الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ - الاِخْتِلَافُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْقَبْضِ:
لِلْفُقَهَاءِ فِي مُعَالَجَةِ الاِخْتِلَافِ بَيْنَ الْوَكِيل وَالْمُوَكِّل فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ اتِّجَاهَاتٌ نَتَنَاوَلُهَا فِيمَا يَلِي:
165 -
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيل يَبِيعُ الشَّيْءَ إِذَا قَال: بِعْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ، هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
إِمَّا إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل سَلَّمَ الْمَبِيعَ إِلَى الْوَكِيل أَوْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إِلَيْهِ فَقَال الْوَكِيل: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُل وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِي، أَوْ قَال: دَفَعْتُهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا إِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّل فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِمَا وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَهْلَكُ الثَّمَنُ مِنْ مَال الْمُوَكِّل وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيل لأَِنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ.
وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قْبَضٍ، فَإِنَّ الْوَكِيل يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الْوَكِيل فِي حَقِّ نَفْسِهِ جَائِزٌ عَلَيْهِ.
وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ نَقَدَ الثَّمَنَ ثَانِيًا إِلَى
الْمُوَكِّل وَأَخَذَ مِنْهُ الْمَبِيعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوَكِيل بِمَا نَقَدَهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّل قَبَضَ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّل ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَكِيل يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى الْمُوَكِّل بِالْقَبْضِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا، إِلَاّ أَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيل بِشَيْءٍ، لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الإِْقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ.
وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّل فِي الْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلْيَهِ، فَالْقَوْل قَوْل الْوَكِيل فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لأَِنَّهُ أَمِينٌ، وَيُجْبَرُ الْمُوَكِّل عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ بِتَصْدِيقِهِ إِيَّاهُ، وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِنَقْدِ الثَّمَنِ ثَانِيًا إِلَى الْمُوَكِّلِ، لأَِنَّهُ ثَبَتَ وُصُول الثَّمَنِ إِلَى يَدِ وَكِيلِهِ بِتَصْدِيقِهِ، ِ وَوُصُول الثَّمَنِ إِلَى يَدِ وَكِيلِهِ كَوُصُولِهِ إِلَى يَدِهِ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَبِيعُ مُسَلِّمًا إِلَى الْوَكِيلِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُسَلِّمًا إِلَيْهِ فَقَال الْوَكِيل: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُل وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدِي، أَوْ قَال: دَفَعْتُهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، أَوْ قَال: قَبَضَ الْمُوَكِّل الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْوَكِيل يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُسَلَّمُ الْمَبِيعُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
أَمَّا إِذَا صَدَّقَهُ الْمُوَكِّل فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا يُشْكَلُ، وَكَذَا إِذَا كَذَّبَهُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، لأَِنَّ الْوَكِيل أَقَرَّ بِبَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي عَنِ الثَّمَنِ فَلَا يُحَلَّفُ وَيُحَلَّفُ الْوَكِيلُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَرِئَ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ نَكَل عَنِ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّل.
فَإِنِ اسْتُحِقَ الْمَبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيل إِذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَالْوَكِيل لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّل بِمَا ضَمِنَ مِنَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِقْرَارُ الْوَكِيل فِي حَقِّهِ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّل عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ نَكَل رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّل بِقَبْضِ الْوَكِيل الثَّمَنَ لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْهَلَاكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْوَكِيل يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَكِيل لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْمُوَكِّل قَبَضَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّل أَيْضًا، لأَِنَّ إِقْرَارَهُمَا عَلَى الْمُوَكِّل لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ، وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ، فَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَلِلْوَكِيل أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّل بِمَا ضَمِنَ إِذَا
أَقَرَّ الْمُوَكِّل بِقَبْضِ الْوَكِيل الثَّمَنَ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُوَكِّل بِقَبْضِ الْوَكِيل الثَّمَنَ لَا يَرْجِعُ الْوَكِيل بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّل عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِهِ، فَإِنْ نَكَل رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ، وَلَكِنَّهُ يَبِيعُ الْمَبِيعَ فَيَسْتَوْفِي مَا ضَمِنَ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ فَلَا يُرْجَعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَوْ كَانَ الْوَكِيل لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ، لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّل أَيْضًا لأَِنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَعَلَى الْمُوَكِّل الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ نَكَل رَجَعَ عَلَيْهِ وَالْمَبِيعُ لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّ الْمَبِيعَ يُبَاعُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْوَكِيل يَبِيعُهُ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَبِيعُهُ، وَجَعَل هَذَا كَبَيْعِ مَال الْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ، وَلَكِنَّ الْوَكِيل لَوْ بَاعَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، لأَِنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ فَسْخًا عَادَتِ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا بِيعَ الْمَبِيعُ يَسْتَوْفِي الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْهُ إِنْ أَقَرَّ الْوَكِيل بِقَبْضِ الْمُوَكِّل وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ نَفْسِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُ مِنَ الثَّمَنِ مِقْدَارَ مَا غَرِمَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ (1) .
(1) بدائع الصنائع 6 / 47 - 49.