الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية
وأما هجران أهل البدع فقال "ابن تميم"(هجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهر بالمعاصي فرض كفاية) لأن المشهور عن أحمد كفر الداعية إلى البدع يعني المحرمة وعنه: لا. قال ابن حمدان -في الرعاية-: ويجب هجر من كفر أو فسق ببدعة أو (دعا) إلى بدعة مضلة أو منسقة على من عجز عن الرد عليه أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره.
وقيل: يجب هجره مطلقًا. و (هو) ظاهر نصوص أحمد وأصحابه في البدعة سواء كفر بهم أم لا. قال ابن مفلح في فروعه: وفي تحريم السلام على مبتدع لمخاصم روايتان قال ابن مفلح" وظاهر نصوص أحمد: لا فرق بين من جهر بالبدعة ودعا إليها أو أسرها. قال ابن حامد في أصوله: المبتدع المدعي للسنة هل يجب هجره ومباعدته؟ فنقل علي بن سعد ع ن أحمد في المرجئ: يدعو إلى طعامه أو أدعوه؟ قال يدعوه ويجيبه إلا أن يكون رأسًا فيهم. ونقل "حرب" عن "أحمد" لا يعجبني أن أخاطب أهل البدع. ورد الخطاب أبو ثابت سلام جهمي. فقال أحمد: يرد على كافر.
فقلت أليس يرد على اليهودي والنصراني؟ قال اليهود والنصارى قد تبين أمرهما. قال ابن حامد فمذهب أحمد في أهل البدع- إن كان داعية مشتهرًا به فلا يعاد ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام ولا يجاب إلى طعام ولا دعوة - وإن كان يخفي بدعته فعلى وجهين في الجواز والمنع بناء على جواز إقامته. ونقل الفضل عن أحمد أنه قال: (إذا عرفت من أحد نفاقًا فلا تكلمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على الثلاثة الذين خلفوا فأمر الناس أن لا يكلموهم). ونقل الميموني عنه أنه قال: فكذا كل من خفنا عليه. قيل له: فالمرجئه؟ قال: هؤلاء أسهل إلا المخاصم منهم فلا يكلم.
وروى الخلال عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري (أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه؟ قال: لا. وإذا سلم لا يرد عليه.
(وقد اشتهرت الرواية عنه في هجر من أجاب في المحنة إلى أن مات).
(وقال القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى- في التمائم 0 لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة). قال ابن مفلح: "أطلق كما ترى فظاهره أنه لا فرق بين المهاجر وغيره في المبتدع والفاسق وهو ظاهر كلام أحمد في مكان وقطع به أبو الوفا ابن عقيل وقال: ليكون ذلك كسرًا واستصلاحًا". وقال إن أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى ازدحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف (ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة).
ومن الهجران: ترك العبادة -نص عليه أحمد.
وقد حرم ابن الصيرفي الحراني من الحنابلة -من نوادره- عيادة المبتدع.
وعن أحمد ورواية لا يعاد الداعية فقط -كما تقدم- واعتبر ابن عباس بن تيمية المصلحة في ذلك. ونقل أبو الحرث ع ن "أحمد": أن أهل البدع لا يعادون ولا تشهد لهم جنازة وهو مذهب مالك.
فأهل البدع فلي الهجر -أسوأ حالاً من أهل الذمة- كما تقدم قريبًا من قول أحمد لأن الذمي يجوز إجابة دعوته وترد التحية عليه إذا سلم ويجوز قصده في البيع والشراء فجازت عيادته وتعزيته كالمسلم. بخلاف من يحكم بكفره من أهل البدع لوجب هجره كما ذكر العلامة مجد الدين بن تيمية -في المحرر-.
قال القاضي أبو يعلي: (ولم يهجر أهل الذمة لأنا عقدناها معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية، وأما المرتدون فإن الصحابة باينوهم بالقتال وأي هجر أعظم من هذا؟ ). وروى الإمام أحمد وأبو داود من الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا
تشهدوهم). هذا لفظ أحمد ولفظ أبي داود: "القدرية مجوس هذه الأمة" وذكره.
وروى أبو داود أيضاً -من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعًا: "لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر. من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوهم وهم شيعة الدجال، وحق ع لى الله أن يلحقهم بالدجال".
وروى أحمد وأبو داود من حديث عمر مرفوعًا: " لا تجالسوا أهل القدر ولا تناكحوهم".
وروى ابن ماجة من حديث جابر مرفوعًا: "إن مجوس هذه الأمة المكذبون بالأقدار إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم".
وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث نافع. قال: كان لابن عمر صديق من أهل الشام فكاتبه. فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر فإياك أن تكتب إليَّ فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر). ورواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وروى أبو بكر الخلال بسنده عن أنس رضي الله عنه -وقيل له: إن قومًا يكذبون بالشفاعة وقومًا يكذبون بعذاب القبر؟ قال: لا تجالسوهم. وبإسناده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال لرجل جعل في عضده خيطًا من الحما: لو مت وهذا عليك لم أصل عليك.
وبإسناده عن الحسن قال لسمرة بن جندب رضي الله عنه إن ابنك أكل طعامًا كثيرًا حتى كاد أن يقتله. قال: (لو ومات مات ما صليت عليه).
وبإسناده أن أنسًا رضي الله عنه كان له امرأة في خلقها سوء فكان يهجرها السنة
والأشهر فتتعلق بثوبه. فتقول" أنشدك الله يا بن مالك أنشدك الله يا بن مالك فما يكلمها قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم.
وكان حماد بن مسلمة إذا جلس يقول: من كان قدريًا فليقم.
وعن طاوس وأيوب وسليمان التيمي وأبي السوار ويونس بن عبيد مثل ذلك. قال القاضي أيو يعلى: هو إجماع الصحابة والتابعين.
وروى الحافظ أبو نعيم -في الحلية- بسنده- عن أحمد بن عبد الله بن يونس قال: سمعت رجًلا يقول لسفيان الثوري: رجل يكذب بالقدر أصلي وراءه؟ قال: لا تقدموه. قال: هو إمام القرية ليس لهم إمام غيره؟ قال: لا تقدموه وجعل يصبح.
وبسنده عن بشر بن منصور قال: "سفيان" يقول وسأله رجل فقال على بابي مسجد إمامه صاحب بدعة قال: سمعت "سفيان" يقول وسأله رجل فقال على بابي مسجد إمامه صاحب بدعة؟ قال: لا تصل خلفه. قال: يكون الليلة المطيرة وأنا شيخ كبير؟ فقال لا تصل خلفه. وقال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي رحمه الله إسمع مني كلمة فأعرض عنه، قال: لا ولا نصف كلمة. ومثله عن أيوب لسختياني.
وقيل لأحد رحمه الله: آخذذ على ابن الجهمي؟ قال: كم له؟ قلت ابن سبع أو ثمان. قال لا تأخذ عليه، ولا تلقنه لتذل الأب به.
وقال في رسالته إلى "مسدد": (ولا تشاور أهل البدع في دينك ولا ترافقهم في سفرك).
ونقل أبو داود عن أحمد -أيضاً- في الرجل يمشي مع المبتدع: لا يكلمه.
وقال في رواية حنبل: (عليكم بالسنة والحديث وما ينفعكم، وإياكم والخوض والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام وقال لي أبو عبد الله: لا تجالسهم ولا تكلم أحدًا منهم وقال أيضًا -وذكر أهل البدع فقال: لا أحب لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم وكل من أحب الكلام لم يكن آخره أمره إلا إلى بدعة لأن الكلام لا يدعوا إلى
خير. عليكم بالسنن والفقه الذي تنتفعون به. ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء. أدركنا الناس وما يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام.
وقال في رواية حنبل -أيضًا- وكتب إليه رجل يسأله عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم؟ قال: والذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من سلفنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ.
وقال موسى بن هارون الحمال عن أحمد: (لاتجالس أصحاب الكلام وإن ذبوا عن السنة).
وذكر موفق الدين بن قدامة في "المقنع" -في النظر في كتب المبتدعة- قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم -إلى أن قال: وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والإعصار متفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة وترك علم الكلام وتبديع أهله وهجرانهم والخبر بزندقتهم وبدعتهم. وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).
وذكر القرطبي -في تفسيره- عن الفضيل بن عياض. أنه قال: من أحب صاحب البدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه ومن زوج كريمته من مبتدع قطع رحمها ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة فإذا علم الله من رجل أنه يبغض صاحب بدعة رجوت أن يغفر له. وقال عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي: قال"أحمد" إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن سفيان الثوري أنه قال: (من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة فقد خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها على إحدى الروايتين.
قال أبو داود: قلت لأبي عبد الله بن حنبل: أرى الرجل من أهل السنة مع
الرجل من أهل البدع أأترك كلامه؟ قال: لا. أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه وإلا فألحقه به).
وأما مبايعة أهل البدع ومشاوراتهم فسأل المروزي أحمد رحمه الله فقال: أمر بقربة فيها الجهمية لا زاد معي ترى أن أطوي؟ قال: نعم ولا تشتر منها شيئًا وتوقى أن تبيعه قال: بايعته ولا أعلم؟ قال: إن قدرت أن تسترد البيع فافعل فقلت: فإن لم يكن أتصدق بالثمن؟ قال: أكرره أن أحمل الناس على هذا فتذهب أموال الناس: قلت فكيف أصنع؟ قال: لا أدري أكره أن أتكلم بشيء ولكن أقل ما هنا أن يتصدق بالربح.
قال ابن حامد: فظاهر كلام "أحمد" المنع من ذلك وإبطاله مطلقًا فمن كان منهم داعية فالبيع باطل يملك به شيئًا.
كالمرتدين سواء والإخراج على وجهين في إمامته والسلام عليه ورد سلامه.
قال ابن حامد: فدل كلام أحمد أن مراده البدعة المكفرة فالداعية إليها كالمرتد وإلا فالوجهان. وقال جماعة من السلف: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يناكحون فذلك عقوبة لهم حتى ينتهوا. وهجر أحمد الحارث المحاسبي ع لى تصنيفه في الرد على المعتزلة وقال: وحمل الناس على التفكير فيها ثم ترد عليهم.
وهجر أبا ثور في تأويله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) وذكر الغزالي عنه -أيضًا- أنه كان بينه وبين يحيى بن معين صحبة طويلة فهجره "أحمد" إذ سمعه يقول: إني لا أسألك أحدًا شيئًا ولو أعطاني الشيطان شيئًا لأكلته. حتى اعتذر يحيى وقال: كنت أمزح فقال: تمزح بالدين! أما علمت أن الأكل من الدين قدمه الله -تعالى- على العمل الصالح فقال: {كلو من الطَّيبات واعملوا صالحاً} .
فيتعين حينئذ على المرء هجر أهل البدع لاسيما الداعية وترك مخالطتهم والتردد إليهم لغير مصلحة فإن في ذلك وزراً عليه في دينه.
ولقد أحسن الإمام أبو عبد القوي -في نظمه- حيث قال:
وهجران من أبدى المعاصي سنة وقد قيل: أن يردعه أوجب وآكد