المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد: - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

ولا مقاولة، فكلما سمع أشباه ذلك نفخ فيه الشيطان، واستهواه فأضله الله وما هداه.

الطبقة السادسة: من يترك ذلك تكبرًا وعجبًا، ويقصر عن القيام به فيزداد- عن ربه- بعدًا، وحجبًأ يرى أن القيام - بذلك- يضيع من قدره، ويهضم من رتبته بين الناس وفخره. يخاف إذا قام به أن لا يقبل مقاله، فيحتقر- بذلك-عند الخلق حاله. أما علم هذا المسكين وعيد رب العالمين بقوله:{ .... أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} ؟

الطبقة الثامنة: قوم من أهل الزهادة، والاجتهاد في حسن العبادة. لا يغفلون عن استصحاب الفكر ولا يفترون عن ملازمة الذكر زموا أنفسهم بالتنفلات وخطموا أبصارهم وبصائرهم عن الالتفات، لكن إذا عرض لأحدهم منكر، لم يشتغل بإزالته خوفًا أن يقطعه ذلك عن عبادته.

فلعمري كيف يرجو هذا المسكين أن يسلم، وقد دخل عليه العدو من حيث لا يدري ولا يعلم! ! فارتكب محظورًا رضي أم لم يرض لاشتغاله بالتنفل عن القيام بالغرض.

فهذه الطبقات كلها مذمومة، وبعضها شر من بعض.

وقد. سبق في أواخر الباب الأول إشارة إلى من لم ير النهي عن المنكر من الدين، والمهم الذي ابتعث الله (له) المرسلين.

والله سبحانه - الموفق للسداد الهادي إلى سبيل الرشاد.

اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بالعشي والأبكار، وأسكنا معهم دار القرار، فأنت الواحد الكريم الغفار، ولا تجعلنا من المخالفين الفجار وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

وأما كون السالكين طريق الحق الآمرين به بين أهل الفساد من الغرباء المكروهين. فقد روى مسلم في صحيحه، وابن ماجه من حديث أبي حازم واسمه سليمان الأشجعي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء).

ص: 283

قوله: (بدا) بلا همز بمعنى ظهر. وإذا كان بمعنى البداءة كان مهموزًا.

وروى مسلم - أيضًا - من حديث عبد الله بن عمر. رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ) الحديث.

ورواه الإمام أحمد وابن ماجه أيضًا من حديث ابن مسعود بزيادة في آخره وهي قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: "النزاع من القبائل"

ورواه ابن ماجه - أيضًا - من حديث أنس مرفوعًا. قال: (إن الإسلام بدأ، وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء).

ورواه الترمذي- في جامعه - من حديث كثير بن عبد الله، عن عوف المزني، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الدين بدأ غريبًا، ويرجع غريبًا فطوبى للغرباء، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي).

ورواه أبو القاسم الطبراني من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديثه. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: (الذين يصلحون ما أفسد الناس).

ورواه الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم (فطوبى - يومئذ - للغرباء إذا فسد "الناس".

ص: 284

وروى الإمام أحمد - أيضًا - من حديث المطلب بن حنطب مرسلًا: طوبى للغرباء قال يا رسول الله من الغرباء؟ قال: (يزيدون إذا نقص الناس) وحنطب بفتح الحاء المهملة، وسكون النون، وفتح الطاء المهملة والله أعلم.

وروى الطبراني - في الكبير- من حديث أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس. قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى في شيء من أمور الدين. فذكر الحديث إلى أن قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا) قالوا: يا رسول الله، من الغرباء؟ قال:(الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولم يتماروا في دين الله، ولا يكفروا أحدًا من دين التوحيد بذنب).

وروى الإمام أحمد-أيضًا- والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طوبى للغرباء) قلنا: وما الغرباء؟ قال: (قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم).

وفي رواية: (من يبغضهم أكثر ممن يحبهم).

قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبًا)(بدأ) معناه في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشروا وظهر، ثم يلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد من الناس وقلة-أيضًا -كما بدأ.

و(طوبى) يعني من الطيب، ومعناه: نوح وقرة عين. وقيل: نعم ما لهم. وقيل: غبطة لهم. وقيل: خير لهم وكرامة. وقيل: الجنة.

وأما (الغرباء) فقد جاء تفسيرهم في هذه الأحاديث: (وهم النزع من القبائل) يعني الذين قلوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والإثنان، وقد لا يوجد في القبائل والبلدان منهم أحد -كما كان في أول الإسلام. وفي الحديث المتقدم (الذين يصلحون إذا فسد الناس) يعني هم قوم صالحون عاملون بالسنة في زمن الفساد وفي حديث أخر:(الذين يصلحون ما أفسده الناس) يعني من السنة. وفي رواية: (المتمسكون بما أنتم عليه اليوم).

وفي الحديث الأخر: (الذين يزيدون إذا نقص الناس) يعني يزيدون خيرًا وإيمانًا وتقى إذا نقص الناس.

ص: 285

فهؤلاء الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس -جدًا- سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الاسلام - في الناس - غرباء، وأهل الايمان- في المسلمين - غرباء والعلماء في المؤمنين غرباء، وأهل السنة - الذين تميزوا بها بين أهل الأهواء والبدع - غرباء، والداعون إليها، الصابرون على أذى المخالفين لهم غرباء، ولكن هم أهل الله حقًا، والداعون إليه صدقًا. وأنشدوا:

يا من شكى شجوه من طول غربته

اصبر لعلك تلقى من نحب غدا

وفي جامع الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر).

ولبعضهم:

هذا زمان كنا نحاذره

في قول كعب وفي قول ابن مسعود

إن دام هذا ولم يحدث له غبر

لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

وهؤلاء الغرباء قسمان: أحدهما من يصلح بنفسه عند فساد الناس. والثاني: من يصلح ما أفسد الناس من السنة وهو على القسمين.

قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي رحمه الله: أما أنه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة، حتى لا يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد أو رجلان. وهذا كما قال عبد الله بن المبارك- قدس الله روحه- منشدًا:

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم

والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلف يزكي بعضهم

بعضًا ليدفع مغور عن مغور

قال عبد الواحد بن زيد البغدادي: مررت براهب في صومعة له. فقلت: يا راهب كيف تكون الغربة؟ قال: يا فتى ليس الغريب من مشى من بلد إلى بلد، ولكن الغريب صالح بين فساق.

وقال الفضيل بن عياض: من كان بطاعته من الله قريبًا، كان في الأرض من الخلق غريبًا. وقال يونس بن عبيد رحمه الله: ليس شيء أعزب من السنة، وأغرب منها من يعرفها، ويحك أتسكن إلى العافية، وتساكن العيشة الصافية، ولا بد من فراق العيش الرطيب

ص: 286

فاحضر قلبك، إنما أنت - في الدنيا - غريب.

كان الحسن البصري يقول: يا أهل السنة توقفوا رحمكم الله، فإنكم من أقل الناس.

والمراد بالسنة: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه وهي عبارة عما يسلم من الشبهات في الاعتقادات، ومسائل الإيمان، ومسائل القدر وغير ذلك. وكذلك القائمون بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهؤلاء هم أقل الناس في أخر الزمان، ولذلك وصفوا بالغربة، لقلتهم كما سبق في بعض الروايات: قوم ممالحون قليل في قوم سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم.

قال أبو الفرج ابن الجوزي عبد الرحمن رحمه الله: ففي هذا إشارة إلى قلتهم، وقلة المستجيبين لهم. والقابلين منهم وكثرة المخالفين والعامين لأمرهم. انتهى.

فالغربة - عند أهل الطريق - غربتان: ظاهرة، وباطنة، فالظاهرة نوعان:

الأول: غربة الحال، وليس لنا- بذكرها في هذا الموطن - كثير فائدة.

والثاني: هي التي نحن بصددها- غربة الحال، والحال ها هو الوصف القائم به المؤمن من الدين، والمسك بالسنة وهي غربة أهل الملاح بين الفساق. وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق. وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق. وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سلبوا الخشية والإشفاق. وغربة الزاهدين بين الراغبين في كل ما يفد وليس بباق.

وأما الغربة الباطنة: فغربة الهمة وهي غربة العارف بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه.

قال يحيى بن معاذ: الزاهد غريب الدنيا، والعارف غريب الأخرة، يعني أن الزاهد غريب بين أهل الدنيا، والعارف غريب بين أهل الأخرة، لا يعرفه العباد ولا الزهاد وإنما يعرفها من هو مثله، وهمته كهمته.

فالغربة - حينئذ- ثلاثة أنواع: الأولى: غربة الأبدان، والثانية: غربة الأفعال، والثالثة:(غربة الهمم) .. والله أعلم.

وهذا الفضل العظيم الموعود به لأهل الغربة، وإنما هو لرغبتهم بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلم أهوائهم فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهًا في سنة رسول

ص: 287