الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلة مبالاتهم بسطواتهم، إيثارًا لإقامة حق الله - سبحانه - على بقائهم، واختيارهم لإعزاز الشرع على حفظ مهجهم، واستسلامًا للشهادة إن حصلت لهم، واتكالًا على فضل الله - تعالى - أن يحميهم، لأنه - تعالى -: يحفظ أولياءه، ولا يسلمهم إلى أعدائهم، بل يؤيدهم وينصرهم بنصرهم له ويأخذ بثأرهم وبأيدهم فما لعدوهم من قوة ولا ناصر.
وقد روى أبو عبدالله البخاري، وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من (عادى) لي وليًّا فقد آذنته بالحرب .. الحديث.
يعني أن الله يأخذ بثأر أوليائه، ويغضب لهم، وينصرهم، ويجعل الغلبة لهم.
وسيأتي (فصل) في ذكر بعض من بذل نفسه، وأمر الخلفاء والملوك بالمعروف ونهاهم عن المنكر، وذكر بعض من نيل بضرب في ذلك، ومن قتل فيه أو بسببه - في الباب العاشر - والله هو الكريم الغافر.
فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:
وإذا قلنا بالإنكار على السلطان ونحوه من الأثمة، وولاة الأمور فيكون - حينئذٍ - بالمرتبتين الأولين السابق ذكرهما - في أوائل هذا الباب وهما التعريف، والوعظ بالكلام اللطيف ويذكر له العاقبة في الدنيا والآخرة فيجب ذلك، لقوله - تعالى - خطابًا لنبيه موسى، وهارون - حين أرسلهما إلى عدوه فرعون -:{فقولا له قولا لينا}
أي كنياه. وقيل: القول اللين هو الذي لا خشونة فيه.
فإذا كان موسى أمر أن يقول لفرعون قولًا لينًا فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه.
قال يحيى بن معاذ -في هذه الآية-: إذا كان هذا رفقك بمن يقول: أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول: أنت الإله؟
وكأن ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين. وسيأتي الكلام على ذلك في فصل الرفق من الباب الرابع - إن شاء الله تعالى.
وروى أبو نعيم - بسنده - عن الوليد بن مسلم، عن سفيان الثوري قال: لا يأمر السلطان بالمعروف إلاّ رجل عالم بما يأمر، عالم بما ينهى، رفيق فيما يأمر. رفيق فيما ينهى، عدل فيما يأمر، عدل فيما ينهى.
قال جماعة من العلماء: (ويحرم الإنكار على السلطان بغير ذلك من تخشين القول كيا ظالم أو يا من لا يخاف الله، وما يجري مجراه إن كان يحرك فتنة يتعدى شرها إلى غيره ذكره القاضي أبو يعلى، وأبو الفرج ابن الجوزي، فإنه قال: الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- مع السلطان - التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو: يا ظالم، يا من لا يخاف الله فإن كان ذلك يحرك فتنًة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز، وإن لم يخف إلاّ على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء.
قال: والذي أراه، المنع من ذلك، لأن المقصود إزالة المنكر، وحمل السلطان بالانبساط عليه على فعل المنكر، أكثر من المنكر الذي قصد إزالته انتهى.
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله وغيره من حديث عطية السعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استشاط (السلطان) تسلط الشيطان).
وروى البيهقي - في شعب الإيمان عن أبي البحتري قال: قيل لحذيفة بن اليمان -
رضي الله عنه - ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن ولكن ليس من السنة أن ترفع السلاح على إمامك.
وبسنده، عن أنسر بن مالك أنه قال: أمرنا أكابرنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نسب أمراءنا ولا نغشهم ولا نعصيهم وأن نتقي الله ونصبر، فإن الأمر إلى قريب.
ونص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق بالله أبو حفص عمر إلى أبي عبد الله يعني أحمد. وقالوا له: إن الأمر قد فشا يعنون (إظهار) القول بخلق القرآن، وغير ذلك ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك.
وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعته، ولا تشقوا (عصا) للمسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.
وقال -أيضًا -: ليس هذا (صوابًا) هذا خلاف الآثار.
وقال أبو بكر احمد المروزي: كان أبو عبد الله أحمد- رحمه (الله يأمر بكف الدماء وينكر الخروج على الأئمة إنكارًا عظيمًا.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه لابنه: يا بني أحفظ عني ما أوصيك به: إمام عدل خير من مطر وبل، وأسد حطوم خير من إمام ظلوم، وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم).
قال أبو حامل الغزالي - في الكلام على المرتبة الخامسة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -: (أما الرعية مع السلطان فالأمر فيه أشد من الأب، فليس لهم معه إلاّ التعريف والنصح، فأما المرتبة الرابعة: وهي المنع بالقهر بطريق المباشرة ففيها نظر من حيث أن الهجوم على أخذ الأموال من خزانته وردها إلى الملاك، وعلى تحليل الخيوط من ثيابه الحرير وإراقه الخمر من بيته يفضي إلى خرق حرمته وهيبته وإسقاط حشمته، وذلك محظور ورد النهي عنه كما ورد النهي عن السكوت على المنكر فقد تعارض فيه - أيضًا - محذوران والأمر فيع موكول إلى اجتهاده منشؤه النظر في تفاحش المنكر ومقدار ما يسقط من حشمته، بسبب الهجوم عليه وذلك مما لا يكن ضبطه. انتهى.