الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ الدَّارِ الْفُلَانِيَّةِ، فَصِيغَةُ الْوَكَالَةِ فِي هَذَا الْمِثَال مُنَجِّزَةٌ حَيْثُ إِنَّهَا لَمْ تُعَلَّقْ بِشَرْطٍ، كَمَا أَنَّهَا لَمْ تُضَفْ إِلَى وَقْتٍ. (1)
وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ إِذَا كَانَتْ صِيغَتُهَا مُنَجِّزَةً. (2)
ب: الصِّيغَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ:
24 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ إِذَا كَانَتْ صِيغَتُهَا مُعَلَّقَةً عَلَى شَرْطٍ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ: إِذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَبِعْ هَذَا الطَّعَامَ، وَإِذَا طَلَبَ مِنْكَ أَهْلِي شَيْئًا فَادْفَعْهُ إِلَيْهِمْ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَال: أَمَّرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ قُتِل زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِل جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (3) . .
(1) شرح المجلة لعلي حيدر 3 / 534 ـ 535.
(2)
مطالب أولي النهى 3 / 428، وبدائع الصنائع 6 / 20، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام 3 / 534 ـ 535، وحاشية البجيرمي على شرح المنهج 3 / 55، والذخيرة 8 / 5.
(3)
حديث عبد الله بن عمر: " أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة. . .: أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 510) .
وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ، وَلأَِنَّهُ عَقْدٌ اعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْوَكِيل حُكْمُهُ وَهُوَ إِبَاحَةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّتُهُ، فَكَانَ صَحِيحًا، وَلأَِنَّهُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ وَالتَّأْمِيرَ. (1)
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِشَرْطٍ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِالشُّرُوطِ وَالآْجَال فَاسِدَةٌ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْمُوَكِّل لَوْ نَجَّزَ الْوَكَالَةَ وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ، كَأَنْ يَقُول: وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ دَارِي وَبِعْهَا بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ.
قَال الْغَزَالِيُّ: لَوْ قَال الْمُوَكِّل: وَكَّلْتُكَ الآْنَ، وَلَكِنْ لَا تُبَاشِرِ التَّصَرُّفَ إِلَاّ بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ بَعْدَ قُدُومِ فُلَانٍ، قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِالْجَوَازِ، وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا تَعْلِيقًا، إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرٌ فَيَجِبُ عَلَى الْوَكِيل الاِمْتِثَال. (2)
صِيغَةُ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ:
25 -
الْوَكَالَةُ الدَّوْرِيَّةُ مِنْ قَبِيل الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ
(1) بدائع الصنائع 6 / 20، وروضة القضاة للسمناني 2 / 643، والمغني 5 / 93 ط الرياض، ومطالب أولي النهى 3 / 428 ـ 429، والإنصاف 5 / 355، ومغني المحتاج 2 / 223، والوسيط في المذهب للغزالي 3 / 284 ط دار السلام.
(2)
مغني المحتاج 2 / 223، والوسيط في المذهب للغزالي 3 / 284، والحاوي للماوردي 8 / 190، والإنصاف 5 / 355.
بِالشَّرْطِ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُول الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ هَذَا الْمَال وَكُلَّمَا عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي، فَإِنَّ هَذَا الشَّخْصَ يَكُونُ وَكِيلاً، وَكُلَّمَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّل تَجَدَّدَتِ الْوَكَالَةُ.
وَسُمِّيَتْ وَكَالَةً دَوْرِيَّةً، لأَِنَّهَا تَدُورُ مَعَ الْعَزْلِ، فَكُلَّمَا عَزَلَهُ عَادَ وَكِيلاً. (1)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلْمُوَكِّل أَنْ يَعْزِل وَكِيلَهُ فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ مَتَى شَاءَ، لأَِنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لِلْمُوَكِّل فَلَهُ إِبْطَالُهَا، وَلأَِنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَيَحْصُل التَّوْكِيل فِي الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ بِقَوْل الْمُوَكِّل لِلْوَكِيل: عَزَلْتُكَ، وَكُلَّمَا وَكَّلْتُكَ فَقَدْ عَزَلْتُكَ، فَقَطْ. (2) .
وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ الدَّوْرِيَّةَ لَا تَصِحُّ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ
(1) درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3 / 535، وحاشية ابن عابدين 4 / 416، وكشاف القناع 3 / 468.
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3 / 535، وحاشية ابن عابدين 4 / 416، وتبيين الحقائق 6 / 224، وكشاف القناع 3 / 468، والإنصاف 5 / 368، ومعونة أولي النهى 4 / 636.
لَازِمَةً، وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُعَلِّقِ إِيقَاعَ الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الاِمْتِنَاعُ مِنَ التَّوْكِيل وَحَلُّهُ قَبْل وُقُوعِهِ، وَالْعُقُودُ لَا تُفْسَخُ قَبْل انْعِقَادِهَا. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال: وَكَّلْتُكَ، وَمَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي، فَفِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِي الْحَال وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ لِوُجُودِ الإِْذْنِ. وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لاِشْتِمَالِهَا عَلَى شَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ.
فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ، أَوْ كَانَ قَوْلُهُ " مَتَى عَزَلْتُكَ " مَفْصُولاً عَنِ الْوَكَالَةِ، فَعَزَلَهُ، نُظِرَ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلُ، وَاعْتَبَرْنَا عِلْمَهُ فِي نُفُوذِ الْعَزْل فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ، أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَفِي عَوْدِهِ وَكِيلاً بَعْدَ الْعَزْل وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ، لأَِنَّهُ عَلَّقَ الْوَكَالَةَ ثَانِيًا عَلَى الْعَزْلِ، أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ.
فَإِنْ قُلْنَا: يَعُودُ، نُظِرَ فِي اللَّفْظِ الْمَوْصُول بِالْعَزْلِ، فَإِنْ كَانَ قَال: إِذَا عَزَلْتُكَ، أَوْ، مَهْمَا، أَوْ: مَتَى، لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ عَوْدَ الْوَكَالَةِ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَإِنْ قَال: " كُلَّمَا عَزَلْتُكَ " اقْتَضَى الْعَوْدَ مَرَّةً
(1) الإنصاف 5 / 368.