الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ محببًا إلى جيرانه فاعلم أنه مداهن.
وفي رواية: إذا كان الرجل محببًا في جيرانه محمودًا عند إخوانه، فاعلم أنه مداهن.
فإن أضيف إلى ذلك أمر ونهي وإنكار زاد البغض والقذف والإضرار.
فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:
وفي الغالب ما يحمل أهل الفساد إخوان الشيطان على معاداة الصلحاء لا سيما الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وسلب أعراضهم بالافتراء والبهتان إلا الحسد المذموم الذي حقيقته التأذي بما يتجدد من نعم الله عليه من خيري الدنيا والآخرة للأخ المسلم سواء أراد انتقالها إليه أم لا، لأن أعظم النعم الإقبال على الله باجتناب نهيه وامتثال أمره وملازمة طاعته ومداومة ذكره لكن لكل نعمة حاسد، وعلى كل فضل معاند. لما ظهرت فضائل"أدم"عليه السلام بسجود الملائكة وبتعليمه أسماء كل شيء وإخباره الملائكة بها، وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأسكن هو وزوجته الجنة ظهر الحسد من"إبليس" وسعى في الأذى وما زالت الفضائل يحسد عليها. وأنشدوا:
لا مات حاسدوك بل خلدوا
…
حتى يروا منك الذي يكمدوا
لا برحت الدهر في نعمه
…
فإنما الجاهل من يحسد
فما زال اللعين يحتال على"آدم" حتى تسبب في إخراجه من الجنة وما درى أن"آدم" عليه السلام إذا أخرج منها كملت فضائله ثم يعود إلى الجنة على أكمل من حالته الأولى.
كما قيل:
وإذا أراد الله شر فضيلة
…
طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
…
ما كان يعرف طيب عرق العود
قال تعالى- في سورة البقرة: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم} .
وقال تعالى في النساء {أم يحسدون النّاس على ما ءاتهم الله من فضله
…
} يعني أن اليهود حسدوا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من النبوة، وما أجرى على يديه من الخيرات.
وقال تعالى في النساء أيضًا: {ودٌوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء .. } .
أي يودون لكم الكفر كما فعلوا فتكونون أنتم وهم سواء في الكفر.
وقال تعالى: {ودٌوأ لو تدهن فيدهنون}
حكى المفسرون فيه أقوالًا:
أحدهم: لو ترخص فيرخصون- قال ابن عباس.
والثاني: لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم- قاله الحسن.
والثالث: لو تكفر فيكفرون- قاله عطية، والضحاك، ومقاتل.
والرابع: لو تلين لهم فيلينون لك- قاله ابن السائب.
والخامس: لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون. قاله زيد بن مسلم.
والسادس: لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم.
وكانوا قد أرادوه لو يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا (إلهه) مدة- قاله ابن قتيبة.
وكذالك قال أبو عبيدة من المداهنة. وقيل غير ذلك. والله أعلم.
وأمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من الحسد، تنبيهآ على عظه وكثرة ضرره.
وفي حديث الإفك المشهور من رواية البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي وابن ماجه، من حديث محمد بن شهاب الزهري، عن عروة وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها، وأكثرن عليها وفي رواية أي بنية خفضي عليك الشأن فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا
حسدنها وقيل فيها، فانظر كيف أكدت ذلك باليمين.
وروى الطبراني- في الأوسط- من حديث ابن عباس مرفوعًا: "إن لأهل النعم حسادًا فاحذروهم".
وأنشدوا:
يسوؤهم ما يسر الناس من سدد
…
ويفرحون لما يبدون من الخلل
ويرقبون إذا أعيت مكائدهم
…
تقلب الدهر للإيذاء والدول
كما يكتمون سجاياهم ويفضحهم
…
ويظهرون لنا ودًا على دخل
وروى البيهقى- في الشعب- بسنده، عن الحارث بن أبي أسامة، وأبي يزيد محمد دوح البزار أن عبيد الله بن محمد حفص العيشي أنشدهم في ابنه:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالناس أضداد له وخصوم
وكضرائر الحسنا قلن لوجهها
…
حسدًا وبغيًا إنه لذميم
وروى الإمام أحمد، والبيهقي- بسنديهما- عن معمر، عن قتادة. قال:"ما كثرت النعم على قوم قط إلا كثر أعداؤها".
وروى ابن أبي الدنيا، والطبري، والقضاعي- في مسند الشهاب- من حديث"معاذ" مرفوعًا:"استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود".
ورواه أبو الشيخ ابن حبان- في كتاب الأمثال. ولفظه: "استعينوا على طلب حوائجكم بكتمانها، فإن لكل نعمة حسدة" ولو أن كل امرئ كان أقوام من قدح لكان له من الناس غامر.
وقال بعض الحكماء: الحسد أصل الشر ولا يوجد إلا لمن عظمت نعم الله عليه.
وسيأتي في الباب الخامس ما ثبت في الصحيحين، ومسنده أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
…
).
وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي- أيضًا- من حديث الزبير بن العوام. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(دب إليكم داء الأمم قلبكم الحسد والبغضاء (والبغضاء) هي الحلقة حالقة الدين لا حالقة الشعر
…
).
وعند الترمذي: "وهي الحالقة أما إني لا أقول تحلق الشعر ولكن أقول تحلق الدين).
وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال"العشب".
وروى ابن ماجه نحوه من حديث أنس.
وكذلك ابن أبي شبية.
وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في مؤمن إيمان وحسد
…
".
إني لأرحم حسادي فحسدهم
…
ما ضمت صدورهم من الأغاري
نظورا صنيع الله في فبعيونهم
…
في جنة ناري
وروى المعافى ابن عمران من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والحسد فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدًا).
قيل أوحى الله- تعالى- إلى سليمان بن داود- عليهما السلام أوصيك بسعة أشياء لا تغتبن صالحي عبادي، ولا تحسدن أحدًا من عبادي. فقال سليمان: حسبي.
وقال بعض السلف: إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوًا لا يرحمه سلط عليه حاسدًا.
وقال بعضهم: الحاسد غضبان على من لا ذنب له يحتال بما لا يملك كما قيل:
أفكر ما ذنبي إليك فما أرى
…
علي سبيلا غير أنك حاسد
ولبعضهم:
عين الحسود عليك حارسة
…
يبدئ المساوئ والإحسان يخفيه
وقال الفضيل بن عياض: المؤمن يغبط والمنافق يحسد وروى البيهقي عن أبي حاتم محمد بن حبان قال: أنشدني محمد بن نصر المديني لداود بن علي بن خلف:
إني نشأت وحسادي ذو وعود
…
يا ذا المعارج لا تنقص لهم عدوا
إن يحسدوني على ما كان من حسن
…
فمثل خلقي فيهم جر لي حسد
وبسنده أيضًا عن أبي بكر بن كامل القاضي قال: أنشدني بن الأزرق النحوي:
بكر الحسود إلىّ بلحى ربه
…
جهلًا نقلت له مقالة حازم
الله أعلم حيث يجعل فضله
…
مني ومنك ومن جميع العالم
وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: الحاسد عدو نعمتي ساخط لقسمتي.
ولبعضهم:
الا قل لمن يأت لي حاسدًا
…
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله من حكمة
…
لأنك لم ترض لي ما وهب
وكلها أدارية على قدر حاله
…
سوى حاسد فهي التي لا أنالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمتة
…
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
قال البيهقي- أيضًا- أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد حبيب المفسر قال:
أنشدنا منصور الفقه:
إن تحسدوني فإني لا ألومكم
…
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولكم ما بي وما بكم
…
ومات أكثركم غيظًا بما يجدوا
ولبعضهم:
يحسدوني قومي على صنعتي
…
لأنني في صنعتي فارس
سهرت في ليلي واستغفوا
…
هل يستوي الساهر والناعس
ولغيره:
سبقت العالمين إلى المعالي
…
بصائب فكرة وعلو همه
جهد الحاسدون ليطفئوه
…
ويأبى الله إلا أن ينمّه
ولغيره:
(قل للحسود إذا تنفيس (
…
)
…
يا ظالمًا (
…
) مظلوم
ثم إن الحسد يعمل أذاه في الحاسد أكثر من المحسود.
كما قال أبو عبد الله الحاكم- في تاريخه-: أخبرنا أبو بكر الجعابي قال: لا تشتغل بالحساد، واصبر عليهم، فقد حدثونا عن ابن أخي الأصمعي، عن عمر- رضي الله عنه-قال: الحسد داء منغص يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.
وقال بعض الحكماء: يقتل الحاسد عما قبل المحسود.
وقال بعض الحكماء: يقتل الحاسد عما قبل المحسود.
وقالوا:
لله در الحسد ما أعدله
…
بدا بصاحبه فقتله
ولبعضهم:
لقد لقيت بك الحسام حتفا
…
وما سل الحسام من القراب
ولا هزت يراعك الأنتقام
…
ولا صعرت خدك الاحتاب
ولكن نشر مكرمة وذكر
…
وفضل ما يحصل باكتساب
قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.
قال بعض العلماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:
أولها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
وثانيها: أنه سخط لقسة ربه كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟
وثالثها: أنه ضاد فعل الله.
ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.
وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.
وأنشدوا:
وأظلم أهل الأرض من بات حاسدًا
…
لمن بات في نعمائه يتقلب
ولبعضهم:
إن يحسدوك على علاك فإنما
…
ناقص الدرجات يحسد من علا
والحسد يثمر للحاسد خمسة أشياء مذمومة:
أولها: إفساد الطاعة، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فواأسفاه على من أوقد نارًا في قلبه وجعل حطبها صالح كسبه لكن من آسره الشيطان وأسكرته الغفلة وانكب على القاذروات جاد بدينه على أعدائه، وقدم على الله فقيرًا حقيرًا مفلسًا ممقوتًا، وذلك مراد الشيطان من أتباعه وأوليائه.
الثاني: فعل المعاصي والشرور لأن الحاسد له ثلاث علامات: يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبه.
الثالث: التعب والهم من غير قائدة. نفس دائم وعقل هائم وغم لازم.
الرابع: عمى القلب. كما قال بعض السلف: لا تكن حاسدًا تكن سريع الفهم.
الرابع: عمى القلب. كما قال بعض السلف: لا تكن حاسدًا تكن سريع الفهم.
الخامس: الحرمان والخذلان، لأنه لا يكاد يظفر بمراده ولا ينصر على عدوه فكيف يظفر بمراده. ومراده زوال نعم الله- تعالى- عن المؤمنين من عباده وكيف ينتصر على أعدائه وهم المؤمنون أهل النصر والعز. قال تعالى: {
…
وكان حقّا علينا نصر المؤمنين}