الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّوْكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي إِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ إِلَاّ بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، حَتَّى يَلْزَمَ الْخَصْمَ جَوَابُ الْوَكِيلِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّل مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ مُحَاكَمَةِ الْوَكِيل إِذَا كَانَ الْمُوَكِّل حَاضِرًا، لأَِنَّ حُضُورَ الْمُوَكِّل مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَمُخَاصَمَتَهُ حَقٌّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ خَصْمِهِ كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ.
وَوَجْهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الدَّعْوَى الصَّادِقَةُ، وَالإِْنْكَارُ الصَّادِقُ وَدَعْوَى الْمُدَّعِي خَبَرٌ يَحْتَمِل الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالسَّهْوَ وَالْغَلَطَ، وَكَذَا إِنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَزْدَادُ الاِحْتِمَال فِي خَبَرِهِ بِمُعَارَضَةِ خَبَرِ الْمُدَّعِي، فَلَمْ يَكُنْ كُل ذَلِكَ حَقًّا فَكَانَ الأَْصْل أَلَاّ يَلْزَمَ بِهِ جَوَابٌ، إِلَاّ أَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْجَوَابَ لِضَرُورَةِ فَصْل الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْفَسَادِ وَإِحْيَاءِ الْحُقُوقِ الْمَيِّتَةِ، وَحَقُّ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ مَقْضِيًّا بِجَوَابِ الْمُوَكِّل فَلَا تَلْزَمُ الْخُصُومَةُ عَنْ جَوَابِ الْوَكِيل مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، مَعَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْخُصُومَاتِ عَلَى التَّفَاوُتِ، بَعْضُهُمْ أَشَدُّ خُصُومَةً مِنَ الآْخَرِ، فَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَكِيل أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ فَيَعْجِزُ مَنْ يُخَاصِمُهُ عَنْ إِحْيَاءِ حَقِّهِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، فَيُشْتَرَطُ رِضَاءُ الْخَصْمِ لِيَكُونَ لُزُومُ الضَّرَرِ مُضَافًا إِلَى الْتِزَامِهِ، أَمَّا إِذَا
كَانَ الْمُوَكِّل مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ الدَّعْوَى وَعَنِ الْجَوَابِ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ يَمْلِكِ النَّقْل إِلَى غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيل لَضَاعَتِ الْحُقُوقُ وَهَلَكَتْ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (1)
وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ لَا فَصْل فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، لَكِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتَحْسَنُوا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً غَيْرَ بَرَزَةٍ، فَجَوَّزُوا تَوْكِيلَهَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ فِي مَوْضِعِهِ، لأَِنَّهَا تَسْتَحِي عَنِ الْحُضُورِ لِمَحَافِل الرِّجَالِ، وَعَنِ الْجَوَابِ بَعْدَ الْخُصُومَةِ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فَيَضِيعُ حَقُّهَا.
وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ إِلَاّ تَوْكِيل الْبِكْرِ. (2)
ثَامِنً
ا إِثْبَاتُ الْقِصَاصِ
وَاسْتِيفَاؤُهُ:
أ - إِثْبَاتُ الْقِصَاصِ:
65 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّل حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، لأَِنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الآْدَمِيِّ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى التَّوْكِيل فِيهِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيل بِإِثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَلَا تُقْبَل الْبَيِّنَةُ فِيهِ إِلَاّ
(1) البدائع 6 / 22.
(2)
بدائع الصنائع 6 / 22.