الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصدودون قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة فأصبحوا عنها بمعزل ومنزلتهم منها أبعد منزل فترى أحدهم يتقيد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب ويعد العلم قاطعًا له عن الطريق فإذا ذكر له الجهاد كان أشد نفورًا عنه فإذا ذكرت له الموالاة في الله والمعاداة فيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدَّ ذلك فضولاً وشرًا وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوه من بينهم، وعدوه غبرًا عليهم فهؤلاء أبعد الناس عن الله وإن كانوا أكثرهم إشارة إليه. انتهى ما قاله القيم.
وقد سبق قبل فصل (الاختلاط بالناس) تغليظ بعض المتحرفين البطالين القائلين: إنّ المعاصي والفجور وغير ذلك من القبائح الظاهرة والباطنة من قضاء الله وقدره وأنه يجب الرضا به، وعدم التعرض إلى فاعله بقول أو فعل ولو بالكراهة فتلبس عليهم ذلك حتى رأوا أن السكوت عن المنكر (مقام) من مقامات الرضا. وسموه حسن خلق وسيأتي في أول الباب الثاني قول الغزالي: العجب من قول الرافضة لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يخرج الإمام المعصوم وهو الإمام الحق عندهم. وهؤلاء أخس (رتبة من أن) يكلموا بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاءوا إلى القضاة (طالبين) لحقوقهم في دمائهم وأموالهم: إن نصركم أمر بالمعروف واستخراج حقوقكم من يد من ظلمكم نهي عن المنكر وطلبكم بحقكم من جملة المعروف. وما هذا زمن النهي عن الظلم وطلب الحقوق، لأن الإمام الحق لم يخرج بعد.
فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:
روى الإمام أبو بكر بن أبي الدنيا بسنده، عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الرحمن العمري يقول: إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله عز وجل بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه لا تأمر فيه ولا تنهى، خوف ممن لا يملك لك ضرًا ولا نفعًا.
وسمعته يقول: من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخالفة المخلوقين، أو رغبة في نفعهم نزعت منه هيبة الطاعة، حتى لو أمر ولده وبعض أهله لاستخفوا به.
قال أبو الحسن المارودي -في الأحكام السلطانية-: وأعلم أن هذا الباب- أعني الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يتبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًا، وهو باب عظيم به قوام الدين وملاكه، وإذا أكثر الخبث عمر البلاء والعقاب الصالح والطالح. {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
وقال أبو زكريا النواوي -رحمه (الله) - ولا ينبغي أن تبارك أحدًا في حال معصيته لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة (لديه)، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقًا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، فصديق الإنسان ومحبه هو الذي يسعى في عماره آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في نقصان آخرته وإن حصل بذلك نفع في دنياه. وإنما كان "إبليس" عدو لهذا المعنى وكانت الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إلى كل خير. انتهى.
قد روى الترمذي: وأبو الشيخ بن حيان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى منه أذى فليمطه عنه).
ورواه أبو داود بلفظ: (المؤمن مرآة المؤمن).
قال العراقي: إسناده جيد.
فالمعنى، أنه يرى منه ما لا يرى من نفسه فيستفيد المرء من أخيه معرفة عيوب نفسه، فلو انفرد لم ستفد كما يستفيد بالمرآة (في) الوقوف على عيوب صورته الظاهرة. والله أعلم.
وروي البيهقي بسنده عن أبي البحتري سعيد بن فيروز قال: قال سلمان -رضي الله