصيرة. وليس للرعية إلا المواعظ والترغيب والترهيب.

وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله ينبغي للآمر بالمعروف أن يعظ ويخوف بالله -تعالي- ويورد علي المأمور الأخبار الواردة بالوعيد غي ذلك، وذلك لمن يقدم علي المنكر وهو عالم بكونه منكرًا، كالذي يواظب علي الشرب أو علي الظلم أو علي اغتياب المسلم أو

ص: 364

ما يجري مجراه، ويحكي سير السلف وعادة المتقدمين، وكل ذلك لشفقة ولطف من غير عنف وغضب، بل ينظر إليه نظر المترحم عليه ويري إقدامه علي المعصية مصيبة علي نفسه إذ المسلمون كنفس واحدة.

وقال أبو زكريا يحيي النووي: وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق، ليكون أقرب إلي تحصيل المطلوب. انتهي. فقد يأمر المرء بالمعروف ويكون أمره منكرًا، لأنه إذا أمر بعنف وغلظة وفظاظة يوشك أن يفضي ذلك إلي العداوة والشر والتقاتل والمحاربة فيكون منكرًا وغالب الناس إذا رأي من الأمر غلظة وجفوة في أمره ونهيه لا يقبل قوله ولا يطيع أمره.

كما روى الإمام أحمد قال: حدثنا معتمر بن سليمان. قال: سمعت (أبي) يقول: ما أغضبت أحدًا فقبل منك. وذلك أن معاملة الخلق بالعنف والشدة والغلظة ينفرهم ويبعدهم عنك، وإذا نفروا لا يصغوا إلي ما تأمرهم به وتنهاهم عنه، ثم يفسد عليك قلبك وحالك مع الله. (وقال ابن القيم: ليس قلب أنفع من معاملة الخلق باللطف فإن المعامل باللطف إما أجنبي فتكسب مودته وصحبته وإما صاحب وحبيب فتستديم مودته وصحبته وإما عدو فتطفئ بلطفك جمرة عداوته وتستكفي شره).

قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متواضعًا رفيقًا فيما يدعو إليه شفيقًا رحيمًا غير فظ ولا غليظ القلب رقيقًا عالمًا بالمأمورات والمنهيات شرعًا، دينًا نزهًا عفيفًا ذا رأي وصرامة وشدة في الدين قاصدًا - بذلك- وجه الله وإقامة دينه ونصرة شرعه وامتثال أمره وإحياء سنته بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة، غير منافر ولا مفاخر ولا ممن يخالف فعله ويسن له العمل بالنوافل والمندوبات والرفق وطلاقة الوجه وحسن الخلق عند إنكاره والتثبت والمسامحة عند أول مرة.

قال حنبل: (سمعت أبا عبد الله يقول: والناس يحتاجون إلي مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه، لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة. فهؤلاء الفساق لا حرمة لهم ونقل مهنا عنه: ينبغي أن يأمر بالرفق والخضوع، قلت: كيف؟ قال: أن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيريد أن ينتصر لنفسه).

ص: 365

وقال بعض السلف: ينبغي أن يكون أمرك بالمعروف والتأني والمداراة بشفقة منك عليه، ورحمة منك له، لعلك تستنقذة من النار، فبالرفق تنال ما تريد من خير الدنيا والآخرة.

وروي أبو محمد الخلال أنه قيل لإبراهيم بن أدهم: الرجل يري من الرجل الشيء ويبلغه عنه، أيقول له؟ فقال: هذا تبكيت، ولكن يعرض.

وقال عبد الله المأمون بن هارون الرشيد- إذا وعظه واعظ وعنف له في القول: يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو حير منك إلي من هو شر مني، وأمر بالرفق. فقال-تعالى-:{فقولا له قولًا لَّينا لَّعلًّه يتذكر أو يخشي} .

فليكن إقتداء الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر في الرفق بالأنبياء عليهم السلام.

وروي ابن أبي الدنيا- بسنده- عن عبد الله بن المبارك، عن عبد العزيز بن أبي داود رحمه الله أنه قال: كان من قبلكم إذا رأي من أخيه شيئًا يأمره في رفق فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء بخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره.

وقد روي أبو بكر بن أبي الدنيا بسنده- عن أبي سلمة، عن ثابت البناني أن صلة بن أشيم وأصخابه أبصروا رجلًا قد أسبل إزاره، فهم أصحابه أن يأخذوه بشدة. فقال: دعوني أنا أكفيكموه. فقال: أين يا أخي أم لي إليك حاجة. فقال: وما حاجتك يا عم؟ قال: أحب أن ترفع إزارك. فقال: نعم وكرامة. فرفع إزاره. فقال لأصحابه: لو أخذتموه بشدة لقال: لا أفعل ولا كرامة.

وعن محمد بن زكريا الغلابي. قال: (شهدت عبد الله بن محمد بن عائشة وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله، وإذا في غلام من قريش سكران وقد قبض علي امرأة يجذبها فاستغاثت، فاجتمع الناس عليه يضربونه فنظر إليه ابن عائشة فعرفه. فقال للناس: تنحوا عن ابن أخي، ثم قال: إلي يا ابن أخي. فاستحي الغلام وجاء إليه فضمه إلي نفسه، ثم قال: امض معي فمضي معه حتي صار إلي منزله وأدخله الدار.

ص: 366

وقال لبعض غلمانه: بيته عندك فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما جرى وما كان منه ولا تدعه ينصرف حتى تأتيني به. فلما أفاق وذكر له ما جرى استحى منه (وبكى) وهم بالانصراف. فقال له الغلام: قد أمرني مولاي أن تأتيه، فأدخله عليه. فقال له: أما استحييت (لنفسك) لشرفك! فاتق الله وانزع عما أنت فيه، فبكى الغلام منكسًا رأسه ثم رفعه وقال: عاهدت الله عهدًا يسألني عنه يوم القيامة أن لا عدت أشرب الخمر ولا لشيء مما كنت فيه وأنا تائب إلى الله. فقال: ادن مني فدنا منه، فقبل رأسه وقال: أحسنت يا بني. فكان الغلام- بعد ذلك- يلزمه، ويكتب الحديث، وكان ذلك من بركة الرفق. ثم قال: إن الناس يأمرون بالمعروف ويكون معروفهم منكرًا فعليكم بالرفق في جميع الأمور تنالوا به ما تطلبون).

وروى الإمام أبو بكر ابن أبي الدنيا بسنده عن علي بن (غنام) الكلابي، عن أبيه. قال: مر محمد بن المنكدر- رحمة الله عليه- بشاب يجذب امرأة في الطريق فقال: يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عندك.

وبسنده عن عثمان بن الوليد قال: رأى محمد بن المنكدر رجلًا مع امرأة في خراب وهو يكلمها. فقال: إن الله يراكما، سترنا الله وإياكما.

وبسنده، عن محمد بن المنكدر- أيضًا- أنه وجد لصًا في داره يقال له: قنديل. كان غلامًا لآل إبراهيم بن محمد بن طلحة. فقال: عشوا قنديلًا وابعثوا به إلى مواليه.

ودعي الحسن البصري- رحمة الله عليه- إلى عرس فجيء بجام من فضة فيه خبيص، فتناوله فقلبه على رغيف وأصاب منه. فقال رجل من الحاضرين: هذا نهي في سكون.

فهكذا كانت عادة أهل الدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الرفق واللطف بالمأمورين.

فينبغي- حينئذ- لمن سلك طريقهم أن يكون رفيقًا لاسيما للمأمور القاصر بالمعصية على نفسه في مبادئ الأمر والنهي، لعل الله- تعالى- أن يستنقذه مما هو فيه ببركة الرفق، لأنه أشرف أخلاق الآمرين والناهين.

ص: 367