الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعدائي، ولا يطعموا طعام أعدائي، ولا يركبوا مراكب أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي). كما يقال: هجران أعداء الحق فرض ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين، والركون إلى أصحاب الغفلة قرع باب الفرقة.
وروى عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها". واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن معاوية رضي الله عنهما حين أعلن بالربا، فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها.
فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب والعقوبة، وهو هجر أهل المعاصي والمنكرات، إذا لم يقدر على الإنكار باليد ولا باللسان، أو لم يفد فيهم ذلك.
قال بعض أصحاب الإمام أحمد: ومن جهر بمعصية من المعاصي غير مكفرة فهل يسن هجره أم يجب أن أرتدع به، أو مطلقاً إلا من السلام بعد ثلاثة، أو ترك السلام فرض كفاية؟ في ذلك أوجه.
وقال القاضي أبو يعلى وغيره: من أسر بمعصية لا يهجر. ونقل "حنبل عن أحمد أنه قال: ليس لمن قارف شيئاً من الفواحش حرمة ولا صلة إذا كان معلنًا قال ابن مفلح" وهذا معنى كلام الخلال. وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله براءتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر. وفي سنن أبي داود من حديث عائشة رضي الله عنها أنه اعتل بعير بصفية بنت حيي، وعند زينب فضل ظهر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب:(أعطيها بعيرًا) فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر".
ولم يهجر صلى الله عليه وسلم من أظهر الإسلام، وإن كان منافقًا وكما أمر الله -سبحانه- بهجر
الزوجات إذا خيف عليهن النشوز قال الله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع .. } .
(والنشوز هو الارتفاع أي ينشزن على أزواجهن، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه المغضبة له. فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله وعصيانه، فإنه -سبحانه- قد أوجب عليها حق الزوج وطاعته وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والأفضال بنص الكتاب والسنة فأمر -سبحانه-بهجرها في المضجع. قال ابن عباس: الهجر أن لا يجامعها ولا يضاجعها ويوليها ظهره، وزاد آخرون منهم السندي والضحاك، وعكرمة وابن عباس في رواية: ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس -أيضًا- يعظها- فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها وذلك عليها شديد.
وفي مسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة من حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يارسول الله ما حق امرأة أحدنا؟ قال: أن يطعمها إذا طعمت، ويكسوها إذا اكتست ولا يضرب الوجه ولا يهجر إلا في البيت.
قوله (يوادون) أي يحبون ويوالون. (والمحاماة): المعاداة والمخالفة. أي لا يوادون المعادين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: {لا يتَّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} .
قوله "ولو كانوا آباؤهم" روى مقاتل عن مرة الهنذاني عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية قال: (ولو كانوا آباءهم) يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد. (أو أبناءهم) يعني "أبا بكر" دعا ابنه يوم "بدر" إلى البراز فقال يا رسول الله دعني أكن في الرعلة الأولى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (متعنا بنفسك يا ابا بكر)(أو إخوانهم) يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد.
(أو عشيرتهم) يعني -عمر- قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وعلي وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بدر وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة.
(أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) أي أثبت التصديق في قلوبهم فهي مؤمنة مخلصة.
قوله: (وأيدهم بروح منه) أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله أي عاد الله ورسوله. ولو كان أباه أو أخاه فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان أي كتب الله له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته.
قال ابن عباس: (وأيدهم بروح منه) أي قواهم. وفي قوله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} سر بديع وهو أنه لما سخطوا على الأقارب والعشائر في الله تعالى -عوضهم بالرضا عنهم وأرضاهم عنه، بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم.
وقوله: {ألا إن حزب الله هم المفلحون} تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة.