الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتي الكلام على الغيبة وما أبح العلماء منها - في الباب الخامس- إن شاء الله تعالى. قال أبو منصور لأبي عبد الله أحمد رحمه الله: (إذا علم من الرجل الفجور أيخبر به الناس؟ قال: لا، بل ويستر عليه).
قال ابن مفلح: ويتوجه أن في معنى الداعية من اشتهر وعرف بالبشر ينكر عليه وإن أسر المعصية إلا أن يكون داعية. واعتبر أبو العباس أحمد بن تيمية -رحمه الله تعالى- أن المستتر بالمنكر ينكر عليه ويستر عليه، فإن لم ينته فعل ما ينكف به، إذا كان أنفع في الدين وأن المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية ولم تبق له غيبة ويجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتًا إذا كان فيه كف لأمثاله ويتركوا تشييع جنازته. انتهى.
قال ابن مفلح: وهذا لا ينافيه ما تقدم من وجوب الإغضاء عنه فإنه لا يمنع وجوب الإنكار سرًا جمعًا بين المصالح.
وكلام "أحمد" ظاهر وصريح في وجوب الستر على هذا، وظاهر كلام "الخلال" يستحب ولم أجد بين الأصحاب خلافًا في أن من عنده شهادة بما يوجب حدًا له أن يقيمها عند الحاكم ويستحب أن لا يقيمها لما تقدم من أحاديث الستر فدل هذا على أن ستره لا يجب وإنه كان ينكر عليه بطريقة ولم يفرقوا بين أن يكون المشهود عليه بالشر والفساد، أم لا، انتهى.
قال النووي: وحيث قيل بالستر في هذا يكون مندوباً فلو رفعه إلى ولي الأمر لم يأثم بالإجماع لكن (هذا خلاف الأولى) وقد يكون في بعض صوره ماهو مكروه. انتهى.
فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم
وأن يكون آسفًا لتعرضه لعقاب الله
ومما يستحب (للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر) أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم وتعرضه لعقاب الله -تعالى- حتى يشغله الهم عن فرحه بأجر الأمر والنهي بحيث أنه لو خير بين أجره في أمره ونهيه وبين أن أخاه لم يصب ذلك الذنب لاختار أن لا يكون أصاب الذنب، ـ وهو النصح لله في خلقه، وهو أعظم من أجر الآمر في أمره مع إثمه. فإذا اغتم بمعصيته وشره وأحب أن يكون الله -تعالى- عصمه- جمع الله أجره على عظته إياه، وأجره على اغتمامه بمعصيته وأجره على محبته عصمته.
وقد روي أنه سرق لبعض السلف متاع وأخذ ماله. فشكى إلى عالم ذلك الزمان. فقال: إن لم يكن غمك أنه قد صار في المسلمين من يستحل هذا أكثر من غمك بمالك فما نصحت للمسلمين.
وسرق من علي بن الفضيل بن عياض دنانير وهو يطوف بالبيت فرآه أبوه وهو يبكي ويحزن. فقال: أعلى الدنيا تبكي؟ فقال: لا، والله على المسكين إنه يسأل يوم القيامة، ولا نكون له حجة.
وفي الصحيحين، وفي مسند أحمد من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وللبخاري ومسلم- في رواية أخرى-قال: المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وللبخاري ومسلم- في رواية أخرى- قال: المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
ولمسلم. قال: "المسلمون كرجل واحد (إن) اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله".
وفي مسند الإمام أحمد وغيره من حديث سهل بن سعد مرفوعاً: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس".
ومن ذلك مافي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
ورواه (ابن حبان) في صحيحه ولفظه: "لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه".