المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم: - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

واصبر فكم هم أتى لك عسره

ليلا فبشرك الصباح بيسره

ولكم على يأس أتى فرح الفتى

من سر غيب لا يلم بفكره

وقال بعضهم:

ولقد تمر الحادثات على الفتى

فتزول حتى ما تمر بفكره

هون عليك فرب أمر هائل

دفعت قواه بدافع لم تدره

ولرب ليل بالهموم كدمَّل

صابرته حتى ظفرت بفجره

‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

قال الله تعالى: {وعد الله الذين أنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوف أمنا .... }

نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر. وقيل: شكا بعض الصحابة جهد ما يكابدونه من الأصدقاء، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يصنعون فنزلت الآية. وقيل: الآية عامة لجميع المؤمنين وعدهم الله أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها كالذي جرى في الشام ومصر والعراق، وخراسان والمغرب، وغيرها فوعد الله حق وكلامه صدق.

قال ابن العربي: فحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين، فصاروا قاهرين، كانوا مطلوبين فصاروا طالبين، فهذا نهاية الأمن والعز ولما جرى للمسلمين ما جرى في أحد غيرها حتى أخبر - سبحانه-بقوله:{إذا جلاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب للحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزاًلا شديدًا}

ثم إن الله تعالى رد الكافرين لم ينالوا خيرًا وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم يطؤوها وهو المراد بقوله {ليتسخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} .

يعني بني إسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر والشام وارثهم أرضهم وديارهم، فقال:

ص: 496

{وأورثنا القوم الذين كانوا ستضعفون مشارق الرض ومغاربها} وهمكذا كان الصحابة مستضعفين خافيسن ثم إن الله - تعالى-أمنهم وملكهم.

وفي الصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي من حديث خباب بن الأرث- رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متسد بردة في ظل الكعبة فقلنا: ألا ستنصر لنا، ألا تدعوا لنا؟ فقال:(قدج كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجع نصفين ويمنشط بأمشاط الحديد ما دنن لحمه وعظمهما يصده ذلك ع دينه-والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء اليمن إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).

وفي رواية البخاري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة. فقلت: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجه فقال: (لقد كان من قبلكن ليمشط بأمشاط الحديد) ثم ذكر معناه.

وفي رواية أبي داود مثل الأولى وزاد بعد بعد قوله: (بأمشاط الحدي) (ما دون عظمة من لحم وعصب مايصرفه ذلك ع دينه.

وروى النسائي طرفاً من أوله إلى قوله (وتدعو لنا)

قوله (ألا تستنصر)؟ أي تدعو لنا بالنصر

وقوله: (بالمنشار) هو بالنون من نشرت الخشبة، (وبالباء المهموز) مفعال من أنشرت الخشبية بالمنشار.

وقوله- في الرواية الثانية (وهو محمر وجه) قيل من الغضب.

وقوله (بأمشاط الحديد) يقال مشط ومشاط كرمح ورماح وخف وخفاف.

قال بعض العلماء وفي هذا الحديث -والله أعلم- إشارة إلى ذلك الحديث الذي رواه الهيثم بن خارجه قال: حدث عبد بن عبد الرحمن بن زيدي بن جابر الأزدي. قال سمعت الوضين بن عطاء، عن يزيد بن مرتد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه، ولبستم بتاركيه يمنعكم

ص: 497

الفقر والمخافة، ألا وإن رحى بن مرح قد دارت، ألا وإن رحلة الإيمان دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا وأنه سيكون بعدي امراء يقضون لكم يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم فإن اطعتموهن أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم) قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: (كما صنع أصحاب عيبسى ابن مريم عليه السلام نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية الله عز وجل.)

ورواه الشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، في كتاب الحجة، وعلقة أبو محمد الخلال في كتاب - الأمر بالمعروف وانهي عن المنكر- فقال: ذكر أبو نصر البلخي المكتب باسناده عن أنس بن مالك رفعه بنجوه.

وأنشدوا:

لا تيأسن إذا ما ضقت من فرج

يأتي به الله في الروحاء والدلج

فما تجرع كأس الصبر معتصم

بالله إلا أتاه الله بالفرج

وروى الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن مسعود قلت: لبيك يارسول الله. قال: هل علمت أن بني اسرائيل افترقوا على اثنين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث فرقن قامت بين الملوك الجبابرة قامت بعد عيسى فدعت إلى دين الله بين الملوك الجبابرة فقاتلهم فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة تدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم، فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت. ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فعبدت وترهبت وهم الذين ذكرهم الله -عز وجلا {ورهبانية ابتدعوها وما كتبناها عليهم} .

ورواه محمد بن جرير الطبري بلفظ آخر من طريق أخرى

في صحيح مسلم مسند أحمد من حديث الي هريرة رضي الله عنه أن

ص: 498

رجًلا قال: يارسول الله لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال: 0 لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك).

قوله (تسفهم المل) بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء و (المل) يفتح الميم وتشديد اللام هو الرماد الحار أي كأنما تطعمهم الرماد الحار غير مكترث، وهو تشبيه ما سيلحقهم من الإثم بما يلحق كل الرماد الحار من الألم ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكي ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم من حقه وإدخالهم الأذى عليه كا ذكر النووي وغيره).

وفي الصحيحين ومسند أحمد، والموطأ، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده- قال (مايكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً عطاء هو خير وأوسع من الصبر.

وروى أبو نعيم، وأبو بكر البغدادي من حديث ابن مسعود مرفوعًا "الصبر نصف الإيمان".

وروى أبو منصور الديلمي -في مسند الفردوس- من حديث أنس مرفوعًا "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.

وفي رواية له أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان، فقال: الصبر.

ص: 499

وروى أبو يعلى الموصلي من حديث جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "الصبر والسماحة".

وروى الطبراني من حديث عائشة مرفوعًا: "لو كان الصبر رجًلا لكان كريمًا".

وقال بعض الصحابة: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانًا إذا لم يصبر على الأذى.

وروى ابن حبان- في صحيحه- وابن مردويه بسنديهما عن ابن عمر قال: لما نزلت هذه الآية {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة} وقال رسول الله: 0 رب زد أمتي) فأنزل الله {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا .. } .

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رب زد أمتي) فأنزل الله: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .

وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، والبيهقي - في شعل الإيمان - والأصبهاني بسندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد: أين أهلل الفضل؟ قال فيقوم ناس وهم يسيرون فينطلقون سراعًا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إنا نراكم سراعًا إلى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون نحن أهل الفضل. فيقولون ما فضلكم؟ فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإا أسيء إلينا غفرنا وحلمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.

وفي مسند أحمدن وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه من حديث أبي كبشة سعد بن عمرو وقيل: عمرو وقيل عامر بن سعد الأنماري مرفوعًا: "ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه فقال: فأما التي اقسم عليهن فإنه ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه

ص: 500

باب فقر أو كلمة نحوها .. الحديث قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأنشدوا:

تنكر لي دهري ولم يدر أنني

أعز وأحداث الزمان تهون

وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه

وبت أريه الصبر كيف يكون

وفي مسند أحمد، وجامع الترمذي -أيضًا- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ياغلام -ظ أو يا غليم- ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت بلى فقال: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرجاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا). وللحديث ألفاظ وطرق متعددة تقدم بعضها قبل هذا الفصل، والله أعلم.

وأنشدوا:

فصبرا على حلو القضا ومره

فإن اعتياد الصب أدنى إلى اليسر

ومن عصمة الله الرضا بقضائه

ومن لطفه توفيقه العبد للصبر.

ولبعضهم:

تصبر إن عقب الصبر خير

ولا تجزع لنائبة تنوب

فإن اليسر بعد العسر يأتي

وعند الضيق تنفرج الكروب

وكم جزعت نفوس من أمور

أتى من دونها فرج قريب

وروى الإمام أحمد في الزهد - بسنده- عن ميمون بن مهران رحمه الله عليه - أنه كان يقول: ما منال عبد شيئًا من شيم الخير نبي ولا غ يره إ لا بالصبر.

كما قيل: إن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- أنشد أبياتًا ومنها قوله:

إني نظرت وفي الأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

ص: 501

وقل من جد في أمر يطلبه

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

والصبر محمود العاقبة يثمر النجح، ويورث المقصود، ويكبت العدو، ويغيظ الحسود، ويفضل لصاحبه بالسيادة، ويكسوه فضيلة الحوم، ويدفع عنه نقيصة الحرمان،

وروى الإمام أحمد - أيضًا في الزهد بسنده، عن راشد بن أبي راشد قال: كان زيد بن ميسرة يقول: لا تضر نعمة معها شكر، ولا بلاء معه صبرن ولبلاء في طاعة الله خير من نعمة في معصيته-عز وجل 0.

كان كفار قريش كأبي جهل وعتبة والوليد قد اتخذوا فقراء الصحابة كعمار، وبلال وخباب، وصهيب سخريًا يستهزءون بهم، ويضحكون منهم فإذا كان يوم القيامة قيل لهم:{إني جزيتهم اليوم بما صبروا} على أذاكم واستهزائكم.

لما علم الصالحون أن الدنيا دار رحلة، دافعوا زمان البلاء، وأولجو في ليل الصبر، علمًا منهم بقرب الأجر فما كانت إلا رقدة حتى صيحوا منزل السلامة.

أصبر على غير الزمان فإنما

فرج الشدائد مثل حل عقال

نفدت أبصار بصائرهم بنور الغيب إلى مشاهدة موصوف الوعد، فتعلقت به الآمال بما عانيت مواطن القلوب. كما قيل.

نفس المحب على الآلان صابرة

لعل مسقمها يومًا يداويها

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجدنا خير عيشنا الصبر

وقال عامر الشعبي: قال علي بن أبي طالب: إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأي من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.

وعزى رضي الله عنه رجًلا فقال: إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور وإن جزعت جرت عليك وأنت مأزور.

ولقد أحسن القائل:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت

ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

وقال ابن عباس ضري الله عنهما: من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره وقال الحسن

ص: 502

البصري رحمة الله عليه: الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه، وقال أيضًا: المؤمن إن ظلم صبر وإن سفه عليه حلم وإن جبر عليه عدل يؤذى فيحتمل صبور على الأذى محتمل على القذى. وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهب الله له صبرًا على الذي وصبرًا على البلاء وصبرًا على المصائب إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله عز وجل وهذا منتزع من قوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر .. } إلى قوله: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم المتقون} قال العلماء: البأساء الفقر ونحوه والضرائب المرض ونحوه وحين البأس حالة الجهاد ونحوه دون حلاوة شهد الولاء تجشم مرارة البلاء لأن البلاء بقدر الولاء وأنشدوا:

الصبر مثل اسمه من مذاقته

لكن عواقبه أحلا من العسل

منكم رفع الصبر مرتبته من أعتلقه بيديه. وأعلا قيمه من جعله نصب عينين، واستنطقوا الأفواه بالثناء عليه واستطلقوا الأيدي المقبوضة بالإحسان إليه، كان في جيب بعض السلف ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها وفيها مكتوب:" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" من فعل مايحب لقي مايكره ومن صبر على ما يكره نال ما يحب كما قال بعض الحكماء لا ينال العاقل القليل ما يحب إلا بالصبر على الكثير مما يكره، فالصبر سلاح يحمي من المعاطب، وينجي من قبضة التلف بعد انقضاء القواصب، ويفضي بصاحبه إلى ارتفاع عوارق المراتب.

وأنشد بعضهم:

صبرت على بعض الأذى خوف كله

ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت

وجرعتها المكروه حتى تدربت

ولو جملة حملتها لاشمأزت

فيا رب عز سائفق للنفس ذلة

ويارب نفس بالتذلل عزت

وقال غيره:

تعودت مس الضر حتى الفته

واسلمني (حسن العز) إلى الصبر

وصيرني بأسي من الناس راجيًا

لسرعة صنع الله من حيث لا أدري

ووسع صدري للأذى كثرة الأذى .. وقد كنت أحيانًا يضيق به صدري

إذا أنا لم اقبل من الدهر كلما

تكرهت منه طال عتبي على الدهر

ص: 503