الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا فِي الاِصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ، فَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَابِدِينَ الْكَرَامَةَ بِأَنَّهَا: ظُهُورُ أَمْرٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ، عَلَى يَدِ عَبْدٍ ظَاهِرِ الصَّلَاحِ، مُلْتَزِمٍ لِمُتَابَعَةِ نَبِيٍّ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ، مُقْتَرِنًا بِصَحِيحِ الاِعْتِقَادِ وَالْعَمَل الصَّالِحِ غَيْرِ مُقَارِنٍ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ. (1)
فَامْتَازَتِ الْكَرَامَةُ بِعَدَمِ الاِقْتِرَانِ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ عَنِ الْمُعْجِزَةِ، وَبِكَوْنِهَا عَلَى يَدِ ظَاهِرِ الصَّلَاحِ وَهُوَ الْوَلِيُّ عَمَّا يُسَمُّونَهُ مَعُونَةً وَهِيَ الْخَارِقُ الظَّاهِرُ عَلَى أَيْدِي عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ، تَخَلُّصًا لَهُمْ مِنَ الْمِحَنِ وَالْمَكَارِهِ، وَبِمُقَارَنَةِ صَحِيحِ الاِعْتِقَادِ وَالْعَمَل الصَّالِحِ عَنِ الاِسْتِدْرَاجِ، وَبِمُتَابَعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ عَنْ خَوَارِقِ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِكَذِبِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِالإِْهَانَةِ كَبَصْقِ مُسَيْلِمَةَ فِي بِئْرٍ عَذْبَةِ الْمَاءِ لِيَزْدَادَ مَاؤُهَا حَلَاوَةً، فَصَارَ مِلْحًا أُجَاجًا. (2)
95 -
وَقَدْ ذَهَبَ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالأُْصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ - خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - إِلَى أَنَّ ظُهُورَ الْكَرَامَةِ عَلَى الأَْوْلِيَاءِ جَائِزٌ عَقْلاً، لأَِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُمْكِنَاتِ، وَأَنَّهَا وَاقِعَةٌ نَقْلاً مُفِيدًا لِلْيَقِينِ مِنْ
(1) مجموعة رسائل ابن عابدين 2 278.
(2)
المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار 2 481، وشرح العقيدة الطحاوية للغنيمي الميداني ص 139، وكشاف اصطلاحات الفنون 2 975، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 2 392، ومجموعة رسائل ابن عابدين 2 278، وتعريفات الجرجاني ص 115.
جِهَةٍ مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَوُقُوعِ التَّوَاتُرِ عَلَيْهَا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَجِيلاً بَعْدَ جِيلٍ. وَبَعْدَ ثُبُوتِ الْوُقُوعِ لَا حَاجَةَ إِلَى إِثْبَاتِ الْجَوَازِ (1) قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَكَرَامَاتُ الأَْوْلِيَاءِ حَقٌّ بِاتِّفَاقِ أَهْل الإِْسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ دَل عَلَيْهَا الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالآْثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهَا أَهْل الْبِدَعِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَدَّعِيهَا أَوْ تُدَّعَى لَهُ يَكُونُ كَذَّابًا أَوْ مَلْبُوسًا عَلَيْهِ. (2)
الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَرَامَةِ وَالْمُعْجِزَةِ:
96 -
الْمُعْجِزَةُ اسْمُ فَاعِلٍ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَجْزِ الْمُقَابِل لِلْمَقْدِرَةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ إِعْجَازِ الْخَصْمِ عِنْدَ التَّحَدِّي، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَهِيَ فِي الشَّرْعِ: مَا خَرَقَ الْعَادَةَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، إِذَا وَافَقَ دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَقَارَنَهَا
(1) قطر الولي للشوكاني ص 257 وما بعدها، وبستان العارفين للنووي ص 141 ـ 155، والمعتمد لأبي يعلى ص 161، والفتاوى الحديثية لابن حجر المكي ص 301، وشرح الطحاوية للغنيمي ص 139، ولوامع الأنوار البهية 2 394، والمحلي على جمع الجوامع وحاشية العطار عليه 2 481.
(2)
مختصر الفتاوى المصرية ص 600.