الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا لأَِنَّ الإِْذْنَ فِي الْقَبْضِ لَيْسَ إِذْنًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعُرْفِ أَنَّ مَنْ يَرْضَاهُ لِلْقَبْضِ يَرْضَاهُ لِلْخُصُومَةِ، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ كُل مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَال يَهْتَدِي فِي الْخُصُومَاتِ، فَلَمْ يَكُنِ الرِّضَا بِالْقَبْضِ رِضًا بِالْخُصُومَةِ. (1)
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيل بِقَبْضِ الْعَيْنِ، لَا يَكُونُ خَصْمًا فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمُوَكِّل مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ خَصْمٌ فِي قَصْرِ يَدِهِ عَنْهُ، فَتُقْبَل الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ، فَأَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ الطَّالِبُ، قُبِل ذَلِكَ مِنْهُ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّ الْوَكِيل بِقَبْضِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ يَمْلِكُ خُصُومَتَهُ فَيَكُونُ خَصْمًا عَنِ الْوَكِيل فِيهِ. (2)
وَقَال: إِنَّ التَّوْكِيل بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالْمُبَادَلَةِ، وَالْحُقُوقُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَال بِالْمَال تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ، وَدَلَالَةُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنِ الْفِعْل وَهُوَ فِعْل تَسْلِيمِ
(1) المبسوط 19 / 17، وتكملة فتح القدير 8 / 112، والإنصاف 5 / 394، والمغني 5 / 219، والمهذب 1 / 358، ومواهب الجليل 5 / 194، وأسنى المطالب 2 / 259.
(2)
المبسوط 19 / 17، وتكملة فتح القدير 8 / 112، وبدائع الصنائع 6 / 25، ط. الجمالية.
الْمَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ فِي الذِّمَّةِ، وَكُل ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلَكِنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعِ مُبَادَلَةٍ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَأْخُوذِ الْعَيْنِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، وَتَمْلِيكُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْمَالِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْخُصُومَةَ فِي حُقُوقِ مُبَادَلَةِ الْمَال بِالْمَال فَيَمْلِكُهُ الْوَكِيل بِخِلَافِ الْوَكِيل بِقَبْضِ الثَّمَنِ، لأَِنَّ ذَلِكَ تَوْكِيلٌ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ الْحَقِّ لَا بِالْمُبَادَلَةِ، لأَِنَّ عَيْنَهُ مَقْدُورُ الاِسْتِيفَاءِ فَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ فِيهَا إِلَاّ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكِ الْخُصُومَةَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنَ الْمُوَكَّل بِالْقَبْضِ، لأَِنَّهَا بَيِّنَةٌ قَامَتْ لَا عَلَى خَصْمٍ، وَلَكِنَّهَا تُسْمَعُ فِي دَفْعِ قَبْضِ الْوَكِيل. (1)
حَقُّ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي قَبْضِ الْمَال الْمُوَكَّل بِهِ:
115 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِّ الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ فِي قَبْضِ مَا وُكِّل بِالْمُخَاصَمَةِ فِيهِ عِنْدَ الإِْطْلَاقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَقُّ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ - وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الْوَكِيل فِي الْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْحَقِّ، لأَِنَّ الْمُوَكِّل قَدْ يَرْضَى لِلْخُصُومَةِ مَنْ لَا
(1) بدائع الصنائع 6 / 25.