الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِلَايَة
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْوَلْيِ، وَهُوَ الْقُرْبُ. يُقَال: وَلِيَهُ وَلْيًا، أَيْ دَنَا مِنْهُ. وَأَوْلَيْتُهُ إِيَّاهُ: أَدْنَيْتَهُ مِنْهُ. وَوَلِيَ الأَْمْرَ: إِذَا قَامَ بِهِ، وَتَوَلَّى الأَْمْرَ؛ أَيْ تَقَلَّدَهُ، وَتَوَلَّى فُلَانًا: اتَّخَذَهُ وَلِيًّا.
وَالْوَلِيُّ - فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ - مِنْ وَلِيَهُ: إِذَا قَامَ بِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ( {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} . (1)
وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِي حَقِّ الْمُطِيعِ. وَمِنْهُ قِيل: الْمُؤْمِنُ وَلِيُّ اللَّهِ. وَالْمَصْدَرُ الْوِلَايَةُ. وَكَذَلِكَ تَأْتِي بِمَعْنَى السَّلْطَنَةِ، وَمِنْهُ قِيل: الْعِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْوِلَايَاتِ، يَأْتِي إِلَيْهِ الْوَرَى وَلَا يَأْتِي، أَمَّا الْوَلَايَةُ - بِالْفَتْحِ - فَتَعْنِي النُّصْرَةَ وَالْمَحَبَّةَ.
وَقَال ابْنُ فَارِسٍ: وَكُلٌّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ آخَرَ فَهُوَ وَلِيُّهُ. وَمِنْهُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَوَلِيُّ الْقَتِيل وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِهِمْ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي أَمْرِهِمْ. وَوَالِي الْبَلَدِ: وَهُوَ نَاظِرُ أُمُورِ أَهْلِهِ الَّذِي يَلِي الْقَوْمَ
(1) سورة البقرة 257.
بِالتَّدْبِيرِ وَالأَْمْرِ وَالنَّهْيِ. (1)
وَالْوِلَايَةُ اصْطِلَاحًا: اسْتَعْمَل جُل الْفُقَهَاءِ كَلِمَةَ الْوِلَايَةِ بِمَعْنَى تَنْفِيذِ الْقَوْل عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى (2) فَتَشْمَل الإِْمَامَةَ الْعُظْمَى وَالْخُطَّةَ كَالْقَضَاءِ، وَالْحِسْبَةِ وَالْمَظَالِمِ وَالشُّرَطَةِ وَنَحْوِهَا، كَمَا تَشْمَل قِيَامَ شَخْصٍ كَبِيرٍ رَاشِدٍ عَلَى شَخْصٍ قَاصِرٍ فِي تَدْبِيرِ شُؤُونِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ. قَال النَّوَوِيُّ: وَيُقَال لِلْمَحْجُورِ فِيهَا مَوْلِيٌّ عَلَيْهِ (3) وَمُوَلًّى عَلَيْهِ (4) ، كَذَلِكَ وَرَدَتْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِمَعْنَى إِقَامَةِ الْغَيْرِ مَقَامَ النَّفْسِ فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ، فَتَنَاوَلَتِ الْوَكَالَةَ وَنِظَارَةَ الْوَقْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَبِمَعْنَى أَحَقِّيَّةِ الْمُطَالَبَةِ بِدَمِ
(1) معجم مقاييس اللغة 6 141، أساس البلاغة ص 509، حلية الفقهاء لابن فارس ص 165، وأنيس الفقهاء للقرنوي ص 262، والمصباح المنير والمغرب والمفردات للراغب، بصائر ذوي التمييز، والكليات للكفوي 5 4،43، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 724، كشاف اصطلاحات الفنون 2 1528.
(2)
التعريفات للجرجاني.
(3)
بفتح الميم وإسكان الواو وكسر اللام وتشديد الياء.
(4)
بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة، مثل المصلى عليه. تهذيب الأسماء واللغات 2 196، غرر المقالة في شرح غريب الرسالة للمغراوي ص 226.
الْقَتِيل فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ، وَسَمَّوْا صَاحِبَهَا " وَلِيَّ الدَّمِ ". كَمَا عَبَّرُوا عَنْ سُلْطَةِ الزَّوْجِ فِي تَأْدِيبِ زَوْجَتِهِ النَّاشِزِ، وَالْوَالِدِ فِي تَأْدِيبِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُعَلِّمِ فِي تَأْدِيب تَلَامِيذِهِ بِالْوِلَايَةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. (1)
وَاسْتَعْمَلَهَا فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بِمَعْنَى الآْصِرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلإِْرْثِ. فَقَال ابْنُ جُزَيٍّ: الْوِلَايَةُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: وِلَايَةُ الإِْسْلَامِ، وَلَا يُورَثُ بِهَا إِلَاّ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهَا. وَوِلَايَةُ الْحِلْفِ، وَوِلَايَةُ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ يُتَوَارَثُ بِهِمَا أَوَّل الإِْسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. وَوِلَايَةُ الْقَرَابَةِ، وَوِلَايَةُ الْعِتْقِ، وَالْمِيرَاثُ بِهِمَا ثَابِتٌ. (2)
2 -
وَقَدْ أَوْضَحَ الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ فَقَال:
فَأَمَّا وِلَايَةُ الإِْسْلَامِ وَالإِْيمَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ فَقَال:( {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} )(3) وَهِيَ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ.
وَأَمَّا وِلَايَةُ الْحِلْفِ (وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، فَقِيل:
(1) التعريفات للجرجاني، والمصباح المنير، وتهذيب الأسماء واللغات 2 196، والتوقيف للمناوي ص 734، وطلبة الطلبة للنسفي ص 98، وبدائع الصنائع 2 334.
(2)
القوانين الفقهية ص 382.
(3)
سورة التوبة 71.
إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهَا فِي أَوَّل الإِْسْلَامِ بِدَلِيل قَوْل اللَّهِ عز وجل: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (1) ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( {وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . (2)
وَقِيل: إِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلَامُ أُمِرُوا أَنْ يُؤْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالْمَعُونَةِ وَالْمَشُورَةِ، وَلَا مِيرَاثَ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ الآْيَةَ مُحْكَمَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ.
(ر: مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) .
وَأَمَّا وِلَايَةُ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهَا فِي أَوَّل الإِْسْلَامِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ. قَال تَعَالَى:( {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيل اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . (3) فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَْنْصَارُ يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ الَّتِي آخَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا بَيْنَهُمْ دُونَ ذَوِي الأَْرْحَامِ حَتَّى أَنْزَل اللَّهُ ( {وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ
(1) سورة النساء 33.
(2)
سورة الانفال 75.
(3)
سورة الانفال 72.
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} ) (1) يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: (فِي كِتَابِ اللَّهِ) عَلَى مَا قَال أَهْل التَّأْوِيل: أَيْ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ، فَالْمُرَاد بِأُولِي الأَْرْحَامِ فِي هَذِهِ الآْيَةِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ أَوْ دَخَل فِيهَا بِالْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ.
وَأَمَّا وِلَايَةُ النَّسَبِ، فَمَوْجُودَةٌ أَيْضًا فِي الْقُرْآنِ. قَال تَعَالَى:( {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَْقْرَبُونَ} . (2) وَقَال حَاكِيًا عَنْ زَكَرِيَّا عليه السلام: ( {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} . (3)
يَقُول: وَإِنِّي خِفْتُ بَنِي عَمِّي وَعَصَبَتِي مِنْ بَعْدِي أَنْ يَرِثُونِي ( {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل يَعْقُوبَ} . (4) أَيْ وَلَدًا وَارِثًا مُعِينًا يَرِثُ مَالِي وَيَرِثُ مِنْ آل يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا كَانَ مَنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، فَوَهَبَ اللَّهُ لَهُ يَحْيَى.
وَأَمَّا وِلَايَةُ الْعِتْقِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ انْقِطَاعِ النَّسَبِ بِحَقِّ الإِْنْعَامِ بِالْعِتْقِ وَالْمَنِّ بِهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ. (5)
(ر: مَوْلَى الْعَتَاقَةِ)
(1) سورة الانفال 75.
(2)
سورة النساء 33.
(3)
سورة مريم 5.
(4)
سورة مريم 5 ـ6.
(5)
المقدمات الممهدات 3 127 ـ 132 باختصار.
3 -
أَمَّا " وَلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى " لِلْمُؤْمِنِينَ، فَمَدْلُولُهُ أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، فَقَرُبَ مِنْهُمْ بِالْمَحَبَّةِ وَالْهِدَايَةِ وَالنُّصْرَةِ، وَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ فَلَمْ يَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ لَحْظَةً، وَكَفَل مَصَالِحَهُمْ وَرَعَاهُمْ بِحِفْظِهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَال الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ: الْوَلِيُّ - فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ - هُوَ مَنْ تَوَالَتْ طَاعَتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّل عِصْيَانٍ. أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَهُوَ مَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ إِحْسَانُ اللَّهِ وَإِفْضَالُهُ. (1)
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وِلَايَةُ اللَّه تَعَالَى نَوْعَانِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ.
فَالْعَامَّةُ: وِلَايَةُ كُل مُؤْمِنٍ. فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا لِلَّهِ تَقِيًّا، كَانَ اللَّهُ لَهُ وَلِيًّا، وَفِيهِ مِنَ الْوِلَايَةِ بِقَدْرِ إِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ.
وَالْخَاصَّةُ: وِلَايَةُ الْقَائِمِ لِلَّهِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، الْمُؤْثِرِ لَهُ عَلَى كُل مَا سِوَاهُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ، الَّذِي صَارَتْ مَرَاضِي اللَّهِ وَمَحَابِّهِ هَمَّهُ وَمُتَعَلَّقَ خَوَاطِرِهِ، يُصْبِحُ وَيُمْسِي وَهَمُّهُ مَرْضَاةُ رَبِّهِ وَإِنْ سَخِطَ الْخَلْقُ. (2)
(1) تعريفات الجرجاني، والتوقيف للمناوي ص 734، وكشاف اف اصطلاحات الفنون 2 1529، وتفسير الطبري 3 21، وتفسير النيسابوري 2 22.
(2)
بدائع الفوائد لابن القيم 3 106، 107.