الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد.
وقال في سورية البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله إلا أن صر الله قريب}
وقال الله تعالى: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}
ولهذا قال ههنا: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء.
وأنشدا في كان وكان:
كم يصبر حتى يعلو على رأس الملك
…
من جر ضرب المطارق والكور والسندان
فما ملك مصر يوسف حتى سجن وسقى العصعص
…
من إخواتوا وزليخا والقيد والسجان
فاصبر لربك وأض واشكر على سائر النعم
…
تعط المزيد وتحظى بجنة الرضوان
فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:
روى الإمام أبو بكر بن أبي الدنيا - بسنده- ع ن شيخ من قريش قال: مر دهثم ومعه أصحابه برجل يضرب غلامه. فقال له: يا عبد الله اتق الله فيه فوضع السهم بين أذني دهثم فوثب أصحابه عليه. فقال دهثم لأصحابه: مهًلا فإني سمعت الله عز وجل ذكر عن رجل وصيته لابنه فقال: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك} وقد أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فدعونا نصبر على ما أصابنا فندخل في وصية الرجل الرجل الصالح.
وروى أبو بكر أحمد المروزي - في كتاب الأمر بالمعروف - بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة مر بالمعروف، وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمر) قال: يا رسول الله آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر
أوذي قال: نعم كما أوذيت الأنبياء عليهم السلام.
وفي حديث ابن عباس -المتقدم قريبًا -وصيته صلى الله عليه وسلم له لما كان رديفه ومنه قوله (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا وان النصر مع الصبر) الحديث.
وهذا موافق لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا} قوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا الفين بإذن الله والله مع الصابرين} وقوله تعالى - في قصة طالوت {فلما جاوزه والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} وقوله {بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} إلى غير ذلك فالنصر منوط بالصبر.
وروى الأمام أحمد في كتاب الزهد بسنده عن الحسن البصري رحمه الله عليه- من قوله تعالى {والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} قال "والله لنصبرن أو لنهلكن".
قال أبو العباس تقي الدين بن تيمية رحمه الله الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين. إما تعطيل الأمر والنهي وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم منه مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها وكلاهما معصية وفساد. قال: "وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" فمن امرر ولم يصبر أو صبر ولم يأمر أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الإصلاح في أن يأمر ويصبر.
وقال بعض السلف: لا يجد اليوم أحد السلامة إلا أن يكون معه عقل وصبر يحتمل به أذى الناس.
وقال العلام ابن القيم: الصبر والاحتمال والإغضاء مرتبة شريفة من مراتب الجود وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له وأنصر وأملك لنفسه واشرف لها ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار فمن صعب عليه الجود بما له فعليه بهذا الجود فإنه يجتني ثمرة
عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة. وهذا وجود الفتوة قال تعالى: { .. والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له .. } وفي هذا الجود قال الله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها قمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} فذكر المقامات الثلاثة في هذه الآية مقام العدل وأذن فيه ومقام الفضل وندب إليه ومقام الظلم وحرمه".
وقبل لبي علي الفضيل بن عياض - قدس الله روحه- ألا نأمر وننهى؟ فقال: إن قومًا أمرروا ونهوا فكفروا وذلك أنهم لم يصبروا على ما أصيبوا.
كما قال عبد الله بن المبارك:
فمن صبر فما أقل ما يصبر
…
ومن جزع فما أقل ما يتمتع
سئل البطال: عن الشجاعة. قال: صبر ساعة. كما قيل:
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
…
ويحمد غب السير من هو سائر
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
…
ويذهب هذا كله ويزول
وقال غيره:
الدهر لا يبقى على حاله
…
لكنه يقبل أو يدبر
فإن تلقاك بمكروهة
…
فاصبر فإن الدهر لا يصبر
وقال يحيى بن معاذ الرازي -قدس الله روحه- عن الحسن البصري أنه قال: "ليس شيء على العبد أشد من الحلم عند الجهاد والصبر على الأذى"
وروى أبو بكر بن أحمد المروزي بسنده عن الحسن:
"ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى"
قال أبو داود سليمان بن الأشعث: قلت لأحمد رحمه الله يشتم الآمر بالمعروف؟ قال: يحتمل، من يريد أن يأمر وينهي لا يريد أن ينتصر بعد ذلك.
وسأله أبو طالب أحمد بن حميد فقال: إذا أمرته بمعروف فلم ينته؟ قال: دعه إن
رددت عليه ذهب الأمر بالمعروف وصرت منتصرًا لنفسك فيخرج إلى الأثم.
ونقل عن مهنا بن يحيى الشامي أنه قال: يأمر بالرفق والخضوع. قلت كيف؟ قال: إن اسمعوه مايكره لا يغضب فيريد أن ينصر نفسه.
وأنشد محمود الوراق:
اصبر على الظلم ولا تنتصر
…
فالظلم مردود على الظالم
وكل إلى الله ظلومًا فما
…
ربى عن الظالم بالنائم
ونقل حنبل، عن أحمد أنه قال - في المحنة - إن عرضت على السيف لا أجيب، وقال عمر بن حبيب: من اراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب لم يجد المستأنف الأذى.
وقد روي عن الأستاذ الجليل أبي إسحاق إبراهيم بن أدهم - قدس الله روحه- في الصبر على البلاء واحتمال الأذى أشياء كثيرة.
ومن أمثلتها: أنه خرج إلى بعض البراري فاستقبله رجل. فقال له: أنت عبد؟ فقال: نعم. فقال: أين العمران؟ فأشار إلى المقبرة فقال الرجل: إنما أردت العمران. فقال: هو المقبرة فغاظه ذلك فضرب رأسه بالسوط فشجه شجة فأدماه ورده إلى البلد فاستقبله أصحابه فقالوا: ما هذا؟ فأخبرهم الجندي. فقالوا: هذا إبراهيم بن أدهم فنزل الجندي عن دابته وقبل يده ورجليه وجعل يعتذر إليه فقبل له: لم قلت أنا عبد؟ قال: إنه لم يسألني أنت عبد من؟ بل قال أنت عبد؟ قلت: نعم لأني عبد الله. ولما ضرب رأس سالت الله له الجنة.
فقيل له: إنه ظلمك، فكيف سألت الله له الجنة؟ فقال علمت أني أؤجر على هذا. فلم أحب أن يصيبني منه الخير ويصيبه مني الشر.
وأنشدوا:
سأصدق نفسي إن في الصدق راحة
…
وأرضي بدنياي وإن هي قلت
وإن طرقتني الحادثات بنكبة
…
تذكرت ما عوقبت منه فقلت
وما محنة إلا ولله نعمة
…
إذا قابلتها أدبرت وتولت