الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:
فأهل هذه الطبقة إلى أربعة أنوع ينقسمون، وفي ملازمة الإنابة يفترقون.
أ- فتائب يستقيم على التوبة إلى آخر عمره، متدارك لفارط أمره؛ وهذه استقامة على التوبة النصوح الموصلة إلى المقام المربوح. وصاحبها سابق بالخيرات، مبشر بتبديل السيئات. فائز بما أولاه مولاه (ونوله) يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(التائب من الذنب، كمن لا ذنب له).
وتائب سلك طريق الاستقامة في أمهات الطاعات، وترك كبائر الفواحش والزلات وليس ينفك عن ذنوب تعتريه، وخطيئات ترديه. عن غير إرادة وقصد، ولا معاندة وعمد. وإذا أتى شيئًا من ذلك ندم على ما هنالك، فهو ممن لهم حسن الوعد على لسان سيد الأمم. بقوله تعالى:{والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش} إلا اللمم.
جـ- وتائب يستمر على الاستقامة مدة، ثم يقارف بعض الذنوب فيتعدى حده ويقدم عليها عن قصد وشهوة وجرأة وقوة مع مواظبة على الطاعات وملازمة كثير من العبادات، وهذا من الذين أشار إليهم- سبحانه- بقوله الكريم:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم}
د- وتائب يستمر (على) التوبة أيامًا معدودة، ويباشر الطاعات أوقاتًا محدودة. ثم يعود إلى مقارفة الذنوب، وملازمة الأوزار والحوب ويصير عليها مصرًا، وفي الإهماك مستمرًا، فهو ناقض لما ركن إليه. وخاسر بإعراض الله بعد إقباله عليه.
فنسأل الله أن يعاملنا بما هو أهل له، ويوفقنا للتوبة النصوح (كما يقتضيه فضله).
فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وأما القسم الثالث: فهم المتخلفون عن الأمر والنهي بعد وجوبه، وتعيينه عليهم على
اختلاف ضروبه (يعرف المجرمون بسيماهم) والآمرون بالمعروف قليل ما هم. وهم على طبقات بحسب الغرض، في ترك القيام بهذا المفترض.
فإن الطبقة الأولى: هم- بالمقت والمذلة - أولى. قوم خالفوا الرحمن، وحالفوا الذل والخذلان، فوهبوا من المخلوقين، فتركوا القيام بذلك إيثارًا للدنيا على الدين فإن سنح لأحدهم أن يأمر وينهى، عارضه الخناس بما يلائمه ويهوى وزين له ترك ما عزم عليه من إنكار المنكر، من وجوه كثيرة لا تكاد أن تحصر.
من أعظمها أن يقول له: متى أمرت هذا أو نهيت أوصلك شره، وقطع عنك خيره وبره فيقبل إذ ذاك من إبليس، مائلًا إلى الخدع والتلبيس. ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجهله، مع إصرار على معاصيه فيا سوء فعله.
الطبقة الثانية: من يخاف على ماله، وذهاب جاهه، وزوال حاله فتراه شحيحًا بنذر يسير، سخيًا بذهاب دينه الخطير، لا ينكر منكرًا إذا رآه خوفًا على ذهاب دنياه، ولا يتكلم كلمة لله، رهبة من سقوط الجاه.
ولعمري إن ما يحذره سيأتيه، والذي يخاف منه يقع فيه.
الطبقة الثالثة: من يروح في بر الجيران، ويغلظ في إحسان الأقران، فيسكت عما يراه من المنكرات، لما لهم عليه من الأيادي والواصلات. فهذا مهما استهوته الشياطين، فأكل قليل الدنيا بكثير الدين، يا من اشترى سلع الشك بنقد اليقين، يا مستور الحال غدًا تبين، إذا حشرجت النفس وجاء الأنين، وبرزت إشارات الشقاء من الكمين، كيف يختار الضلال من يعرف الطريق الأرشد، كيف يؤثر النزول من يقال له اصعد؟ !
بعت أفضل الأشياء بقدر طفيف، وآثرت الفاني على الباقي وهذا الرأي سخيف.
الطبقة الرابعة: من يرى محبة الناس له على السكوت أكثر، فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصانعة لهم أن لا يمقتوه، وتقية من أن يبغضوه. وجزعًا من الإعراض عن طريقه. وهلعًا لنفور أكثرهم عن تصديقه، فما أسرع ما تتقلب محبتهم له إذا كان كالمنافق لالتماس رضا الخلق بسخط الخالق! ! !
الطبقة الخامسة: كالتي قبلها في القرب، من حيث التماس الإكرام والمحمدة والحب فهم- في مدح الخلق على ترك الأمر والنهي- يرغبون، وللثناء عليهم- بذلك- يفرحون، يسر الواحد منهم بقول الناس: فلان عاقل خير من الأكياس، لا يعترض على احد ولا ينظر إليه، ولا يتبع عثرة عاص ولا ينكر عليه. ما بينه وبين أحد معاملة، ولا يرغب في اعتراض