الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله} أي طلبًا لرضاه {فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} وسيأتي الكلام في الإصلاح بين الناس- في الباب التاسع- إن شاء الله- إن شاء الله- تعالى-.
فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم
وأما قوله- تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
قال المفسرون: (قوامين) مبالغة ليتكرر منكم القيام (بالقسط) وهو العدل فلا تعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، وألا تأخذكم في الحق لومة لائم ولا يصرفكم عنه صارف. وأن تكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
{شهداء لله} أي: في شهادتكم لله يعني لذاته ولوجهه ولمرضاته وثوابه- فحينئذٍ- تكون صحيحة عادلة حقًا خالية عن التحريف والتبديل والكتمان. ولهذا قال: {ولو على أنفسكم} أي: إقراره بالحقوق عليها.
وقيل: اشهد بالحق ولو عاد ضر الشهادة عليك.
ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنى بالأقربين، إذ هم مظنة المودة والتعصب. أي وإن كانت الشهادة على والديك وأقربائك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكمًا على كل أحد.
وهذه الآية صريحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دالة على وجوبه حتى على الوالدين والأقربين، وأن يقول الحق على نفسه وعلى الناس أجمعين.
قال أهل التحقيق: نهى الله- تعالى- عن الجور والميل والظلم وأمر العدل وأن المرء لا يقول الحق ولو كان ذلك يعود عليه أو على أعز أهله (بضر)، فإن كلمة الحق مطلوبة، واجبة يقول الحق، ويعمل بالحق وهذا كله مفهوم من هذه الآية.
(شهداء بالقسط) أي بالعدل. (شهداء لله) فالمؤمن أمره حق، وقوله حق، وفعله حق،
ودينه حق، فإن تكلم تكلم بحق وإن أمر أمر بحق، وإن أعطى أعطى حقًا، وإن منع منع بالحق، وإن حكم حكم بعدل وحق.
ولما كان الحق مطلوبًا للمرء وهو من أعظم الأشياء وأفضلها- سأله النبي- صلى الله عليه وسلم ربه. فقال: وأسألك كلمة الحق في الغضب (والرضا) فهذه صفة المؤمن.
ثم إن الله- تعالى- حذر من اللي في قول الحق والقيام به وهو التحريف بألفاظ يوري بها عن قوله الحق.
وقال بعض العرفين: القيام لله بالعدل هو بإيفاء حقوقه من نفسك، واستيفاء حقوقه من غيرك، إما بأمر بمعروف أو زجر عن مكروه، أو وعظ بنصح أو إرشاد إلى شرع، أو هداية إلى حق، ومن بقى لله عليه حق لم يباشر خلاصه التحقيق سره. وأصل الدين إيثار حق الحق على حق الخلق، فمن آثر على الله- سبحانه- أحدًا من والد أو ولد أو قريب أو نسيب فهو بمعزل عن القيام بالقسط.
وأما قوله- تعالى- في سورة المائدة: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ..... } فمعناه، كونوا قائمين بالعدل، قوالين بالصدق لله لا لأجل الناس. والقيام لله، هو القيام بجميع وظائف الطاعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقو الحق في الغضب (والرضا) - كما تقدم
…
وكل ما لله فيه طاعة يلزم المؤمن القيام فيه ولو على نفسه.
وقال بعض العارفين: معنى الآية، لا يعوقنكم حصول نصيب لكم في شيء (عن) الوفاء لنا، والقيام بما يجب عليكم من قنا. كما قيل: من لم يسقط عنه صواعد رغائبه، ولم يمنع منه تراكم شهواته ومطالبه لم يقم لله بحق، ولم يف لواجباته بشرط.
قوله تعالى: {ولا يجرمنَّكم شنئان قومٍ على ألَّا تعدلوا اعدلوا} أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل استعملوا العدل في كل أحد صديقًا كان أو 'دوًا).
وقال بعض العارفين: معنى الآية لا يحملنكم ضغائن صدوركم على الحلول بجنبات الحيف، فإن مرتع الظلم وبييء، ومواضغ الزيغ مهلكة. ثم قال:(اعدلوا) ولا تكون حقيقة العدل إلا بالعدول عن كل نصيب وحظ والعدل أقرب للتقوى، والجور سبب الردى.