الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، طلبًا لاستصحاب الصفاء، ومداومة المحبة والوفاء، وخوفًا من تغير خاطره الشريف على أحد من أصحابه ومفارقة إخوانه وأحبابه.
وذكر أبو عمر بن عبد البر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يقول:(إذا كان لك أخ في الله -تعالى- فلا تماره ولا تسمع فيه من أحد، فربما قال لك ما ليس فيه فحال بينك وبينه).
وأنشدوا:
إن الوشاة كثير إن أطعتم
…
لا يرقبون بناء إلَاّ ولا ذمما
فصل
وذهب أبو الدرداء وجماعة من الصحابة والتابعين إلى عدم هجر الصديق والأخ في الله تعالى إذا ارتكب معصية ولم يقبل وعظه صديقه قال أبو الدرداء: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإنه يعوج مرة ويستقيم أخرى. قال بعض السلف: لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة في إصلاحه وأنشدوا:
إذ أنت لم تشرب مرارًا على القذى
…
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
…
كفى المرء فضًلا أن تعد معايبه
قال إبراهيم النخفي: (لاتقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب بذنبه فإنه يركبه اليوم ويتركه غدًا).
وقال أيضًا -لا تحدثوا الناس بزلة العالم، فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها.
وروى البغوي في المعجم، وابن عدي في الكامل، من حديث عمر بن عوف المزني مرفوعًا:"اتقوا زلّة العالم ولا تقطعوه".
وفي حديث زيد بن الأصم، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قد سأل عن أخ كان) أخاه فخرج إلى الشام، فسأل عنه بعض من قدم عليه، فقال: ما فعل أخي؟ فقال: ذاك أخو الشيطان. قال له: مه، قال: إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر، قال إذا أردت
الخروج فآذني. فكتب -عند خروجه (إليه): {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التَّوب شديد العقاب ذي الطوّل لا إله إلا هو إليه المصير} .
ثم عاتبه تحت ذلك وعزله، فلما قرأ الكتاب بكى. وقال صدق الله ونصح لي عمر فتاب ورجع.
ورواه أبو نعيم -الحافظ- في الحلية.
ورواه الخطيب أبو بكر البغدادي ولفظه: أن رجًلا كان ذا بأس وكان يوفد إليه عمر ليأتيه، وكان من أهل الشم، وأن عمر فقده. فسأل عنه. فقيل له: تتابع في هذا الشراب فدعا كاتبه. فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان سلام عليكم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو غافر (الذنب) قابل التوب شديد العقاب، ذو الطول لا إله إلا هو إليه المصير ثم دعا وأمن من عنده، ودعوا له أن يقبل على الله بقلبه وأن يتوب عليه. فلما أتت الصحيفة الرجل، جعل يقرؤها، ويقول غافر الذنب قد وعدني أن يغفر لي ذنبي، وقابل التوب قد وعدني أن يتوب علي، شديد العقاب قد حذرني عقابه، ذي الطول، والطول -الخير الكثير، إليه المصير. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر أمره. قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخًا لكم زل زلة فسددوه، ووفقوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.
وروي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما على الانشقاق فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره؟ فقال: أحوج ما كان إلي من هذا الوقت لما وقع في عسرته أن أخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة وادعوا له بالعود إلى ما كان عليه.
وروي أن أخوين ابتلي أحدهما بهوى، فأظهر عليه أخاه وقال: إني اعتللت، فإن شئت أن لا تعقد على محبتي لله فافعل. فقال: ما كنت لأحل عقد أخوتك لأجل خطيئتك أبدًا، ثم عقد أخوه بينه وبين الله أن لا يأكل ولا يشرب حتى يعافي الله أخاه من هواه، فطوى أربعين يومًا، في كلها يسأله عن حاله؟ فكان يقول القلب مقيم على حاله. ومازال هو ينحل من الغم والجوع حتى زال الهوى عن قلب أخيه بعد الأربعين. فأخبره فأكل بعد ذلك وشرب.
وأنشدوا:
ومن يتبع عثرة من صديقه يجدها
…
فلم يسلم له الدهر صاحب
ولبعضهم:
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا
…
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش مفردًا أو صل أخاك فإنه
…
مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
…
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وروي - في الإسرائيليات - أن اخوين عابدين كانا في جبل فنزل أحدهما ليشتري من المصر شيئًا يقيتهم فرأى بغيًا فرمقها وعشقها فواقعها، ثم أقام عندها ثلاثة أيام، واستحيا أن يرجع إلى أخيه، من جنايته، قال فافتقده أخوه واهتم بشأنه، فنزل إلى المصر، فلم يزل يسأل عنه، حتى دل عليه، فدخل إليه وهو جالس فاعتنقه وجعل يقبله ويلزمه، وأنكر (الآخر) أنه يعرفه، لفرط استحيائه منه فقال: قم يا أخي فقد علمت شأنك وقصتك وما كنت ق أحب إلي ولا أعز من ساعتك هذه، فلما رأى أن ذلك لم يسقطه من عينه قام وانصرف معه.
ونقل مثنى عن أحمد رحمه الله في أخوين يحيف أحدهما على أخيه هل تجوز قطيعته، أم يرفق به وينصح؟ قال: إذا أمره ونهاه فليس عليه أكثر من هذا.
وأنشدوا:
إذا ما حال عهد أخيك يومًا
…
وحاد عن الطريق المستقيم
فلا تعجل بلومك واستدمه
…
فخير الود ود المستقيم
إن تر زلة منه فسامح
…
ولا تبعد عن الخلق الكريم
وقيل: من حق الإخاء أن يغفر الهفوة، ويستر الزلة. فمن رام بريئًا من الهفوات سليمًا من الزلات، ورام أمرًا معوذًا، واقترح وصفًا معجزًا، فأي عالم لا يسهوا؟ وأي أخ لا يلغو؟ وأي صارم لا ينبو وأي جواد لا يكبو؟
وأنشدوا:
ولا تقطع أخًا لك عند ذنب
…
فإن الذنب يعفوه الكريم
ولكن داو عورته برفع
…
كما يرفع الخلق القديم
ولبعضهم في -كان وكان:
ظفرك إ ذا عاب مرة لا تقلعه فهو ينصلح
…
فإن قلعتو لعيبوا بتقى بلا أظفار
وللمتنبي
ولست بمستبق أخًا لا تلمه
…
على شعث أي الرجال المهذب
ولغيره:
ولو كان لا عيب فيه لكنت
…
ولكنه أي الرجال المهذب
ولبعضهم:
لا تعتبن على نقص رأيت أخًا
…
فإن بدر الدجى لم يعط تكميلا
وقال غيره:
تحمل أخاك على ما به
…
فما في استقامة مطمع
وأني له خلق واحد
…
وفيه طبائعه الأربع
وللإمام علي -كرم الله وجه-:
قيل: إن الإله ذو ولد
…
قيل: إن الرسول قد كهن
فلا الله ولا الرسول معًا
…
سلما من ألسن الناس فكيف أنا
فهذه طريقة قوم من السلف -كما تقدم:
قال الغزالي -وهي طريقة لطيفة لما فيها من الرفق والاستمالة والتلطف المفضي إلى الرجوع والتوبة، لاستمرار الحياة عند دوام الصحبة فمتى قوطع انقطع طمعه عن الصحبة واستمر في المعصية وأيضًا - فإن عقد الأخوة ينزل منازل القرابة، فإن انعقدت تأكد الحق ووجب الوفاء بموجبه. ومن الوفاء أن لا يهمل أمام حاجته وفقره. إذ فقر الدين أشد من فقر المال. وقد أصابته جائحة وألمت به آفة افتقر بسببها من دينه، فينبغي أن يراقب ويرعى ولا يهمل، أمام حاجته وفقره. إذ فقر الدين أشد من فقر المال. وقد أصابته جائحة والمت به آفة بسببها من دينه، فينبغي أن يراقب ويرعى ولا يهمل، بل لا يزال يتلطف به، ليعان على الخلاص من الواقعة التي ألمت به والأخوة عدة للنوائب وحوادث الزمان وارتكاب المعاصي من أشد النوائب.
وأنشدوا:
سامح أخاك إذا خلط
…
منه الإصابة بالغلط
وتجاف عن تعنيفه
…
إن زاع يومًا أو قسط
واحفظ صنيعك عنده
…
شكر الصنيعة أم غمط
واقن أنوفنا وإن أخل
…
بما اشترطت وما شترط
أو ما ترى المحبوب بالمكروه
…
لذا في نمط
كالشوك يبدو في الغصون
…
مع الجنى الملتقط
ولو انتقدت بني الزمان
…
وجدت أكثرهم سقط
وقال بعض السلف -في زلات الإخوان-: ود الشيطان أن يلقي على أخيكم مثل هذا حتى تهجروه وتقطعوه. فماذا أتقيتم من محبة عدوكم، وذلك لأن التفرق بين الأحباب من محاب الشيطان، كما أن مقارفة العصيان من محابه، فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني والى هذا أضار صلى الله عليه وسلم بقوله:(لا تكونوا عونًا للشيطان على أخيكم).
" ولا تعينوا عليه الشيطان" -كما سيأتي- في الباب الثامن إن شاء الله تعالى -عند الرفق بشارب الخمر.
وأنشدوا:
إذا ما بدت من صاحب لك زلة
…
فكن أنت محتاًلا لزلته عذرا
أحب الفتى يتقي الفواحش سمعه
…
كأن في كل فاحشة قسرا
والداعي إلى هذا التأويل شيئان التغافل الناشيء عن الفطنة والتآلف الصادر عن الوفاء.
وقد قال أكثم بن صيفي: من شدد نفر ومن تراخى وتغافل تآله، والسرور (والشرف) في التغافل:
كما قيل:
ليس المتفحش بسيد في قومه
…
لكن سيد قومه المتعالي