الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واصبر فكم هم أتى لك عسره
…
ليلا فبشرك الصباح بيسره
ولكم على يأس أتى فرح الفتى
…
من سر غيب لا يلم بفكره
وقال بعضهم:
ولقد تمر الحادثات على الفتى
…
فتزول حتى ما تمر بفكره
هون عليك فرب أمر هائل
…
دفعت قواه بدافع لم تدره
ولرب ليل بالهموم كدمَّل
…
صابرته حتى ظفرت بفجره
فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:
نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر. وقيل: شكا بعض الصحابة جهد ما يكابدونه من الأصدقاء، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يصنعون فنزلت الآية. وقيل: الآية عامة لجميع المؤمنين وعدهم الله أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كالذي جرى في الشام ومصر والعراق، وخراسان والمغرب، وغيرها فوعد الله حق وكلامه صدق.
قال ابن العربي: فحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين، فصاروا قاهرين، كانوا مطلوبين فصاروا طالبين، فهذا نهاية الأمن والعز ولما جرى للمسلمين ما جرى في أحد غيرها حتى أخبر - سبحانه-بقوله:{إذا جلاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب للحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزاًلا شديدًا}
ثم إن الله تعالى رد الكافرين لم ينالوا خيرًا وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم يطؤوها وهو المراد بقوله {ليتسخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} .
يعني بني إسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر والشام وارثهم أرضهم وديارهم، فقال:
{وأورثنا القوم الذين كانوا ستضعفون مشارق الرض ومغاربها} وهمكذا كان الصحابة مستضعفين خافيسن ثم إن الله - تعالى-أمنهم وملكهم.
وفي الصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي من حديث خباب بن الأرث- رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متسد بردة في ظل الكعبة فقلنا: ألا ستنصر لنا، ألا تدعوا لنا؟ فقال:(قدج كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجع نصفين ويمنشط بأمشاط الحديد ما دنن لحمه وعظمهما يصده ذلك ع دينه-والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء اليمن إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
وفي رواية البخاري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة. فقلت: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجه فقال: (لقد كان من قبلكن ليمشط بأمشاط الحديد) ثم ذكر معناه.
وفي رواية أبي داود مثل الأولى وزاد بعد بعد قوله: (بأمشاط الحدي) (ما دون عظمة من لحم وعصب مايصرفه ذلك ع دينه.
وروى النسائي طرفاً من أوله إلى قوله (وتدعو لنا)
قوله (ألا تستنصر)؟ أي تدعو لنا بالنصر
وقوله: (بالمنشار) هو بالنون من نشرت الخشبة، (وبالباء المهموز) مفعال من أنشرت الخشبية بالمنشار.
وقوله- في الرواية الثانية (وهو محمر وجه) قيل من الغضب.
وقوله (بأمشاط الحديد) يقال مشط ومشاط كرمح ورماح وخف وخفاف.
قال بعض العلماء وفي هذا الحديث -والله أعلم- إشارة إلى ذلك الحديث الذي رواه الهيثم بن خارجه قال: حدث عبد بن عبد الرحمن بن زيدي بن جابر الأزدي. قال سمعت الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مرتد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه، ولبستم بتاركيه يمنعكم
الفقر والمخافة، ألا وإن رحى بن مرح قد دارت، ألا وإن رحلة الإيمان دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا وأنه سيكون بعدي امراء يقضون لكم يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم فإن اطعتموهن أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم) قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: (كما صنع أصحاب عيبسى ابن مريم عليه السلام نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية الله عز وجل.)
ورواه الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، في كتاب الحجة، وعلقة أبو محمد الخلال في كتاب - الأمر بالمعروف وانهي عن المنكر- فقال: ذكر أبو نصر البلخي المكتب باسناده عن أنس بن مالك رفعه بنجوه.
وأنشدوا:
لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج
…
يأتي به الله في الروحاء والدلج
فما تجرع كأس الصبر معتصم
…
بالله إلا أتاه الله بالفرج
وروى الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن مسعود قلت: لبيك يارسول الله. قال: هل علمت أن بني اسرائيل افترقوا على اثنين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث فرقن قامت بين الملوك الجبابرة قامت بعد عيسى فدعت إلى دين الله بين الملوك الجبابرة فقاتلهم فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة تدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت. ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فعبدت وترهبت وهم الذين ذكرهم الله -عز وجلا {ورهبانية ابتدعوها وما كتبناها عليهم} .
ورواه محمد بن جرير الطبري بلفظ آخر من طريق أخرى
في صحيح مسلم مسند أحمد من حديث الي هريرة رضي الله عنه أن
رجًلا قال: يارسول الله لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: 0 لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك).
قوله (تسفهم المل) بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء و (المل) يفتح الميم وتشديد اللام هو الرماد الحار أي كأنما تطعمهم الرماد الحار غير مكترث، وهو تشبيه ما سيلحقهم من الإثم بما يلحق كل الرماد الحار من الألم ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكي ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم من حقه وإدخالهم الأذى عليه كا ذكر النووي وغيره).
وفي الصحيحين ومسند أحمد، والموطأ، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده- قال (مايكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً عطاء هو خير وأوسع من الصبر.
وروى أبو نعيم، وأبو بكر البغدادي من حديث ابن مسعود مرفوعًا "الصبر نصف الإيمان".
وروى أبو منصور الديلمي -في مسند الفردوس- من حديث أنس مرفوعًا "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.
وفي رواية له أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان، فقال: الصبر.
وروى أبو يعلى الموصلي من حديث جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "الصبر والسماحة".
وروى الطبراني من حديث عائشة مرفوعًا: "لو كان الصبر رجًلا لكان كريمًا".
وقال بعض الصحابة: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانًا إذا لم يصبر على الأذى.
وروى ابن حبان- في صحيحه- وابن مردويه بسنديهما عن ابن عمر قال: لما نزلت هذه الآية {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة} وقال رسول الله: 0 رب زد أمتي) فأنزل الله {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا .. } .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رب زد أمتي) فأنزل الله: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، والبيهقي - في شعل الإيمان - والأصبهاني بسندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد: أين أهلل الفضل؟ قال فيقوم ناس وهم يسيرون فينطلقون سراعًا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إنا نراكم سراعًا إلى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون نحن أهل الفضل. فيقولون ما فضلكم؟ فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإا أسيء إلينا غفرنا وحلمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.
وفي مسند أحمدن وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه من حديث أبي كبشة سعد بن عمرو وقيل: عمرو وقيل عامر بن سعد الأنماري مرفوعًا: "ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه فقال: فأما التي اقسم عليهن فإنه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه
باب فقر أو كلمة نحوها .. الحديث قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأنشدوا:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني
…
أعز وأحداث الزمان تهون
وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه
…
وبت أريه الصبر كيف يكون
وفي مسند أحمد، وجامع الترمذي -أيضًا- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ياغلام -ظ أو يا غليم- ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت بلى فقال: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرجاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا). وللحديث ألفاظ وطرق متعددة تقدم بعضها قبل هذا الفصل، والله أعلم.
وأنشدوا:
فصبرا على حلو القضا ومره
…
فإن اعتياد الصب أدنى إلى اليسر
ومن عصمة الله الرضا بقضائه
…
ومن لطفه توفيقه العبد للصبر.
ولبعضهم:
تصبر إن عقب الصبر خير
…
ولا تجزع لنائبة تنوب
فإن اليسر بعد العسر يأتي
…
وعند الضيق تنفرج الكروب
وكم جزعت نفوس من أمور
…
أتى من دونها فرج قريب
وروى الإمام أحمد في الزهد - بسنده- عن ميمون بن مهران رحمه الله عليه - أنه كان يقول: ما منال عبد شيئًا من شيم الخير نبي ولا غ يره إ لا بالصبر.
كما قيل: إن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- أنشد أبياتًا ومنها قوله:
إني نظرت وفي الأيام تجربة
…
للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطلبه
…
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
والصبر محمود العاقبة يثمر النجح، ويورث المقصود، ويكبت العدو، ويغيظ الحسود، ويفضل لصاحبه بالسيادة، ويكسوه فضيلة الحوم، ويدفع عنه نقيصة الحرمان،
وروى الإمام أحمد - أيضًا في الزهد بسنده، عن راشد بن أبي راشد قال: كان زيد بن ميسرة يقول: لا تضر نعمة معها شكر، ولا بلاء معه صبرن ولبلاء في طاعة الله خير من نعمة في معصيته-عز وجل 0.
كان كفار قريش كأبي جهل وعتبة والوليد قد اتخذوا فقراء الصحابة كعمار، وبلال وخباب، وصهيب سخريًا يستهزءون بهم، ويضحكون منهم فإذا كان يوم القيامة قيل لهم:{إني جزيتهم اليوم بما صبروا} على أذاكم واستهزائكم.
لما علم الصالحون أن الدنيا دار رحلة، دافعوا زمان البلاء، وأولجو في ليل الصبر، علمًا منهم بقرب الأجر فما كانت إلا رقدة حتى صيحوا منزل السلامة.
أصبر على غير الزمان فإنما
…
فرج الشدائد مثل حل عقال
نفدت أبصار بصائرهم بنور الغيب إلى مشاهدة موصوف الوعد، فتعلقت به الآمال بما عانيت مواطن القلوب. كما قيل.
نفس المحب على الآلان صابرة
…
لعل مسقمها يومًا يداويها
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجدنا خير عيشنا الصبر
وقال عامر الشعبي: قال علي بن أبي طالب: إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأي من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.
وعزى رضي الله عنه رجًلا فقال: إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور وإن جزعت جرت عليك وأنت مأزور.
ولقد أحسن القائل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
…
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وقال ابن عباس ضري الله عنهما: من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره وقال الحسن
البصري رحمة الله عليه: الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه، وقال أيضًا: المؤمن إن ظلم صبر وإن سفه عليه حلم وإن جبر عليه عدل يؤذى فيحتمل صبور على الأذى محتمل على القذى. وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهب الله له صبرًا على الذي وصبرًا على البلاء وصبرًا على المصائب إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله عز وجل وهذا منتزع من قوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر .. } إلى قوله: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم المتقون} قال العلماء: البأساء الفقر ونحوه والضرائب المرض ونحوه وحين البأس حالة الجهاد ونحوه دون حلاوة شهد الولاء تجشم مرارة البلاء لأن البلاء بقدر الولاء وأنشدوا:
الصبر مثل اسمه من مذاقته
…
لكن عواقبه أحلا من العسل
منكم رفع الصبر مرتبته من أعتلقه بيديه. وأعلا قيمه من جعله نصب عينين، واستنطقوا الأفواه بالثناء عليه واستطلقوا الأيدي المقبوضة بالإحسان إليه، كان في جيب بعض السلف ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها وفيها مكتوب:" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" من فعل مايحب لقي مايكره ومن صبر على ما يكره نال ما يحب كما قال بعض الحكماء لا ينال العاقل القليل ما يحب إلا بالصبر على الكثير مما يكره، فالصبر سلاح يحمي من المعاطب، وينجي من قبضة التلف بعد انقضاء القواصب، ويفضي بصاحبه إلى ارتفاع عوارق المراتب.
وأنشد بعضهم:
صبرت على بعض الأذى خوف كله
…
ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت
وجرعتها المكروه حتى تدربت
…
ولو جملة حملتها لاشمأزت
فيا رب عز سائفق للنفس ذلة
…
ويارب نفس بالتذلل عزت
وقال غيره:
تعودت مس الضر حتى الفته
…
واسلمني (حسن العز) إلى الصبر
وصيرني بأسي من الناس راجيًا
…
لسرعة صنع الله من حيث لا أدري
ووسع صدري للأذى كثرة الأذى .. وقد كنت أحيانًا يضيق به صدري
إذا أنا لم اقبل من الدهر كلما
…
تكرهت منه طال عتبي على الدهر