الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الريبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما).
ثم ذكر رواية محمد بن يحيي الثانية. وانتهى كلامه).
وقال القاضي - في الأحكام السلطانية - فيما يتعلق بالمحتسب: وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك ولم تظهر منهما أمارات الريب لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار.
وإن كان الوقوف في طريق خال فخلو المكان ريبة فينكرها ولا يعجل في التأديب عليهما حذرًا من أن تكون ذات محرم.
وليقل: إن كانت محرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله - تعالى -، وليكن زجره بحسب الأمارات.
(وإن كانت شواهد حاله وفحوى كلامه ينطقان بفجوره وريبته) وإذا رأى المحتسب من هذه الأمارات ما ينكرها تأني وتفحص وراعى شواهد الحال ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار. انتهى والله - سبحانه - أعلم.
فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:
ومما يتعلق بهذا الركن الإنكار على السلطان ونحوه إذا غصب. أو عطل الحدود، أو استأثر بالفيء والأعشار وغير ذلك من حقوق المسلمين، أو فعل شيئًا لا تسوغه الشريعة المطهرة فهذه وظيفة الأقوياء الذين فقهوا عن ربهم سبحانه وتعالى أنه لا مالك معه، ولا يحدث في ملكه ما لم يقدره.
والعلماء مجمعون على أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر إذا كان عادلاً، ومختلفون فيه إذا كان جائرًا: فقالت فرقة: نأمره وإن كان جائرًا، فإنا نقول بالحق ونقوم بالأمر والنهي، وناصيته بيد الله عز وجل.
قال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى: واختلفت الرواية عن "أحمد" هل يحسن الإنكار ويكون أفضل من تركه؟ على روايتين.
قال الله تعالى موبخًا بني إسرائيل لما تركوا أمر الملوك ونهيهم: } أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم {وقال تعالى: } واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {.
وفي الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، والموطأ، وسنن النسائي، وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا، ولا نخاف في الله لومة لائم؟ ؟ وقد سبق هذا الحديث بأطول منه، والكلام على بعض معناه في الباب الأول. والله أعلم.
ثم يستدل لذلك بما روى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي - بإسناد صحيح - عن أبي عبد الله طارق بن شهاب رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز - أي الجهاد أفضل؟ قال:"كلمة حق عند سلطان جائر"]-[الغزز بفتح الغين وإسكان الراء ركاب كور الجمل إذا كان من جلد. فإن كان حديد أو خشب فهو ركاب]- وروى الحديث أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وللترمذي - أيضًا - قال - أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.
وقال: حديث حسن غريب.
وروى الإمام أحمد، والبيهقي نحوه من حديث أبي أمامه الباهلي: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرمي جمرة العقبة فقال له: أي الجهاد أحب إلى الله عز وجل؟
قال: فسكت عنه حتى رمى الجمرة. فقال: يا رسول الله، أي الجهاد أحب إلى الله عز وجل؟ فسكت عنه حتى إذا رمى الجمرة الثانية عرض له. فقال: يا رسول الله، أي الجهاد أحب إلى الله عز وجل؟ فسكت عنه ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له فقال: يا رسول الله، أي الجهاد أحب إلى الله عز وجل؟ قال:"كلمة حق (تقال لإمام) جائر".
ورواه ابن ماجه ولفظه قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى. فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه. فلما رمى الثانية سأله. فسكت عنه. فلما رمى جمرة العقبة، وضع رجله في الغرز ليركب. قال:(أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: "كلمة حق عند ذي سلطان جائر").
قال بعض العلماء: إنما صارت كلمة الحق عند الإمام الجائر من أمرك له بالمعروف، ونهيك عن المنكر أفضل من جهاد الكفار، لأن مجاهدة الكفار لإعلاء كلمة الحق، ونصرة دين الله فيقاومهم مع المماثلة في العدد والعدد، ومساعدة المجاهدين لك والمدد، وتأميل الغلبة عليهم ولم يتيقن تسلطهم عليهم وقهرهم، وهذا الجهاد أيسر وأهون من جهادك الأمير الجائر في أمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر. ورده عن جوره. مع وحدتك وقلة عددك وعدم مساعدتك ورؤيتك تسلطه عليك وغلبته واستشعارك فتكه بك وسطوته، فمحنتك أبلغ وأتم، وجهادك أصعب وأعظم، فكان أفضل من كل جهاد وأبلغ، لأن خوف سطوته ورجاء بره وصلته يمنعان النفس عن إظهار كلمة الحق له فيعظم جهادها. انتهى.
وروى أبو بكر البزار بسنده - عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الشهداء أكرم على الله؟ قال: رجل قام إلى - وال - جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله.
وروى الإمام أحمد - في الزهد - بسنده عن ميمون بن مهران - رحمة الله عليه - قال ما
من صدقة أفضل من كلمة حق عند إمام جائز.
ثم استدل لذلك بما روى أبو عبد الله الحاكم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه في ذات الله فقتله على ذلك قال الحاكم: صحيح الإسناد.
وقد سند في الباب الأول من رواية الإمام أحمد، والبيهقي، وابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم فقد تودع منهم".
قوله (تودع منهم) أي تودع الخير منهم.
ثم يستدل لذلك بما روى أحمد، والترمذي، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم هيبة أن يقول في حق إذا رآه أو شهده أو سمعه قال: وقال أبو سعيد: وددت أني لم أسمعه هذا لفظ أحمد.
وللترمذي قال -: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا فكان فيما قال: "ألا لا يمنعن أحدكم هيبة أن يقول (الحق) إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد، وقال:"والله قد رأينا شيئًا فهبنا".
ورواه ابن أبي الدنيا ولفظه: "لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق إذا علمه".
وفي رواية: إذا علمه أو رآه أو سمعه.
قال أبو سعيد: "فما زال البلاء بنا حتى قصرنا".
ورواه - أيضًا - من طريق ابن ماجه وزاد (إنا لنبلغ في السر) ولفظه: "لا يمنعن أحدكم أن يقول في الحق إذا رآه أو علمه".
قال: وقال أبو سعيد: (حملني هذا الحديث أني ركبت إلى معاوية فوعظته ثم أقبلت).
وروى البيهقي في الشعب - أيضًا - وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب بسنديهما، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ينبغي لامرئ أن يقوم مقامًا في مقال حق إلاّ تكلم به فإنه لن يقدم (أجله) ولن يحرمه رزقًا هوله"
ثم يستدل بما روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدكم نفسه) أن يرى أمرًا لله عز وجل فيه مقال أن يقوله فيقول الله عز وجل ما منعك أن تقول فيه؟ فيقول: يا رب خشيت الناس. فيقول: أنا أحق أن تخشى" هذا لفظ أحمد ولابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدكم نفسه) قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمرًا لله عليه فيه مقال ثم لا يقول. فيقول الله له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشيت الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى" ورواه أبو بكر البيهقي ولفظه: "لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرًا لله عليه فيه مقال فلا يقول به فيلقى الله عز وجل وقد أضاع ذلك فيقول: ما منعك؟ فيقول: خشية (الناس) فيقول: فإني كنت أحق أن تخشى". ورواه أبو القاسم الأصبهاني - في الترغيب والترهيب.
ولفظه: "لا يحقرن أحدكم يعني نفسه، يرى أمرًا لله فيه مقال أن يقول فيه فيبعثه الله عز وجل يوم القيامة فيقول: ما منعك إذ رأيت كذا وكذا ألا تقول؟ فيقول: أي رب خفت. فيقول سبحانه - إياي كنت أحق أن تخاف".
ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد الأنصاري وزاد - بعد قوله - "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة".
قال البيهقي: هذا فيمن يتركه خشية ملامة الناس وهو قادر على القيام به.
ففي هذه الأحاديث الحض على الشجاعة والإقدام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يعلم الإنسان يقينًا أن الأمر والنهي لن يقدما أجلاً أخره الله ولن يمنعا رزقًا قدره الله، فلا يلتفت لما يلقيه الشيطان من تخذيله وقوله: لا تتعرض لفلان يضرك أو يقتلك أو يحرمك رزقك، فإن الضر وإن قل والنفع وإن جل مقدران لا يؤيدان (فتيلاً) ولا ينقصان نقيرًا.
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إن الله يرضى لكم ثلاثًا (ويسخط لكم ثلاثًا) يرضى لكن أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم .... " الحديث.
وقد روي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يقيم أمر الله في الناس إلاّ رجل يتكلم بلسانه كلمة يخاف الله في الناس ولا يخاف الناس في الله.
ثم يستدل بما روي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سيجيء أمراء يدعون من السنة مثل هذه، وأومأ بيده إلى مفصل إصبعه، فإن تركتموهم جاؤوا مثل هذه، مثل هذه، وأومأ بيده إلى مفصلين، فإن تركتموهم جاؤوا بالطامة الكبرى.
قال الإمام أحمد - في كتاب المحنة - في رواية حنبل إن عرضت علي لا أجيب وقال فيها - أيضًا -: إذا أجاب العالم تقية، والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق.
قال إبراهيم بن أدهم - قدس الله روحه -: أعز حتى في آخر الزمان ثلاثة: أخ يؤنس به، وكسب درهم حلال، وكلمة حق عند ذي سلطان.
وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.