المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

الجزء الثالث

‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

في بيان طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين. وأن السالكين طريق الحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بين أهل الفساد من الغرباء المكروهين.

ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها بقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).

ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند بزيادة في أوله:

قال النووي: معنى هذا التمثيل أن الأرض ثلاثة أنوع فكذلك الناس.

فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فتحيا بعد أن كانت ميتًا وتنبت الكلأ فينتفع به الناس والدواب والزرع وكذلك النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحي به قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.

النوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك

ص: 267

الماء لغيرها فينتفع به الناس والدواب. وكذلك النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أذهان ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام وليس لهم اجتهاد في العمل به فهم يحفظونه حتى يجيء أهل النفع والانتفاع فيأخذوه منهم فينتفعوا به فهؤلاء نفعوا الناس بما بلغهم.

والنوع الثالث من الأرض: هو السباخ الذي لا تنبت فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولا يحفظونه فينتفع به غيرهم.

فالمثل الأول. للمنتفع النافع. والثاني للنفاع غير المنتفع. والثالث لغيرهما. انتهى. وقال الخطابي: هذا مثل ضرب لمن قبل الهدى وعلم ثم علم غيره فنفعه الله ونفع به ولمن لم يقبل الهدى فلم ينتفع بالعلم ولم ينفع به. انتهى.

فالناس- حينئذ على ثلاثة أقسام: قسم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقسم مأمورون منهيون. وقسم متخلفون عن ذلك معرضون عما هنالك وكل قسم من هؤلاء ينقسم إلى طبقات معروفة ومراتب مشهورة مألوفة.

أما القسم الأول: فعليهم المدار والمعول فطبقاتهم مختلفة بقدر النيات وتفاوت درجاتهم بحسب الطويات فأرفع هذه الطبقات قدرًا وفخرًا وأعظمها ثوابًا وخيرًا وأجرًا، وأحقها بالقيام في ذلك وأولى خواص الخلق أهل الطبقة الأولى قد علم كل منهم محذور المداهنة على منكر رآه أو سمع به في مكان أعلنه صاحبه وأبداه. وأن القائم بالإنكار المجتهد في حصوله خليفة الله تعالى وخليفة رسوله وهم العلماء العاملون والعباد المتزهدون أرباب القلوب والعزائم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم. قاموا بذلك بمجرد أمر الله ونهيه الذي لا يدعونه. وبادروه خوفًا من قوله تعالى:{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} .

فهؤلاء لزمهم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الحالات المقصودون بقوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} .

وعند كل منهم الرفق فيما أرشد وعلم اقتداء في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم فأهل هذه الطبقة قد

ص: 268

سكنت عظمة الله في قلوبهم. وضمائرهم ظاهرة من سوى محبوبهم يجتمعون على الأمر بالخير والتواصي، حذرًا من يوم الأخذ بالنواصي. لا يخافون سطوة الجبارين وبأسهم. متكلين على فضل الله أن يحرسهم كما قال سبحانه في وصف أهل القوة منهم والصادقين:{وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} .

وردوا إليه أكرم ورود وأمنوا في وصالهم عاتق الصدود. وأتعبوا الأعضاء في خدمته والجلود، تصافوا فاصطفوا كالجنود. واستلوا سيوف الجهاد من الغمود وقمعوا بالصبر العدو والكنود. وأرغموا بهمتهم أنف الحسود. فسبحان من اختارهم من الكل واصطفاهم. وخلصهم بالإخلاص من كدر الشوائب ومنعاهم فليس المقصود بالمحبة سواهم.

ساروا وخلفت ففانك ما وجدوا

وبقيت في أعقابهم فإن لم تلحق بعدوا

فما أشرف من أكرمه المولى العظيم. وما أعلى من مدحه في الكلام القديم وما أسعد من خصه بالتشريف والتكريم لمثل هذا فليعمل العاملون. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

الطبقة الثانية: إذ هي من الأولى دانية. وهم قوم من أهل العلم والعمل والقيام بما يرضي الله- عز وجل متلبسون بما يستحب من الأخلاق المحمودة تاركون ما كره لهم من تعدي الأمور المحدودة.

فهم لغوامض الأحكام فاقهون، وإلى الأمر بالمعروف سابقون، فترى أحدهم للنهي عن المنكر يلازم، ومع الأذى لا تأخذه في الله لومة لائم. أحوالهم في ذلك عجيبة وهممهم في المبادرة إليه غريبة. لكن عندهم حدة في تغييرهم، وصلابة زائدة في أمر دينهم، ففاتهم الرفق الذي لم يكن في شيء إلا زانه ولا ينزع من أمر مندوب إلا شانه.

فهم- مع ذلك- قريبون ممن قبلهم إذ كان سعيهم مشكورًا: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} .

الطبقة الثالثة: قوم عالمون بما يأمرون عارفون بما يقولون ويفعلون لكنهم بالآفات المفسدة للأمر والنهي جاهلون. فترى الواحد منهم بالظن السيئ خصيصًا، وعلى التجسس على آهل المنكر حريصًا، محتقرًا لمن ينكر عليه، ناظرًا بعين الازدراء والتجبر إليه.

الطبقة الرابعة: قوم صالحون أخيار مؤمنون أتقياء أبرار غير أنهم لا يعرفون قواعد

ص: 269

الأمر بالمعروف، ولا يحققون مراتب النهي عن المنكر الموصوف. فهؤلاء بجملتهم قسمان على مقتضى طبع الإنسان.

الأول عندهم: الرفق في أمرهم ونهيهم. صابرون على الأذى في سرهم وجهرهم.

والثاني: تقيمهم إلى ذلك الغيرة الإسلامية وتحملهم عليه الأنفة الدينية، على أن كلامهم يشتمل الطيش والعجلة والشدة والعنف فيما قاله أو فعله. إذا نزل بهم ما يكرهون لا يحتملون ولا يصبرون. مرتكبون. بالسب واللعن والغيبة محظورًا فيرجع كل منهم آثمًا مأزورا. كما قيل:

يا عبيد السوء ماذا دينكم

إن هذا الدين عنكم قد قلص

غاية المنكر في تعريفكم

وبياض خالف اللون برص

الطبقة الخامسة: قوم من العوام رزقوا حظًا من القبول بين الأنام، يأمرون وينهون خبطًا، ولا يعرفون للمأمورات والمنهيات شرطًا. فمن أرضاهم لم يناصحوه، ومن أغضبهم لا يتركوه وما علموا أن الجاهل يأمر وينهى للرئاسة فيفسد، والعالم يأمر وينهى للسياسة فيرشد.

الطبقة السادسة: وهم- في الجهل بالآمر والنهي كالخامسة لكنهم أهل الأسواق وعامة الناس على الإطلاق يهيجهم على إنكار المنكر عقد الإيمان فينكرونه مع غفلتهم عما يقولونه ويفعلونه.

كل منهم قد راح في المعاصي وغدا وممار عند العلماء بجهله مقيدًا:

كيف يجتمع قلب قد صار في الهوى مبددا

كيف يلين وقد أمسى بالقساوة جلمدا

الطبقة السابعة: دون التي قبلها لخستها ودناءة أهلها وهم قوم نصبوا أنفسهم لذلك رياء وسمعة واكتسابًا للمحامد بين الناس والرفعة واستجلابًا لقلوبهم استجلابًا لمحبوبهم. قد تزيوا بزي الصالحين، ولبسوا لباس المتقشفين، فمنهم من يقوم بذلك عند نظر الخلق إليه. ويتركه إذا لم ير أحدًا لديه. فهم في الجمع يأمرون وينهون إظهارًا للغضب لله من اقتراف السيئات معلنين الأسف على ارتكاب الخطيئات. وصاروا عارًا على المتعبدين ومقتًا للطوائف المتزهدين، لأن قيامهم محض لأجل الناس، فيا شقاءهم بما حصل لهم من الافلاس.

وأهل هذه الطبقة فريقان:

أحدهما: عالمون بما يأمرون.

ص: 270