الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البصرة: لا أفعل إلا أن تجعلي لي صداقها مائة ضيعة خراب. فقالت بومة الموصل. لا اقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا- سلمه الله - تعالى- علينا سنة واحدة فعلت ذلك. فاستيقظ لها عبد الملك وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم من بعض.
وذكر الإمام أبو عمرو بن عبد البر- في بهجة المجالس عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه قال: (لا يصلح هذا الأمر إلاّ بشدة في غير عنف، ولين في غير ضعف). والسلطان إذا دخل على العبد زائرًا فجوابه السلام لا بد منه والقيام والاحترام، مقابلة له على مجيئه إليه وإكرامه، فإنه بإكرام العلم والدين مستحق للحمد كما أنه بالظلم مستحق للذم. فإنّ قدر أن لا يقوم له، إعزازًا للدين واحتقارًا للظلم، وغضبًا لله من سوء فعله فهو أولى. ولا ينظر إلى وجهه إلا بنية الإنكار. كما قال سفيان الثوري:(النظر إلى وجه الظالم خطيئة).
فلا تنظروا إلى الأئمة المضلين إلاّ بالإنكار عليهم، لئلا يحبط أعمالكم. هذا إذا دخل عليه وحده، فأما إن دخل مع حشمه وأرباب دولته فلا بأس بالقيام، ولا يعلمه بالظلم إذا خلا به ولا الخمر ولا يغير ذلك إلاّ إذا خلا به، وعرف أنه ينتفع بأمره فيخوفه من ركوب المعاصي مطلقًا ويرشده إلى العدل في الرعية والإحسان إليهم. كل ذلك بلطف فيما بينه وبينه-كما تقدم- والله أعلم.
فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:
إنكار الولد على الوالد بالمرتبة الأولى وهر التعريف ثم بالثانية وهي الوعظ والنصح بالكلام اللطيف كالإنكار على السلطان ونحوه.
وقد روى ابن أبي الدنيا - بسنده - عن أبي روح سلام بن سكين الأزدي قال: سألت الحسن البصري - رحمة الله عليه - فقلت يا أبا سعيد، الرجل يأمر والديه بالمعروف وينهاهما عن المنكر؟ قال: يأمرهما إن قبلا فإن كرها سكت عنهما.
وهل له الإنكار عليه بالمرتبة الثالثة وهي السب العنيف كقوله؟ ألا تخاف الله ألا تستحي من الله؟ أو بالمرتبة الرابعة وهي المنع بالقهر بطريق المباشرة .. ؟ بحيث يؤدي إلى
أذاه وسخطه، وهو بأن يكسر مثلًا (عوده) ويريق خمره، ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة بالحرير، ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام، الذي غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين، إذا كان صاحبه متعينًا، ويحك الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة، في خشب بيته، ويكسر أواني الذهب والفضة، فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب، ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلاّ إن فعل الولد حق، وسخط الأب منشؤه حبه للباطل وللحرام.
قال أبو حامد- رحمه الله: والأظهر في القياس أنه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك، ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر، ولى مقدار الأذى والسخط فإن كان المنكر فاحشًا وسخطه عليه قريبًا كإراقة الخمر ونحوه، ولا يشتد غضبه فذلك ظاهر، ون كان المنكر قريبًا، والسخط شديدًا كما لو كانت له آنية من بلور أو زجاج على صورة حيوان، وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب، وليس تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره، فهذا كله مجال النظر.
ثم قال: فإن قيل: من أين قلتم ليس له الحسبة - يعني الإنكار على أبيه - بالتعنيف والضرب والإرهاق إلى ترك الباطل، والأمر بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عامًا من غير تخصيص، وأما النهي عن التأفيف والأذى فقد ورد وهو خاص فيما لا يتعلق بارتكاب المنكرات؟
فنقول: قد ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الإستثناء من العموم، إذ لا خلاف أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه (في الزنا)، ولا أن يباشر إقامة الحد عليه بل لا يباشر قتل أبيه الكافر، بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص، ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته وقد ورد في ذلك أخبار. ومن أمثلتها ما روى الترمذي، وابن ماجه وغيرهما من حديث عمر موقوفًا:"لا يقاد الوالد بالولد" فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة، فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبله متوقعة، بالأولى. انتهى.
وأما الإنكار على الزوج والسيد؟ فقال أبو حامد: ينبغي أن يجري (أي هذا الترتيب) في العبد والزوجة مع السيد والزوج، فهما قريبان من الوالد في لزوم الحق ون كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح. ولكن روى الترمذي - في جامعه - من حديث أبي هريرة -
مرفوعًا - "لو كنت آمرًا أحدًا يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها".
وروى نحوه الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل مرفوعًا.
وروى نحوه أبو داود من حديث قيس بن سعد بن عبادة مرفوعًا.
وروى أحمد - أيضًا- وابن ماجه بنحوه من حديث عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا.
وهذا يدل على تأكيد الحق - أيضًا-
وأما إنكار التلميذ على الأستاذ فالأمر فيما بينهما أخف من الزوج والسيد، لأن المحترم هو الأستاذ المفيد للعلم من حيث الدين، ولا حرمة لعالم لا يعمل بعلمه، فله أن يعامله بموجب علمه الذي تعلمه منه، قاله الغوالي. وقال أبو زكريا النواوي - في أذكاره باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل شيئًا مخالفًا للصواب أو نحوه -: اعلم أنه يستحب للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممن يقتدي به شيئًا في ظاهره مخالفًا للمعروف أن يسأله عنه بنية الإسترشاد، فإن كان قد فعله ناسيًا تداركه، وإن كان فعله عامدًا وهو صحيح في نفس الأمر، بينه له.
ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان (بالشعب) نزل فبال. ثم توضأ (ولم يسبغ الوضوء) فقلت: الصلاة يا رسول الله. فقال (الصلاة أمامك).
قال النووي: إنما قال ذلك لأسامة، لأنه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسى صلاة المغرب وكان قد دخل وقتها وقرب خروجه.
وفي صحيح مسلم، عن (سليمان بن) بريدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس