المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

المنكرين دفعة واحدة لزمه ذلك بكلمة واحدة.

وإن قدر على دفع أحدهما دفع الأفسد فالأفسد والأرذل فالأرذل سواء قدر على دفع ذلك بيده أو بلسانه: مثل أن يتمكن الغازي من قتل واحد من المشركين بسهم ومن قتل عشرة برمية واحدة تنفذ في جميعهم فإنه يقدم رمي العشرة على رمي الواحد، إلا أن يكون الواحد بطلًا عظيم النكاية في الإسلام حسن التدبير في الحروب فيبدأ برميه؛ دفعًا لمفسدة بقائه، لأنها أعظم من مفسدة بقاء العشرة.

وكذلك لو قدر على أن يفتح فوهة النار أولى من قتل المائة، لما فيه من عظم المصلحة، فإن كان فتح الفوهة أخف من قتل المائة بالسلاح.

وكذلك تتفاوت كراهة المنكر بالقلوب ـ عند العجز - عن إنكاره باليد واللسان - بتفاوت رتبة فتكون كراهة الأقبح أعظم من كراهة ما دونه. والله أعلم).

‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

ولا يسقط عن المكلف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله؛ لقوله - تعالى -:{وذكِّر فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين} . فإنَّما عليه الأمر والنهي لا القبول؛ لقوله - تعالى -: {مَّا على الرسول إلَاّ البلاغ} .

واختلف العلماء رضي الله عنهم هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبة الظَّنِّ في إزالته؟

ففيه روايتان عن الإمام أحمد: إحدى الروايتين ليس من شرطه لظاهر الأدلة وجه الأولى قوله - تعالى -: {واصبر على ما أصابك} .

قال القاضي أبو يعلى - في كتاب المعتمد -: ويجب إنكار المنكر وإن لم يغلب في ظنه زواله في إحدى الروايتين نقلها أبو الحارث.

ص: 123

وقد سئل أحمد رضي الله عنه عن الرجل يرى منكرًا ويعلم أن لا تقبل منه - يسكت؟ فقال: إذا رأى المنكر فليغيره ما أمكنه.

قال ابن حمدان في (الرعاية الكبرى): وقيل ينكره وإن أيس من زواله أو خاف أذًى أو فتنة، والعالم والجاهل، والعدل والفاسق، والمسيب والغريب في ذلك سواء. انتهي. والله، أعلم.

وروى ابن أبى الدنيا - بإسناده - عن سفيان بن عيينة. قال: قالوا لعبد الله بن عبد العزيز في الأمر بالمعروف تأمر من لا يقبل منك؟ قال: يكون (معذورًا) قلت: عبد الله، هو عبد العزيز عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهم.

قال الذَّهبي: كان يلقب بالعمري، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر قوالًا بالحق.

وقال أبو الوفاء ابن عقيل: (إذا غلب على ظنه أنه لا يزول، فروايتان عن الإمام أحمد: إحداهما يجب).

قال شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني - قدَّس الله روحه - (ويجوز أن يرتدع، وينزجر، ويرق قلبه، ويلحقه التوفيق والهداية، ببركة صدقة فيرجع عما هو عليه، والظن لا يمنعه من جواز إنكاره).

وقال أبو حامد الغزالي: (فإن كان غالب ظنه أنه يفيد وهو مع ذلك لا يتوقع مكروهًا فقد اختلفوا في وجوبه، إذ لا ضرر فيه وحذره متوقع، وعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقتضي الوجوب بكل حال).

وقال الإمام أحمد - في روايةٍ أخرى - في الرجل يرى منكرًا، ويعلم أنه لا يقبل منه هل يسكت؟ فقال: يغير ما أمكنه، فظاهره أنه لا يسقط.

وعنه رواية آخري: يلزمه إذا رجا حصوله - ذكره أبو الفرج بن الجوزي وقال الأرجي في نهاية المبتدئين:

ص: 124

يجوز الإنكار فيما لا يرجى زواله وإن خاف أذى.

وقيل: لا يجوز. وقيل: يجب.

وذكر القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء - في المعتمد - أنه لا يجب. وإذا لم يجب الإنكار ففعله أفضل من تركه، قاله ابن عقيل. وقال القاضي - خلافًا لأكثرهم في قولهم - ذلك قبيح ومكروه إلا في موضعين: أحدهما، كلمة حق عند سلطان جائر، والثاني: إظهار الإيمان عند ظهور كلمة الكفر. انتهى.

(ولا يسقط فرضه - أيضًا - بالتوهم؛ لأنه لو قيل له: لا تأمر فلانًا بالمعروف فإنه يقتلك. لم يسقط عنه لذلك، وحكى القاضي عياض عن بعضهم وجوب الإنكار مطلقًا في هذه الحال وفي غيرها).

وحكي عن ابن العربي المالكي رحمه الله أنه قال: إن رجا زوال المنكر وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له الاقتحام عند أكثر العلماء.

وسيأتي في الإنكار على السلطان - في الباب الثاني - من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرًا لله عز وجل فيه مقال أن يقوله، فيقول الله عز وجل: ما منعك أن تقول فيه. فيقول: يا رب خشيت الناس فيقول: أنا أحق أن تخشى).

وله طرق هنالك عديدة.

قال الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام: ومن قدر على إنكار المعاصي مع الخوف على نفسه كان إنكارها مندوبًا إليه ومحثوثًا عليه، لأن المخاطرة بالنفوس في إعزاز الدين مأمور بها كما يتعزز بها في قتال المشركين، وقتال البغاة المتأولين، وقتال ما نهى الحقوق بحيث لا يمكن تحصيلها منهم إلا بالقتال.

وسيأتي في الباب الثاني - من حديث طارق بن شهاب أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر). فجعلها صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد؛

ص: 125

لأن قائلها قد جاد بنفسه كل الجود بخلاف من يلاقي قريبه في القتال؛ فإنه يجوز أن يقهره ويقتله فلا يكون بذله نفسه - مع تجويز سلامتها - كبذل المنكر نفسه مع يأسه من السلامة.

قال شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني - قدَّس الله روحه -: (فهل يجوز الإنكار إذا غلب على ظنه الخوف على نفسه؟ فعندنا يجوز ذلك وهو الأفضل إذا كان من أهل العزيمة والصبر فهو كالجهاد في سبيل الله مع الكفار.

قال أبو الفرج بن الجوزي: (فأما السبُّ والشتم فليس بعذرٍ في السكوت، لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب).

وسيأتي - في فضل الصبر - من الباب الرابع - قول أبي داود لأحمد رحمه الله: (يشتم الآمر بالمعروف؟ قال: يحتمل. من يريد أن يأمر وينهى، لا يريد أن ينتصر بعد ذلك).

وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان أهل قريةٍ يعملون بالمعاصي وكان فيهم أربعة نفر ينكرون ما يعملون. فقال أحدهم: إنكم تعملون كذا وكذا! !

فجعل ينهاهم ويزجرهم بقبيح ما يصنعون فجعلوا يردون عليه ولا يرجعون عن أعمالهم فسبهم فسبوه وقاتلهم فغلبوه فاعتزل. وقال: اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني وسببتهم فسبوني وقاتلتهم فغلبوني ثم ذهب وقام الآخر فنهاهم فلم يطيعوه فسبهم فسبوه فاعتزل. ثم قال: اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه فاعتزل. ثم قال اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني ولو سبيتهم لسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم ذهب. وقام الرابع وقال: اللهم إني لو نهيتهم لم يطيعوني ولو سببتهم لسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم ذهب فاعتزلهم.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان الرابع أدناهم منزلة وقليل فيكم مثله.

ولا يسقط وجوبه - أيضًا - بتأويل ولا مداهنة.

قال أبو داود سليمان بن الأشعث: (سئل أبو عبدالله يعني الإمام أحمد رحمه الله -

ص: 126

عن رجلٍ له جار يعمل بالمنكر ينكر عليه؟ قال: نعم ينكر عليه

).

قال أبو طالب عمر بن الربيع: واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالان مخالفان للطبع والهوى، فلا ينبغي لأحد أن يدع ما يلزمه من القيام بهما بتأويل، والمؤمن لا يدع نفسه تميل إلى التأويل، لما أكَّد الله - سبحانه - بقوله:{لَاّ تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يؤادُّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} .

فلا يسع أحدًا بعد هذا أن يدفع عن نفسه شيئًا مما وجب عليه القيام لله به بتأويل يريد أن يسقط عن نفسه شيئًا مما وجب عليه وجوب فرض لله - تعالى -.

وكذلك لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زعمًا أن ذلك رضا بقضاء الله - تعالى - كما غلط فيه بعض المنحرفين والبطالين وقالوا: إن المعاصي والفجور وغير ذلك - من القبائح الظاهرة والباطنة - من قضاء الله وقدره، فيجب الرضا به وعدم التعرض إلى فاعله بقول أو فعل ولو بالكراهة فقد تلبس عليهم حتى رأوا السكوت على المنكرات مقامًا من مقامات الرضا، وسموه حسن الخلق، وحتى ذهبوا إلى ترك الدعاء زاعمين أن ذلك رضاء بوجود القضاء. فهذا كله جهل بالتأويل وغفلة عن فهم معنى التنزيل، فقد ذم - سبحانه - من رضي بالمعاصي، وما يتعلق بها من أمور الدنيا المذمومة حيث قال:{ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} .

وقال - تعالى -: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم} .

وفي الأحاديث المشهورة ما يدل على أن من رضي بمنكر كان شريكًا لفاعله - كما سيأتي في هذا الباب وغيره.

بل من أسباب رضا الله - تعالى - على العبد كراهة معاصيه، والمبادرة بالإنكار على أهلها والقيام بما أوجبه - سبحانه - عليه من ذلك.

وأنشدوا:

يا طالب الأمر لا تركن إلى الكسل

واعجل فقد خلق الإنسان من عجل

واستشعر الصبر وانه من لمحة وقل

أعوذ بالله من علم بلا عمل

ص: 127