المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم: - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

وقال سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ محببًا إلى جيرانه فاعلم أنه مداهن.

وفي رواية: إذا كان الرجل محببًا في جيرانه محمودًا عند إخوانه، فاعلم أنه مداهن.

فإن أضيف إلى ذلك أمر ونهي وإنكار زاد البغض والقذف والإضرار.

‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

وفي الغالب ما يحمل أهل الفساد إخوان الشيطان على معاداة الصلحاء لا سيما الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وسلب أعراضهم بالافتراء والبهتان إلا الحسد المذموم الذي حقيقته التأذي بما يتجدد من نعم الله عليه من خيري الدنيا والآخرة للأخ المسلم سواء أراد انتقالها إليه أم لا، لأن أعظم النعم الإقبال على الله باجتناب نهيه وامتثال أمره وملازمة طاعته ومداومة ذكره لكن لكل نعمة حاسد، وعلى كل فضل معاند. لما ظهرت فضائل"أدم"عليه السلام بسجود الملائكة وبتعليمه أسماء كل شيء وإخباره الملائكة بها، وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأسكن هو وزوجته الجنة ظهر الحسد من"إبليس" وسعى في الأذى وما زالت الفضائل يحسد عليها. وأنشدوا:

لا مات حاسدوك بل خلدوا

حتى يروا منك الذي يكمدوا

لا برحت الدهر في نعمه

فإنما الجاهل من يحسد

فما زال اللعين يحتال على"آدم" حتى تسبب في إخراجه من الجنة وما درى أن"آدم" عليه السلام إذا أخرج منها كملت فضائله ثم يعود إلى الجنة على أكمل من حالته الأولى.

كما قيل:

وإذا أراد الله شر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرق العود

قال تعالى- في سورة البقرة: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم} .

ص: 300

وقال تعالى في النساء {أم يحسدون النّاس على ما ءاتهم الله من فضله

} يعني أن اليهود حسدوا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من النبوة، وما أجرى على يديه من الخيرات.

وقال تعالى في النساء أيضًا: {ودٌوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء .. } .

أي يودون لكم الكفر كما فعلوا فتكونون أنتم وهم سواء في الكفر.

وقال تعالى: {ودٌوأ لو تدهن فيدهنون}

حكى المفسرون فيه أقوالًا:

أحدهم: لو ترخص فيرخصون- قال ابن عباس.

والثاني: لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم- قاله الحسن.

والثالث: لو تكفر فيكفرون- قاله عطية، والضحاك، ومقاتل.

والرابع: لو تلين لهم فيلينون لك- قاله ابن السائب.

والخامس: لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون. قاله زيد بن مسلم.

والسادس: لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم.

وكانوا قد أرادوه لو يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا (إلهه) مدة- قاله ابن قتيبة.

وكذالك قال أبو عبيدة من المداهنة. وقيل غير ذلك. والله أعلم.

وأمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من الحسد، تنبيهآ على عظه وكثرة ضرره.

وفي حديث الإفك المشهور من رواية البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي وابن ماجه، من حديث محمد بن شهاب الزهري، عن عروة وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها، وأكثرن عليها وفي رواية أي بنية خفضي عليك الشأن فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا

ص: 301

حسدنها وقيل فيها، فانظر كيف أكدت ذلك باليمين.

وروى الطبراني- في الأوسط- من حديث ابن عباس مرفوعًا: "إن لأهل النعم حسادًا فاحذروهم".

وأنشدوا:

يسوؤهم ما يسر الناس من سدد

ويفرحون لما يبدون من الخلل

ويرقبون إذا أعيت مكائدهم

تقلب الدهر للإيذاء والدول

كما يكتمون سجاياهم ويفضحهم

ويظهرون لنا ودًا على دخل

وروى البيهقى- في الشعب- بسنده، عن الحارث بن أبي أسامة، وأبي يزيد محمد دوح البزار أن عبيد الله بن محمد حفص العيشي أنشدهم في ابنه:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالناس أضداد له وخصوم

وكضرائر الحسنا قلن لوجهها

حسدًا وبغيًا إنه لذميم

وروى الإمام أحمد، والبيهقي- بسنديهما- عن معمر، عن قتادة. قال:"ما كثرت النعم على قوم قط إلا كثر أعداؤها".

وروى ابن أبي الدنيا، والطبري، والقضاعي- في مسند الشهاب- من حديث"معاذ" مرفوعًا:"استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود".

ورواه أبو الشيخ ابن حبان- في كتاب الأمثال. ولفظه: "استعينوا على طلب حوائجكم بكتمانها، فإن لكل نعمة حسدة" ولو أن كل امرئ كان أقوام من قدح لكان له من الناس غامر.

وقال بعض الحكماء: الحسد أصل الشر ولا يوجد إلا لمن عظمت نعم الله عليه.

ص: 302

وسيأتي في الباب الخامس ما ثبت في الصحيحين، ومسنده أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا

).

وفي مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي- أيضًا- من حديث الزبير بن العوام. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(دب إليكم داء الأمم قلبكم الحسد والبغضاء (والبغضاء) هي الحلقة حالقة الدين لا حالقة الشعر

).

وعند الترمذي: "وهي الحالقة أما إني لا أقول تحلق الشعر ولكن أقول تحلق الدين).

وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال"العشب".

وروى ابن ماجه نحوه من حديث أنس.

وكذلك ابن أبي شبية.

وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في مؤمن إيمان وحسد

".

إني لأرحم حسادي فحسدهم

ما ضمت صدورهم من الأغاري

نظورا صنيع الله في فبعيونهم

في جنة ناري

ص: 303

وروى المعافى ابن عمران من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والحسد فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدًا).

قيل أوحى الله- تعالى- إلى سليمان بن داود- عليهما السلام أوصيك بسعة أشياء لا تغتبن صالحي عبادي، ولا تحسدن أحدًا من عبادي. فقال سليمان: حسبي.

وقال بعض السلف: إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوًا لا يرحمه سلط عليه حاسدًا.

وقال بعضهم: الحاسد غضبان على من لا ذنب له يحتال بما لا يملك كما قيل:

أفكر ما ذنبي إليك فما أرى

علي سبيلا غير أنك حاسد

ولبعضهم:

عين الحسود عليك حارسة

يبدئ المساوئ والإحسان يخفيه

وقال الفضيل بن عياض: المؤمن يغبط والمنافق يحسد وروى البيهقي عن أبي حاتم محمد بن حبان قال: أنشدني محمد بن نصر المديني لداود بن علي بن خلف:

إني نشأت وحسادي ذو وعود

يا ذا المعارج لا تنقص لهم عدوا

إن يحسدوني على ما كان من حسن

فمثل خلقي فيهم جر لي حسد

وبسنده أيضًا عن أبي بكر بن كامل القاضي قال: أنشدني بن الأزرق النحوي:

بكر الحسود إلىّ بلحى ربه

جهلًا نقلت له مقالة حازم

الله أعلم حيث يجعل فضله

مني ومنك ومن جميع العالم

وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: الحاسد عدو نعمتي ساخط لقسمتي.

ولبعضهم:

الا قل لمن يأت لي حاسدًا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله من حكمة

لأنك لم ترض لي ما وهب

وكلها أدارية على قدر حاله

سوى حاسد فهي التي لا أنالها

وكيف يداري المرء حاسد نعمتة

إذا كان لا يرضيه إلا زوالها

ص: 304

قال البيهقي- أيضًا- أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد حبيب المفسر قال:

أنشدنا منصور الفقه:

إن تحسدوني فإني لا ألومكم

قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

فدام لي ولكم ما بي وما بكم

ومات أكثركم غيظًا بما يجدوا

ولبعضهم:

يحسدوني قومي على صنعتي

لأنني في صنعتي فارس

سهرت في ليلي واستغفوا

هل يستوي الساهر والناعس

ولغيره:

سبقت العالمين إلى المعالي

بصائب فكرة وعلو همه

جهد الحاسدون ليطفئوه

ويأبى الله إلا أن ينمّه

ولغيره:

(قل للحسود إذا تنفيس (

)

يا ظالمًا (

) مظلوم

ثم إن الحسد يعمل أذاه في الحاسد أكثر من المحسود.

كما قال أبو عبد الله الحاكم- في تاريخه-: أخبرنا أبو بكر الجعابي قال: لا تشتغل بالحساد، واصبر عليهم، فقد حدثونا عن ابن أخي الأصمعي، عن عمر- رضي الله عنه-قال: الحسد داء منغص يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.

وقال بعض الحكماء: يقتل الحاسد عما قبل المحسود.

وقال بعض الحكماء: يقتل الحاسد عما قبل المحسود.

وقالوا:

لله در الحسد ما أعدله

بدا بصاحبه فقتله

ولبعضهم:

لقد لقيت بك الحسام حتفا

وما سل الحسام من القراب

ولا هزت يراعك الأنتقام

ولا صعرت خدك الاحتاب

ولكن نشر مكرمة وذكر

وفضل ما يحصل باكتساب

ص: 305

قال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.

قال بعض العلماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:

أولها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.

وثانيها: أنه سخط لقسة ربه كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟

وثالثها: أنه ضاد فعل الله.

ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.

وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.

وأنشدوا:

وأظلم أهل الأرض من بات حاسدًا

لمن بات في نعمائه يتقلب

ولبعضهم:

إن يحسدوك على علاك فإنما

ناقص الدرجات يحسد من علا

والحسد يثمر للحاسد خمسة أشياء مذمومة:

أولها: إفساد الطاعة، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فواأسفاه على من أوقد نارًا في قلبه وجعل حطبها صالح كسبه لكن من آسره الشيطان وأسكرته الغفلة وانكب على القاذروات جاد بدينه على أعدائه، وقدم على الله فقيرًا حقيرًا مفلسًا ممقوتًا، وذلك مراد الشيطان من أتباعه وأوليائه.

الثاني: فعل المعاصي والشرور لأن الحاسد له ثلاث علامات: يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبه.

الثالث: التعب والهم من غير قائدة. نفس دائم وعقل هائم وغم لازم.

الرابع: عمى القلب. كما قال بعض السلف: لا تكن حاسدًا تكن سريع الفهم.

الرابع: عمى القلب. كما قال بعض السلف: لا تكن حاسدًا تكن سريع الفهم.

الخامس: الحرمان والخذلان، لأنه لا يكاد يظفر بمراده ولا ينصر على عدوه فكيف يظفر بمراده. ومراده زوال نعم الله- تعالى- عن المؤمنين من عباده وكيف ينتصر على أعدائه وهم المؤمنون أهل النصر والعز. قال تعالى: {

وكان حقّا علينا نصر المؤمنين}

ص: 306