الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَانِيًا: الْوَكَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ فِي الْبَيْعِ:
79 -
إِذَا قَيَّدَ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِقُيُودٍ مُعَيَّنَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِهَا عِنْدَ تَنْفِيذِ الْوَكَالَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: التَّوْكِيل بِالْبَيْعِ إِنْ كَانَ مُقَيَّدًا يُرَاعَى فِيهِ الْقَيْدُ بِالإِْجْمَاعِ حَتَّى أَنَّهُ إِذَا خَالَفَ قَيْدَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوكِّلِ، وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ خِلَافُهُ إِلَى خَيْرٍ، لأَِنَّ الْوَكِيل يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ قِبَل الْمُوَكِّل فَيَلِي مِنَ التَّصَرُّفِ قَدْرَ مَا وَلَاّهُ. وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ إِلَى خَيْرٍ فَإِنَّمَا نَفَذَ لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ خِلَافًا صُورَةً فَهُوَ وِفَاقٌ مَعْنًى، لأَِنَّهُ آمِرٌ بِهِ دَلَالَةً فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِتَوْلِيَةِ الْمُوَكِّل فَنَفَذَ.
بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِذَا قَال لَهُ: بِعْ ثَوْبِي هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ بِأَقَل مِنَ الأَْلْفِ لَا يَنْفُذُ، وَكَذَا إِذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ لأَِنَّهُ خِلَافٌ إِلَى شَرٍّ، لأَِنَّ أَغْرَاضَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأَْجْنَاسِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخِلَافِ إِلَى شَرٍّ.
وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ نَفَذَ لأَِنَّهُ خِلَافٌ إِلَى خَيْرٍ فَلَمْ يَكُنْ خِلَافًا أَصْلاً.
وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً لَمْ يَنْفُذْ بَل يَتَوَقَّفْ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةً نَفَذَ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِطَ الْخِيَارِ لِلآْمِرِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْخِيَارَ لَمْ يَجُزْ بَل يَتَوَقَّفْ.
وَلَوْ بَاعَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلآْمِرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ لأَِنَّهُ لَوْ مَلَكَ الإِْجَازَةَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا زَادَ الْوَكِيل فِي الْبَيْعِ كَأَنْ قَال لَهُ الْمُوَكِّل: بِعْ بِعَشَرَةٍ، فَبَاعَ بِأَكْثَرَ، أَوْ نَقَصَ فِي الشِّرَاءِ كَأَنْ قَال لَهُ: اشْتَرِ بِعَشَرَةٍ، فَاشْتَرَى بِأَقَل، فَلَا خِيَارَ لِمُوَكِّلِهِ فِيهِمَا، لأَِنَّ هَذَا مِمَّا يُرْغَبُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ مُطْلَقُ الْمُخَالَفَةِ تُوجِبُ خِيَارًا وَإِنَّمَا تُوجِبُهُ مُخَالَفَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَمْلِكُ الْوَكِيل مِنَ التَّصَرُّفِ إِلَاّ مَا يَقْتَضِيهِ إِذْنُ الْمُوَكِّل مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لأَِنَّ تَصَرُّفَهُ بِالإِْذْنِ فَلَا يَمْلِكُ إِلَاّ مَا يَقْتَضِيهِ الإِْذْنُ، وَالإِْذْنُ يُعْرَفُ بِالنُّطْقِ وَبِالْعُرْفِ، فَإِنْ تَنَاوَل الإِْذْنُ تَصَرُّفَيْنِ وَفِي أَحَدِهِمَا إِضْرَارٌ بِالْمُوَكِّل لَمْ يَجُزْ مَا فِيهِ إِضْرَارٌ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا
(1) بدائع الصنائع 6 / 27.
(2)
الزرقاني 6 / 81، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 385.
ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، فَإِنْ تَنَاوَل تَصَرُّفَيْنِ وَفِي أَحَدِهِمَا نَظَرٌ لِلْمُوَكِّل لَزِمَهُ مَا فِيهِ النَّظَرُ لِلْمُوَكِّل، لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَلَيْسَ مِنَ النُّصْحِ أَنْ يَتْرُكَ مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالنَّظَرُ لِلْمُوَكِّل. وَإِنْ وَكَّل فِي الْبَيْعِ فِي زَمَانٍ لَمْ يَمْلِكِ الْبَيْعَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لأَِنَّ الإِْذْنَ لَا يَتَنَاوَل مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لأَِنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ الْبَيْعَ فِي زَمَانٍ لِحَاجَةٍ وَلَا يُؤْثِرُ فِي زَمَانٍ بَعْدَهُ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ فِي مَكَانٍ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِيهِ أَكْثَرَ أَوِ النَّقْدُ فِيهِ أَجْوَدَ لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِ لأَِنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ أَوْ جَوْدَةِ النَّقْدِ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَاحِدًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي غَيْرِهِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَ الإِْذْنُ فِي أَحَدِهِمَا إِذْنًا فِي الآْخَرِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لأَِنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَيْهِ دَل أَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَهُ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِهِ - مِنْ يَمِينٍ وَغَيْرِهَا - فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ مِنْ غَيْرِهِ لأَِنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ تَمْلِيكَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الإِْذْنُ فِي الْبَيْعِ مِنْهُ إِذْنًا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنْ قَال: خُذْ مَا لِي مِنْ فُلَانٍ، فَمَاتَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَرَثَتِهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَا لَهُ عِنْدَهُ وَيَرْضَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ وَرَثَتِهِ، فَلَا يَكُونُ الإِْذْنُ فِي الأَْخْذِ مِنْهُ إِذْنًا فِي الأَْخْذِ مِنْ وَرَثَتِهِ. وَإِنْ قَال: خُذْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ، فَمَاتَ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَرَثَتِهِ لأَِنَّهُ قَصَدَ أَخْذَ مَا لَهُ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَل الأَْخْذَ مِنْهُ وَمِنْ وَرَثَتِهِ. وَإِنْ وَكَّل الْعَدْل فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَأَتْلَفَهُ رَجُلٌ فَأُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُ الْقِيمَةِ لأَِنَّ الإِْذْنَ لَمْ يَتَنَاوَل بَيْعَ الْقِيمَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَمْلِكُ الْوَكِيل مِنَ التَّصَرُّفِ إِلَاّ مَا يَقْتَضِيهِ إِذْنُ مُوَكِّلِهِ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لأَِنَّ تَصَرُّفَهُ بِالإِْذْنِ فَاخْتُصَّ بِمَا أُذِنَ فِيهِ، وَالإِْذْنُ يُعْرَفُ بِالنُّطْقِ تَارَةً وَبِالْعُرْفِ تَارَةً أُخْرَى،