الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ الرَّأْيُ وَالْكِفَايَةُ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ تَخْتَلِفُ مُتَطَلَّبَاتُهَا بِحَسْبِ الْوِلَايَةِ الَّتِي يُرَادُ إِسْنَادُهَا، فَمَا يَلْزَمُ تَوَفُّرُهُ فِي الْخَطِيرِ مِنْهَا كَالإِْمَامَةِ الْعُظْمَى مِنَ الْمَقْدِرَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ وَالصَّرَامَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالْمَضَاءِ وَالدَّهَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا دُونَهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ، وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي كُل وِلَايَةٍ بِحَسْبِهَا. (1)
وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، فِيمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه قَال:" قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَال: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا "(2) فَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِسْنَادِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ عَنِ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِهَا وَأَعْبَائِهَا وَمُوجِبَاتِهَا، لأَِنَّهَا أَمَانَةٌ. (3) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِذَا ضُيِّعَتِ الأَْمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قِيل: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟
(1) غياث الأمم ص 89، وتبيين الحقائق 6 299، والأحكام لأحكام السلطانية للماوردي ص 6، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 20، والسياسة الشرعية ص 15، وشرح صحيح مسلم للنووي 12 209.
(2)
حديث: " يا أبا ذر إنك ضعيف. . . " أخرجه مسلم (3 1457 ـ ط الحلبي) .
(3)
صحيح البخاري مع فتح الباري 1 142، والمقدمة لابن خلدون ص 193.
قَال: إِذَا وُسِّدَ الأَْمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. (1)
هَذِهِ هِيَ الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَكَةُ لِتَوَلِّي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى فَوْقَهَا تُضَافُ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهَا، مِثْل شَرْطِ الْقُرَشِيَّةِ لِلْخِلَافَةِ. ر: الإِْمَامَةُ الْعُظْمَى ف 11، وَقَضَاء ف 18.
تَقْدِيمُ الأَْمْثَل عِنْدَ الاِضْطِرَارِ:
21 -
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ كُل هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي النَّاسِ، وَفُقِدَ مُكْتَمِل هَذِهِ الأَْوْصَافِ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَْوْقَاتِ، فَلَا يُعَطَّل إِسْنَادُ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ فِي الدَّوْلَةِ، بَل يَجِبُ تَقْدِيمُ الأَْصْلَحِ وَالأَْمْثَل فِي كُل وِلَايَةٍ بِحَسْبِهَا، إِذِ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَلأَِنَّ حِفْظَ بَعْضِ الْمَصَالِحِ أَوْلَى مِنْ تَضْيِيعِهَا كُلِّهَا، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيل أَصْل الْمَصَالِحِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْفِسْقِ فِي وُلَاةِ الأَْمْرِ، وَلأَِنَّ الْبَعِيدَ مَعَ الأَْبْعَدِ قَرِيبٌ، وَأَهْوَنَ الشَّرَّيْنِ خَيْرٌ بِالإِْضَافَةِ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى:( {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} )(2) فَعَلَّقَ تَحْصِيل التَّقْوَى عَلَى الاِسْتِطَاعَةِ، فَكَذَا الْمَصَالِحُ كُلُّهَا.
وَقَال سُبْحَانَهُ: ( {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ
(1) حديث: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 142 ـ السلفية) .
(2)
سورة التغابن 16.