المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل (16) ومن أحسن ما تقل في العفو، ما ذكر أبو - الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ابن داود الحنبلي

[ابن داود الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان فرضيتهما

- ‌فصل- 1 - : حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 2 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أم فرض كفاية

- ‌فصل- 3 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفعال الصالحين وخلال المتقين

- ‌فصل- 4 - : دليل كون الأمر بالمعروف من أخص الأعمال الصالحة المتقبلة عند الله تعالى

- ‌فصل- 5 - : تحذير المحتسب (الآمر الناهي) والحاكم من التأثر ببغضه للبعض عند الحكم تفاديًا للظلم

- ‌فصل- 6 - : التحذير من الارتداد عن الدين

- ‌فصل- 7 - : التحذير من التفريط في الإنكار على فاعل المنكر

- ‌فصل- 8 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله

- ‌فصل- 9 - : دليل كون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من شرائع الإيمان أي من شروط تمامه

- ‌فصل- 11 - : وجوب اجتهاد الآمرين الناهين في الأمر والنهي وإن لم يستجب الجمهور إقامة للحجة الإلهية لله على خلقه

- ‌فصل- 12 - : الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف من أخص أوصاف المنافقين

- ‌فصل- 13 - : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص أوصاف المؤمنين

- ‌فصل- 14 - : مراتب الجهاد في سبيل الله ثلاثة: جهاد الكفار وجهاد النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل- 15 - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الهلاك في الدنيا فضلًا عن العذاب بالآخرة

- ‌فصل- 16 - : جمع آية في القرآن هي التي تأمر بالعدل والإحسان وتنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

- ‌فصل -17 - : دليل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض عين في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -18 - : دليل كون المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بطاعة الله والنهي عن معصيته

- ‌فصل -19 - : دليل كون أعلى مراتب الجهاد امتثال أمر الله واجتناب نهيه

- ‌فصل -20 - : دليل كون المقصرين في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في خسر

- ‌فصل -21 - : دليل كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل ما يعين المؤمن على تزكية نفسه ومعالجة ترقيها في الطاعات وتطهرها من الدنس

- ‌فصل -22 - : الأحاديث الواردة في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -23 - : ما ورد في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -24 - : وجوب تبليغ الشرع وأن ذلك يثمر نضارة الوجه

- ‌فصل -25 - : من ذب عن عرض مسلم وهو غائب وقاه الله النار يوم القيامة

- ‌فصل - 26 - : صلاح العباد في طاعة الله وطاعة الله لا تتم إلا بالاجتهاد في القيام بهذا الواجب

- ‌فصل - 27 - : أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتوافر خصوص الأمر به ولتوعد الشارع تاركه بأشد العقوبة

- ‌فصل - 28 - : تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الحكام

- ‌فصل - 29 - : وجوب الإمعان في إنكار البدع المضلَّة حتى تخمد ثم يجب إنكار البدع المضلة، وإقامة الحجة على بطلانها

- ‌فصل - 30 - : قول العز بن عبد السلام: الواجبات والمندوبات ضربان:

- ‌فصل - 31 - : قول العز: من فعل واجبًا متعديًا أو مندوبًا متعديًا أو اجتنب محرمًا أو مكروهًا متعديان فقد قام بحق نفسه وحق ربه

- ‌فصل - 32 - : بيان آراء العلماء في: هل من شروط وجوب إنكار المنكر غلبية الظن في إزالته

- ‌فصل - 33 - : عدم سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة مادام قادرًا على الأمر والنهي

- ‌فصل - 34 - : من تيقن من وجود منكر بالسوق وكان قادرًا على تغييره لزمه الخروج لتغييره

- ‌فصل - 35 - : في إنكار المنكر أجر عظيم وفي عدم إنكاره الإثم الكبير

- ‌فصل -36 - : إذا تظاهر الناس بالمنكر وجب على كل من يراه أن يغيره في حدود القدر المستطاع

- ‌فصل -37 - : ثبوت عذاب القبر لمن ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم قبول شفاعته

- ‌فصل -38 - : الأحاديث والآثار الواردة في ذم تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل -39 - : تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاص لوجوه أربعة

- ‌فصل- (40): إبطال زعم البعض أن السكوت عن المنكر مقام من مقامات الرضا بالقضاء:

- ‌فصل- (41): من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نزع هيبة الطاعة:

- ‌فصل- (42): توعد الله المذلين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بإحباط عملهم في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل- (43): من أخص أوصاف المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وأن من أمارات الساعة فساد المسلمين بإمرتهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف:

- ‌الباب الثاني: أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل- (1): شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (خمسة):

- ‌فصل - (2): أخص أوصاف المؤمنين الدالّة على صحة عقيدتهم:

- ‌فصل - (3): الركن الثاني للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر]

- ‌فصل - (4): الإنكار على السلطان إذا عطل الحدود في حدود القدر المستطاع:

- ‌فصل - (5): دفع التعارض بين أمر خواض الأمة السلطان الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر وبين تحريم تعريض النفس للتهلكة:

- ‌فصل - (6): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق:

- ‌فصل - (7): تحريم فرار المسلمين من عدوهم إذا كانوا ضعفهم:

- ‌فصل - (8): جواز أمر خواص الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولو تيقنوا القتل إذا تيقنوا رفع المنكر:

- ‌فصل - (9): إباحة أمر السلطان ونهيه خواص الأمة عندما لا يخافون إيذاءًا لغيرهم نتيجة لنهيهم:

- ‌فصل - (10): كيفية الإنكار على السلطان تكون بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف وذكر العاقبة في الدنيا والآخرة:

- ‌فصل - (11): وجوب وعظ خواص الأمة السلطان سرًا أفضل منه جهرًا:

- ‌فصل - (12): وجوب نصح الولد للوالد بالتعريف والوعظ بالكلام اللين اللطيف:

- ‌فصل - (13): وجوب نهي أهل الذمة من المنكر كزواج كتابي مسلمة أو عرضهم الخمر ولحم الخنزير للبيع بين المسلمين:

- ‌فصل - (14): الشروط الواجب توفرها في المنكّر حتى يجب النهي عنه:

- ‌فصل - (15): الشرط الثالث من شروط المنكر:

- ‌فصل - (16): أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الظنون

- ‌فصل - (17): الشرط الرابع من شروط المنكر أن يكون معلومًا بغير اجتهاد

- ‌فصل - (18): وجوب التزام كل مقلد لمذهب بأحكام مذهبه وكراهة تقليده غيره إلاّ لضرورة

- ‌فصل - (19): ضروب الموجب للإنكار:

- ‌فصل - (20): الركن الرابع من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل - (21): درجات النهي عن المنكر الدرجة الأولى: التعرف

- ‌فصل - (22): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف:

- ‌فصل - (23): الدرجة الثالثة للنهي عن المنكر النهي بالوعظ

- ‌فصل- (24): ما ينبغي على الآمر الناهي استخدامه في الوعظ من ذكر آيات وأحاديث وقصص:

- ‌فصل - (25): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر:

- ‌فصل - (26): الدرجة الخامسة من درجات النهي عن المنكر التغيير باليد:

- ‌فصل - (27): وللمنكر كسر آلة اللهو وكسر وعاء الخمر:

- ‌فصل - (28): وجوب إنكار المنكر المستتر

- ‌فصل- (29): إختلاف الرواية عن أحمد في وجوب تحريق بيوت تجار الخمر:

- ‌فصل - (30): كراهة النظر إلى التصاوير وإباحة حكها من على الجدران:

- ‌فصل (31): لا ضمان في تحريق الكتب كالتي فيها الأحاديث المفتراة على رسول الله:

- ‌فصل - (32): في الدرجة الخامسة أدبان

- ‌فصل- (33): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف:

- ‌فصل (34): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح:

- ‌فصل - (35): الدرجة الثامنة للنهي عن المنكر الاستعانة بأعوان من أهل الخير لإزالة المنكر:

- ‌فصل- (36): وترتيب درجات النهي عن المنكر مقتبسة من إشارات بعض آيات التنزيل:

- ‌الباب الثالث: طبقات الناس من الآمرين والمأمورين والمتخلفين

- ‌فصل- (1) طبقات المنهيين:

- ‌فصل (2): أقسام التائبين الذين تأثروا بالموعظة:

- ‌فصل (3): المتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (4): غربة الآمرين الناهين ين أهل الفساد:

- ‌فصل (5): ابتلاء الله الفقهاء ببعض العصاة لهم:

- ‌فصل (6): ذل المؤمن لغربته بين الفساق:

- ‌فصل (7): معاداة العصاة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌فصل (8): حسد الفساق للعلماء وتمنيهم إضلالهم:

- ‌(فصل): وجوب إيثار الآمر الناهي رضي رب العباد على رضى العباد:

- ‌الباب الرابع: بيان ما يستحب من الأفعال والأقوال والأحوال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌فصل (1): الآمر بالمعروف والنهين عن المنكر القائم في حدوده بمنزلة الطبيب الذي يسقى الدواء الكريه الذي يرجو به الشفاء للمريض من دائه

- ‌فصل (2): يستجيب للآمر الناهي العلم والورع وحسن الخلق:

- ‌فصل (3): تأكد ورع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالإغراض عما في أيدي الناس

- ‌فصل (4): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بحسن الخلق:

- ‌فصل (4) [مكرر]: في ذم الغضب

- ‌فصل (5): فضيلة كظم الغيظ:

- ‌فصل (6): أساليب إذهاب الغضب:

- ‌فصل (7): استحباب الغضب عند انتهاك حرمات الله:

- ‌فصل (8): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية

- ‌فصل (9): استحباب الحلم والعفو للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (10): أحاديث من مدح الرفق وذم تاركه:

- ‌فصل (11): تأكد استحباب الرفق للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر

- ‌فصل (12): وجوب حذر الآمر الناهي من رفق المداهنة لبلوغ غرض دنيوي

- ‌فصل (13): وجوب اتصاف الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر بالحلم والعفو

- ‌فصل (14): على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يقابل إساءة المأمورين بالإحسان

- ‌فصل (15): عفو الناهي عن المسيء يورثه عزًا

- ‌فصل (16)

- ‌فصل (17): استحباب الأناة والتثبت للآمر الناهي

- ‌فصل (18): ويستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قصد نصح جميع الأمة

- ‌فصل (19): ومما يستحب للآمر بالمعروف أن يكون قصده رحمة الخلق والنفقة عليهم:

- ‌فصل (20): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ستر العورات والعيوب:

- ‌فصل (21): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون مغتمًا مما ظهر من معصية أخيه المسلم

- ‌فصل (22): ومما يستحب للآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون غيورًا على إخوانه المسلمين أي غيورًا على دمائهم وأموالهم وأعراضهم

- ‌فصل (23): ومما يستحب (أو يجب) على كل مسلم أن يهجر المجاهرين بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية للإجتماع على وجوب ترك الأرض التي يجاهر فيها بالمعاصي

- ‌فصل (24): استحباب هجر المجاهر بالمعصية على جهة التأديب

- ‌فصل (25): استحباب هجر من ترك الفرائض من باب التغرير بترك السلام على تارك الصلاة وشارب الخمر

- ‌فصل (26): هجران أهل البدع والمتظاهرين بالمعاصي فرض كفاية

- ‌فصل (27): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله

- ‌فصل (28): تباين درجات الهجر بحسب أحوال المهجورين فإن كان الهجر يضعف شرهم وجب الهجر كأسلوب للزجر وإن كان يزيد من شرهم وجبت مخالطتهم وتغريرهم

- ‌فصل (29): تباين درجات الهجر بحسب درجات اعتقاد وسلوك الجماهير:

- ‌فصل (30): الهجر أسلوب شرعي للزجر لتكون كلمة الله هي العليا

- ‌فصل (31): لا فرق بين وجوب هجر ذي الرحم والأجنبي إذا كان الهجر لتعدي حق الله:

- ‌فصل (32): عدم جواز الهجر المسلم للتهمة مداومة للصفاء والمحبة

- ‌فصل

- ‌فصل (33): هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله كبيرة:

- ‌فصل (34): قال ابن مفلح رحمه الله ولا هجرة مع السلام

- ‌فصل (35): استحباب التقرب إلى الله بحب أهل الطاعة وبغض أهل المعصية:

- ‌فصل (36): استحبالب تواضع الآمر الناهي في أمره ونهييه بلا افتخار أو تعاظم

- ‌فصل (37): استحباب استعانة الآمر الناهي بالله والاعتصام به وخاصة عند عجزه عن مجاهدة نفسه وعن القيام بحقوق الله

- ‌فصل (38): استحباب طلب الآمر الناهي إعانة الله

- ‌فصل (39): استحباب تحلي الآمر الناهي بالصبر والاحتمال:

- ‌فصل (40): صبر النبي على أذى قريش عشرين عامًا وعفوه عنهم بعد أن أظفره الله بهم

- ‌فصل (41): يبتلي المرء على قدر دينه والمرء يبتلي على قدر دينه وقوة يقينه

- ‌فصل (42): إذا تحقق المصاب من أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه والمصاب إذا علم وتحقق أن المصيبة بتقدير الله وإرادته هانت عليه

- ‌فصل (43): وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات باستخلافهم في الأرض وتمكين دينهم لهم:

- ‌فصل (44): من أخص آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌فصل (45): وجوب تحمل الآمر الناهي الصبر المترتب على أمره ونهيه:

- ‌فصل (46): قال العلامة ابن القيم: وللعبد فيما يصيبه من أذى الخلق وجنايتهم عليه احد عشر مشهدًا

- ‌فصل (47): وقوع المحن على قدر قوى الآمرين الناهين ومراتبهم:

الفصل: ‌ ‌فصل (16) ومن أحسن ما تقل في العفو، ما ذكر أبو

‌فصل (16)

ومن أحسن ما تقل في العفو، ما ذكر أبو الفرج بن الجوزي. قال: كنا نجلس إلى الوزير أبي المظفر عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي فيملي علينا كتابه "الإفصاح" فبينما نحن كذلك إذ قدم رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه. فقال له "عون الدين" أقتلته؟ قال: نعم، جرى بيني وبينه كلام فقتلته. فقال الخصم: سلمه إلينا، لنقتله فقد أقر بالقتل. فقال الوزير: أطلقوه ولا تقتلوه. قالوا: كيف ذلك وقد قتل أخانا، قال: أفتبيعونه فاشتراه منهم بستمائة درهم وسلم الذهب إليهم، وذهبوا وقالوا للقاتل: اقعد عندنا لا تبرح، قال: فجلس عندهم وأعطاه الوزير خمسين دينار. قال: فقلنا له: أحسنت إلى هذا، وعملت معه أمرًا عظيمًا، وبالغت في الإحسان إليه، فقال الوزير منكم أحد يعمل أن عيني اليمنى لا أبصر بها شيئًا؟ فقلنا: معاذ الله- تعالى- فقال: بلى، والله أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خلصته من القتل جاء إلي وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه أقرأ فيه ومعه سلة فاكهة. فقال: أحمل هذه السلة. فقلت له: ما هذا شغلي فاطلب غيري، فشاكلني وكلمني فقلع عيني ومضى فلم أره بعد ذلك إلى يومي هذا فذكرت ما صنع لي فأردت أن أقابل إساءته إلي بالعفو والإحسان مع القدرة. ولبعضهم:

قوم إذا ظفروا بنا

جادوا بعتق رقابنا

وأتي عمر بن عبد العزيز- رحمة الله عليه- برجل كان قد نذر إن أمكنه الله منه ليفعلن به وليفعلن. فقال له رجاء بن حيرة: قد فعل الله ما تحب من الظفر فافعل ما يحب من العفو.

وأنشدوا:

يعطي الكريم ولا يملك من العطا

والدفع شيمته إذا رفع الخطا

قال عبد الله بن المبارك: كنت عند أبي جعفر عبد الله المنصور جالسًا فأمر بقتل رجل. فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله: من كانت له عند الله يد فليتقدم، فلا يتقدم إلا من عفا عن ذنب) فأمر بإطلاقه.

وقال صالح ابن الإمام أحمد: دخلت على أبي يومًا، فقلت: بلغني أن رجلًا أتى إلى أبي فضل الأنماطي فقال له: اجعلني في حل إذ لم أقم بنصرتك. فقال: فضل: لا جعلت

ص: 386

أحدًا في حل فتبسم إلي وسكت فلما كان بعد أيام قال لي: مررت بهذه الآية: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني هاشم بن القاسم قال: حدثني المبارك، قال: حدثني من سمع الحسن. يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة، ونودوا: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدًا.

وقال عبد الله ابنه: قال أبي: وجه الله الواثق أن أجعل المعتصم في حل من ضربه إياك. فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حل.

وأنشد محمود الوراق:

إني وهبت لظالمي ظلمي

وغفرت ذاك له على علمي

ورأيته أسدى إلى يدا

فأبان منه بجهله حلمي

وقال غيره:

وإذا المسيء جنى عليك جناية

فاقتله بالمعروف لا بالمنكر

وأحسن إليه إذا أساء فإنه

من ذي الجلال بسمع وبنظر

وقيل لبعض الأعراب: من سيدكم؟ فقال: من احتمل شتمنا، وأعطى سائلنا. وأغضى عن جاهلنا. فمن قابل المكروه بالعفو، والزلة بالحلم، والإساءة بالإحسان والسيئة بالغفران فقد أوطأ أخمص قدمه أوج السيادة وأعطى نفسه بشراها بأن له الحسنى وزيادة.

وروى البيهقي في الشعب بسنده، عن محمد بن عبد الواحد أنه كان ينشد:

لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا

حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام

ويشتموا فترى الألوان مشرقة

لا عفو ذل ولكن عفو إكرام

وقيل: إن هذين البيتين لعروة بن الزبير- رحمة الله عليه- هذا جود الفتوة. فمن قابل المكروه بالعفو، والزلة بالحلم، والإساءة بالإحسان، والسيئة بالغفران فقد أوطأ أخمص قدميه أوج السيادة وأعطى نفسه بشراها بأن له الحسنى وزيادة.

ص: 387

قال الله تعالى: {والجروح قصاصٌ فمن تصدق به فهو كفَّارة له}

وفي هذا الجود. قال الله تعالى: {وجزؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحبُّ الظَّلمين} .

قال سعيد بن المسيب: لأن يخطئ الإمام في العفو خير له أن يخطئ في العقوبة.

وقال جعفر بن محمد: لأن أندم على العفو، أحب إلي أن أندم على العقوبة.

هذه والله علامات المهذبين المرتاضين، وأمارات المخلصين الصادقين. كما قال الإمام أحمد- رحمه الله في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد جاءه رجل. فقال له: إني كنت شاربًا مسكرًا فتكلمت فيك بشيء فاجعلني في حل. فقال أبو عبد الله: أنت في حل إن لم تعد. فقلت له: يا أبا عبد الله، لم قلت له ذلك فلعله يعود؟ قال: ألم تر ما قلت له: إن لم تعد قد اشترطت عليه؟ ثم قال: ما أحسن الشروط إذا أراد أن يعود فلا يعود إن كان له دين.

وقال أبو بكر المروذي: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد الله: اجعلني في حل. قال: من أي شيء؟ قال: كنت أذكرك، أي أتكلم فيك. قال له: ولم أردت أن تذكرني. فجعل يعترف بالخطأ فقال له أبو عبد الله: على أن لا تعود لهذا. قال له نعم. قال: قم، ثم التفت إلي وهو يبتسم. فقال: لا أعلم أني شددت على أحد إلا على رجل جاءني فدق علي الباب، وقال: اجعلني في حل، فإني كنت أذكرك. فقلت: ولم أردت أن تذكرني، أي وهذا الرجل كأنه أراد منهما التوبة وأن لا يعود.

رواه الخلال- في حسن الخلق- من كتاب الأدب. فينبغي للإنسان أن لا ينزعج على من آذاه ويجاهد نفسه، ليرتاض فيقابله بالعفو والصفح، ويواجهه بما لا يواجهه به غيره من المحبين.

والمعتقدين من طيب القول وحسن العبادة، وعدم الجفاء تقربًا إلى ربه- عز وجل فإن ذلك من شيم العلماء الصلحاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، المقتدين بسنة سيد البشر- عليه أفضل الصلاة والسلام وأعلى من ذلك الجود بالعرض.

كما روى ابن أبي الدنيا وغيره: من حديث حمزة الثمالي، أن علي بن الحسين زين العابدين كان إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أتصدق اليوم، أو أهب عرضي من استحل منا شيئًا من ذلك. كأبي ضمضم- رضي الله عنه فيما رواه أبو بكر بن السني من حديث أنس

ص: 388