الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْوِلَايَةُ لِلأَْبِ ثُمَّ لِلْجَدِّ، ثُمَّ لِمَنْ يُوصِي إِلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا، ثُمَّ لِلْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لِخَبَرِ: السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، (1) وَلَا تَلِي الأُْمُّ فِي الأَْصَحِّ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ تَلِي بَعْدَ الأَْبِ وَالْجَدِّ وَتُقَدَّمُ عَلَى وَصِّيهِمَا لِكَمَال شَفَقَتِهَا، وَلَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالأَْخِ وَالْعَمِّ.
وَإِذَا فُقِدَ الأَْوْلِيَاءُ تَصَرَّفَ صُلَحَاءُ بَلَدِ الْمَحْجُورِ فِي مَالِهِ كَالْقَاضِي (2) وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَالْوِلَايَةُ تَكُونُ لِلأَْبِ لِكَمَال شَفَقَتِهِ، ثُمَّ لُوَصِيِّهِ لأَِنَّهُ نَائِبُ الأَْبِ، أَشْبَهَ وَكِيلَهُ فِي الْحَيَاةِ، ثُمَّ بَعْدَ الأَْبِ وَوَصِيِّهِ فَالْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ لاِنْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ مِنْ جِهَةِ الأَْبِ، فَتَكُونُ لِلْحَاكِمِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، لأَِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، فَإِنْ عُدِمَ حَاكِمٌ أَهْلٌ فَأَمِينٌ يَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ. وَلَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ وَالأُْمِّ وَبَاقِي الْعَصَبَاتِ. (3)
مَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ:
55 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
(1) حديث: " السلطان ولي من لا ولي له " تقدم تخريجه فقرة (44) .
(2)
مغني المحتاج 2 173، وتحفة المحتاج 5 179، وكفاية الأخيار 1 166.
(3)
شرح منتهى الإرادات 2 291، وكشاف القناع 3 334.
لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَال الْمَحْجُورِ إِلَاّ عَلَى النَّظَرِ وَالاِحْتِيَاطِ، وَبِمَا فِيهِ حَظٌّ لَهُ وَاغْتِبَاطٌ (1) لِحَدِيثِ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. (2)
وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ:
56 -
إِنَّ مَا لَا حَظَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ الْعِوَضِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَابَى بِهِ أَوْ مَا زَادَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْ دَفَعَهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ، لأَِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ ضَرَرًا مَحْضًا. (3)
أَمَّا الْهِبَةُ بِعِوَضٍ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ بِهَا، لأَِنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً، بِدَلِيل أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُعَاوَضَهً فِي الاِنْتِهَاءِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ هِبَتُهُ.
(1) المهذب 1 335، وشرح منتهى الإرادات 2 292، والقوانين الفقهية ص 327، وانظر م (1479) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد، والمبدع 4 337، والبدائع 5 153.
(2)
حديث: " لا ضرر ولا ضرار " أخرجه مالك في الموطأ (2 745 ـ ط الحلبي) من حديث يحيى المازني مرسلاً، وذكر ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحلم (ص 286 ـ 287) شواهد يتقوى بها) وحسنه النووي.
(3)
المهذب 1 335، وشرح المنتهى 2 292، والقوانين الفقهية ص 326، وانظر م (1479) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد، وجامع أحكام الصغار 2 305، ومغني المحتاج 2 174.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَهُ أَنْ يَهَبَ بَعِوَضٍ، لأَِنَّهَا مُعَاوَضَةُ الْمَال بِالْمَال فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ. (1)
57 -
لِلْوَلِيِّ مُطْلَقًا الاِتِّجَارُ بِمَال الْمَحْجُورِ، وَلَهُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَذَا بَيْعُهُ نَسِيئَةً لِمَصْلَحَتِهِ، وَإِيدَاعُهُ عِنْدَ أَمِينٍ ثِقَةٍ عِنْدَ قِيَامِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ. وَلَهُ شِرَاءُ عَقَارٍ لَهُ بِمِثْل الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَل لاِسْتِغْلَالِهِ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، كَمَا أَنَّ لَهُ بَيْعَ عَقَارِهِ وَمَنْقُولِهِ وَإِجَارَتَهُ لِلْغَيْرِ بِثَمَنِ الْمِثْل أَوْ بِمَا فِيهِ حَظٌّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّل الْغَيْرَ بِذَلِكَ. (2)
58 -
أَمَّا إِقْرَاضُ مَالِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إِقْرَاضُهُ لِلْغَيْرِ وَلَا اقْتِرَاضُهُ لِنَفْسِهِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَهُ، لأَِنَّ الْقَرْضَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لِلْحَال، بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْرِضُ مَال الْيَتِيمِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ الإِْقْرَاضَ مِنَ الْقَاضِي مِنْ بَابِ حِفْظِ الدَّيْنِ، لأَِنَّ تَوَى الدَّيْنِ بِالإِْفْلَاسِ أَوْ بِالإِْنْكَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَخْتَارُ أَمْلَى النَّاسِ وَأَوْثَقَهُمْ، وَلَهُ وِلَايَةُ التَّفَحُّصِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ،
(1) البدائع 5 153.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 292، والمهذب 1 335، والقوانين الفقهية ص 326، 327، وانظر م (1483) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد، وجامع أحكام الصغار 2 307، والمنتقى للباجي 2 111.
فَيَخْتَارُ مَنْ لَا يَتَحَقَّقُ إِفْلَاسُهُ ظَاهِرًا أَوْ غَالِبًا، وَكَذَا الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْتَوَى بِالإِْنْكَارِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةُ، فَبَقِيَ الإِْقْرَاضُ مِنَ الْوَلِيِّ إِزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ عِوَضٌ لِلْحَال فَكَانَ ضَرَرًا فَلَا يَمْلِكُهُ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ إِقْرَاضُ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ خَافَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ غَرَقٍ، أَوْ أَرَادَ سَفَرًا وَخَافَ عَلَيْهِ، جَازَ لَهُ إِقْرَاضُهُ مِنْ ثِقَةٍ مَلِيءٍ، لأَِنَّ غَيْرَ الثِّقَةِ يَجْحَدُ، وَغَيْرَ الْمَلِيءِ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْبَدَل مِنْهُ.
فَإِنْ أَقْرَضَ وَرَأَى أَخْذَ الرَّهْنِ عَلَيْهِ أَخَذَ، وَإِنْ رَأَى تَرْكَ الرَّهْنِ لَمْ يَأْخُذْ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الإِْيدَاعِ وَالإِْقْرَاضِ فَالإِْقْرَاضُ أَوْلَى، لأَِنَّ الْقَرْضَ مَضْمُونٌ بِالْبَدَل، وَالْوَدِيعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَكَانَ الْقَرْضُ أَحْوَطَ.
وَقَالُوا: أَمَّا الْحَاكِمُ فَيَجُوزُ لَهُ إِقْرَاضُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَخِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُقْتَرِضِ وَأَمَانَتِهِ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ إِنْ سَلِمَ مِنْهَا مَال الْمَحْجُورِ، وَالإِْشْهَادِ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ رَهْنًا إِنْ رَأَى ذَلِكَ. (2)
(1) بدائع الصنائع 5 153،154، وجامع أحكام الصغار 4 104، وم (801) من (801) من مرشد الحيران، ورد المحتار 4 340، والمنتقى للباجي 2 111.
(2)
المهذب 1 336، ونهاية المحتاج، وحاشية الشبراملسي عليه 4 219، 219، وتحفة المحتاج، وحاشية الشرواني عليه 5 41.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لَهُ قَرْضُهُ وَلَوْ بِلَا رَهْنٍ لِمَصْلَحَةٍ، بِأَنْ أَقْرَضَهُ لِمَلِيءٍ يَأْمَنُ جُحُودَهُ، خَوْفًا عَلَى الْمَال لِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ. وَالأَْوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ كَفِيلاً أَوْ رَهْنًا إِنْ أَمْكَنَهُ احْتِيَاطًا. (1)
59 -
كَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطَالِبَ بِحُقُوقِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، فَيَدَّعِي بِهَا وَيُقِيمُ الْبَيِّنَاتِ، وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ إِنْ أَنْكَرَهَا، وَيُصَالِحُ بِدَفْعِ بَعْضِ مَا عَلَى الْمَحْجُورِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ إِذَا كَانَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَيَقْبِضُ بَعْضَ مَا لِلْمَحْجُورِ إِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ. (2)
60 -
أَمَّا شِرَاءُ الْوَلِيِّ مَال الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَيْعُ مَالِهِ لَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأَْبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْوَلَدِ. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لِلأَْبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ بَيْعُ مَال الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَبَيْعُ مَالِهِ لِلصَّغِيرِ، لأَِنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ لِكَمَال شَفَقَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا لَمْ يَجُزْ، لأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي طَلَبِ الْحَظِّ لَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يُجْعَل ذَلِكَ إِلَيْهِ. (4)
(1) شرح منتهى الإرادات 2 293، وانظر م (1483) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 293، 296، م (1480) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد.
(3)
القوانين الفقهية ص 326.
(4)
المهذب 1 337، والأشباه والنظائر لابن السبكي 1 259، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 281، وقواعد الأحكام للعز 1 67.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ مِنْ مَال الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِ لِنَفْسِهِ لأَِنَّهُ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ، إِلَاّ الأَْبُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَلِي طَرَفَيِ الْعَقْدِ، لأَِنَّهُ يَلِي بِنَفْسِهِ، وَالتُّهْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، إِذْ مِنْ طَبْعِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَالْمَيْل إِلَيْهِ، وَتَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ لِحَظِّهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلأَْبِ شِرَاءُ مَال وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ وَبَيْعُ مَالِهِ لِوَلَدِهِ بِمِثْل الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَإِنِ اشْتَرَى مَال وَلَدِهِ فَلَا يَبْرَأُ عَنِ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي لِوَلَدِهِ وَصِيًّا يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ لِيَحْفَظَهُ لِلصَّغِيرِ، دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنِ الأَْبِ. وَإِنْ بَاعَ مَال نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ، فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، بَل لَا بُدَّ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ حَقِيقَةً، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْضُرْ لِتَسَلُّمِهِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى الأَْبِ لَا عَلَى الْوَلَدِ. وَيَجُوزُ لِوَصِيِّ الأَْبِ أَنْ يَبِيعَ مَال نَفْسِهِ لِلْيَتِيمِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مَال الْيَتِيمِ إِنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لَهُ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ، فَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ.
(1) شرح منتهى الإرادات 2 292، وبدائع الصنائع 5 136.
وَالْخَيْرِيَّةُ فِي الْعَقَارِ: فِي الشِّرَاءِ التَّضْعِيفُ، وَفِي الْبَيْعِ التَّنْصِيفُ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنَ الصَّغِيرِ، وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَال الصَّغِيرِ.
وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّ الْقَاضِي أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَال الْيَتِيمِ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ مَال نَفْسِهِ لِلْيَتِيمِ مُطْلَقًا. (1)
61 -
أَمَّا أَكْل الْوَلِيِّ مِنْ مَال مُوَلِّيهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ إِذَا عَمِل أُجْرَةَ مِثْل عَمَلِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا، وَإِلَاّ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ إِذَا كَانَ غَنِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} )(2) أَمَّا إِذَا كَانَ فَقِيرًا فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ( {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} )(3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَسْتَحِقُّ الْوَلِيُّ فِي مَال مَحْجُورِهِ نَفَقَةً وَلَا أُجْرَةً، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَشُغِل
(1) جامع أحكام الصغار 2 261،262،267،311، والبدائع5 136.
(2)
سورة النساء 6.
(3)
سورة النساء 6.
بِسَبَبِهِ عَنِ الاِكْتِسَابِ أَخَذَ أَقَل الأَْمْرَيْنِ مِنَ الأُْجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} )(1) .
وَلأَِنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَال مَنْ لَا تُمْكِنُ مُوَافَقَتُهُ، فَجَازَ لَهُ الأَْخْذُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَعَامِل الصَّدَقَاتِ. وَكَالأَْكْل غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ، أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ الأَْكْل لِحَاجَةٍ مِنْ مَال مُوَلِّيهِ: الأَْقَل مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كِفَايَتُهُ، أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَاّ إِذَا فَرَضَ الْحَاكِمُ لَهُ شَيْئًا. أَمَّا الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ فَلَا يَأْكُلَانِ شَيْئًا مِنْهُ لاِسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا لَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَال.
وَمَنَعَ الْجَصَّاصُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْوَلِيَّ مِنَ الأَْكْل مِنْ مَال الْيَتِيمِ مَطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} )(2) وَحَمَل الأَْكْل بِالْمَعْرُوفِ الْوَارِدَ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فِي الآْيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى أَكْلِهِ مِنْ مَال نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِئَلَاّ يَحْتَاجَ إِلَى مَال الْيَتِيمِ.
(1) سورة النساء 6.
(2)
سورة النساء 9.