الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَاصَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي تَنْفِيذَ الْقَوْل عَلَى الْغَيْرِ، شَاءَ الْغَيْرُ أَمْ أَبَى، وَهِيَ حَقٌّ مُقَرَّرٌ شَرْعًا عَلَى كُل عَيْنٍ مَوْقُوفَةٍ، إِذْ لَا بُدَّ لِلْمَوْقُوفِ مِنْ يَدٍ تَرْعَاهُ وَتَتَوَلَاّهُ، وَتَعْمَل عَلَى إِبْقَائِهِ صَالِحًا نَامِيًا مُحَقِّقًا لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْوَقْفِ، وَذَلِكَ بِعِمَارَتِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَإِجَارَتِهِ وَزِرَاعَةِ أَرْضِهِ، وَاسْتِغْلَال مُسْتَغَلَاّتِهِ، وَصَرْفِ رِيعِهَا إِلَى الْجِهَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ، ثُمَّ أَدَاءِ دُيُونِهِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، كُل ذَلِكَ بِحَسَبِ شُرُوطِ الْوَاقِفِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا.
وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَاّ بِوِلَايَةٍ صَالِحَةٍ تَحْفَظُ الأَْعْيَانَ الْمَوْقُوفَةَ وَتَرْعَى شُؤُونَهَا بِأَمَانَةٍ، وَتُوَصِّل الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا بِلَا تَوَانٍ أَوْ خِيَانَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُوَلَّى نِظَارَةَ الْوَقْفِ إِلَاّ الأَْمِينُ الْقَادِرُ، لأَِنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ أَوِ الْعَاجِزِ.
وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ تَنْقَسِمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
(أ - وِلَايَةٌ أَصْلِيَّةٌ:
وَتَثْبُتُ لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْقَاضِي.
(ب - وِلَايَةٌ فَرْعِيَّةٌ:
وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِمُوجِبِ شَرْطٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ تَوْكِيلٍ أَوْ إِيصَاءٍ أَوْ إِقْرَارٍ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَالتَّفْصِيل فِي (وَقْف.
وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى
مَفْهُومُ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى
83 -
ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ:
فَأَمَّا
الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ
فَهِيَ وِلَايَةُ كُل مُؤْمِنٍ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا، لِلَّهِ تَقِيًّا، كَانَ اللَّهُ لَهُ وَلِيًّا. وَفِيهِ مِنَ الْوِلَايَةِ بِقَدْرِ إِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ. (1)
يَدُل عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى ( {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} ، (2) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} . (3)
وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْوِلَايَةِ قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَهْل الإِْيمَانِ مَعَهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ إِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ، كَمَا مَعَهُ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ بِقَدْرِ فُجُورِهِ، إِذِ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلثَّوَابِ وَالسَّيِّئَاتُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعِقَابِ، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يُثَابَ وَيُعَاقَبَ، وَهَذَا قَوْل جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَئِمَّةِ الإِْسْلَامِ وَأَهْل السُّنَّةِ. (4)
(1) بدائع الفوائد 3 106، وانظر حاشية المدابغي على فتح المعين لابن حجر المكي ص 269، وشرح العقيدة الطحاوية للغنيمي ص 103.
(2)
سورة آل عمران 68.
(3)
سورة البقرة 257.
(4)
مختصر الفتاوى المصرية ص 588، والتحفة العراقية في أعمال القلوب ص 15 وما بعدها.
وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ فَهِيَ الْقِيَامُ لِلَّهِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ، وَإِيثَارُهُ عَلَى كُل مَا سِوَاهُ فِي جَمِيعِ الأَْحْوَال، حَتَّى تَصِيرَ مَرَاضِي اللَّهِ وَمَحَابُّهُ هِيَ هَمَّهُ وَمُتَعَلِّقَ خَوَاطِرِهِ، يُصْبِحُ وَيُمْسِي وَهَمُّهُ مَرْضَاةُ رَبِّهِ وَإِنْ سَخِطَ الْخَلْقُ. (1)
وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْوِلَايَةِ يَقُول الشَّوْكَانِيُّ: الْوَلِيُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَرِيبُ. وَالْمُرَادُ بِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ: خُلَّصُ الْمُؤْمِنِينَ، لأَِنَّهُمْ قَرُبُوا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ. (2)
وَقَدْ تَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُ الْعُلَمَاءِ لِهَذِهِ الْوِلَايَةِ، فَقَال الْغُنَيْمِيُّ الْمَيْدَانِيُّ: الأَْوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ، بِوَزْنِ فَعِيلٍ (بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ، أَوْ (بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالَمٍ. قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَوْنُهُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَرْجَحَ، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لَا يُمْدَحُ إِلَاّ عَلَى فِعْل نَفْسِهِ، وَقَدْ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
- فَعَلَى الأَْوَّل يَكُونُ الْوَلِيُّ مَنْ تَوَلَّى اللَّهُ عز وجل رِعَايَتَهُ وَحِفْظَهُ، فَلَا يَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَال سُبْحَانَهُ:( {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} . (3)
(1) بدائع الفوائد 3 107.
(2)
فتح القدير 2 436.
(3)
سورة الأعراف 196.
- وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْوَلِيُّ مَنْ تَوَلَّى عِبَادَةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهِ، فَهُوَ يَأْتِي بِهَا عَلَى التَّوَالِي، آنَاءَ اللَّيْل وَأَطْرَافَ النَّهَارِ. وَيَجْنَحُ إِلَى هَذَا مَا عَرَّفَهُ بِهِ السَّعْدُ فِي " شَرْحِ الْعَقَائِدِ " حَيْثُ قَال: هُوَ الْعَارِفُ بِاللَّهِ حَسَبَ مَا يُمْكِنُ، الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ، الْمُجْتَنِبُ لِلْمَعَاصِي، الْمُعْرِضُ عَنِ الاِنْهِمَاكِ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ. (1) وَكَذَا تَعْرِيفُ الْهَيْتَمِيِّ لِلأَْوْلِيَاءِ بِأَنَّهُمُ: الْقَائِمُونَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، بِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَل، وَسَلَامَتِهِمْ مِنَ الْهَفَوَاتِ وَالزَّلَل. (2)
وَلَا يَخْفَى أَنَّ سَلَامَتَهُمْ مِنَ الْهَفَوَاتِ وَالزَّلَل لَا تَعْنِي الْعِصْمَةَ، إِذْ لَا عِصْمَةَ إِلَاّ لِنَبِيٍّ، وَلَكِنْ كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ الْوَلِيَّ مِنْ تَمَادِيهِ فِي الزَّلَل وَالْخَطَأِ إِنْ وَقَعَ فِيهِمَا، بِأَنْ يُلْهِمَهُ التَّوْبَةَ فَيَتُوبَ مِنْهُمَا، وَإِلَاّ فَهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي وِلَايَتِهِ. (3)
(1) شرح العقيدة الطحاوية للميداني ص 103، وانظر لوامع الأنوار ار البهية للسفاريني 2 392، والمحلي على جمع الجوامع وحاشية العطار عليه 2 481، وتعريفات الجرجاني ص 132، وكشاف اصطلاحات الفنون 2 1528، وفتح الباري 11 342، وبستان العارفين للنووي ص 171، ومجموعة رسائل ابن عابدين 2 277، وحاشية المدابغي على فتح المعين ص 269.
(2)
الفتاوى الحديثة لابن حجر الهيثمي ص 301.
(3)
مجموعة رسائل ابن عابدين 2 277.