الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجباية والتّنفيذ على اختلاف مراتبهم وتباين أصنافهم ومن عوائدهم أن يكون هذا الوزير من صنف القبط القائمين على ديوان الحسبان والجباية لاختصاصهم بذلك في مصر منذ عصور قديمة وقد يولّيها السّلطان بعض الأحيان لأهل الشّوكة من رجالات التّرك أو أبنائهم على حسب الدّاعية لذلك والله مدبّر الأمور ومصرّفها بحكمته لا إله إلّا هو ربّ الأوّلين والآخرين
ديوان الأعمال والجبايات
اعلم أنّ هذه الوظيفة من الوظائف الضّروريّة للملك وهي القيام على أعمال الجبايات وحفظ حقوق الدّولة في الدّخل والخرج وإحصاء العساكر بأسمائهم وتقدير أرزاقهم وصرف أعطياتهم في إبّاناتها والرّجوع في ذلك إلى القوانين الّتي يرتّبها قومة تلك الأعمال وقهارمة الدّولة وهي كلّها مسطورة في كتاب شاهد بتفاصيل ذلك في الدّخل والخرج مبنيّ على جزء كبير من الحساب لا يقوم به إلّا المهرة من أهل تلك الأعمال ويسمّى ذلك الكتاب بالدّيوان وكذلك مكان جلوس العمّال المباشرين لها. ويقال إنّ أصل هذه التّسمية أنّ كسرى نظر يوما إلى كتّاب ديوانه وهم يحسبون على أنفسهم كأنّهم يحادثون فقال ديوانه أي مجانين بلغة الفرس فسمّي موضعهم بذلك وحذفت الهاء لكثرة الاستعمال تخفيفا فقيل ديوان ثمّ نقل هذا الاسم إلى كتاب هذه الأعمال المتضمّن للقوانين والحسبانات وقيل إنّه اسم للشّياطين بالفارسيّة سمّي الكتّاب بذلك لسرعة نفوذهم في فهم الأمور ووقوفهم على الجليّ منها والخفيّ وجمعهم لما شذّ وتفرّق ثمّ نقل إلى مكان جلوسهم لتلك الأعمال وعلى هذا فيتناول اسم الدّيوان كتاب الرّسائل ومكان جلوسه بباب السّلطان على ما يأتي بعد وقد تفرد هذه الوظيفة بناظر واحد ينظر في سائر هذه الأعمال وقد يفرد كلّ صنف منها بناظر كما يفرد في بعض الدّول النّظر في العساكر وإقطاعاتهم وحسبان أعطياتهم أو غير ذلك على حسب مصطلح الدّولة وما
قرّره أوّلوها. واعلم أنّ هذه الوظيفة إنّما تحدث في الدّول عند تمكّن الغلب والاستيلاء والنّظر في أعطاف الملك وفنون التّمهيد. وأوّل من وضع الدّيوان في الدّولة الإسلاميّة عمر رضي الله عنه يقال لسبب مال أتى به أبو هريرة رضي الله عنه من البحرين فاستكثروه وتعبوا في قسمه فسموا إلى إحصاء الأموال وضبط العطاء والحقوق فأشار خالد بن الوليد بالدّيوان وقال: «رأيت ملوك الشّام يدوّنون» فقبل منه عمر وقيل بل أشار عليه به الهرمزان لمّا رآه يبعث البعوث بغير ديوان فقيل له ومن يعلم بغيبة من يغيب منهم فإنّ من تخلّف أخلّ بمكانه وإنّما يضبط ذلك الكتاب فأثبت لهم ديوانا وسأل عمر عن اسم الدّيوان فعبّر له ولمّا اجتمع ذلك أمر عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من كتّاب قريش فكتبوا ديوان العساكر الإسلاميّة على ترتيب الأنساب مبتدأ من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعدها الأقرب فالأقرب هكذا كان ابتداء ديوان الجيش وروى الزّهريّ بن سعيد بن المسيّب أنّ ذلك كان في المحرّم سنة عشرين وأمّا ديوان الخراج والجبايات فبقي بعد الإسلام على ما كان عليه من قبل ديوان العراق بالفارسيّة وديوان الشّام بالرّوميّة وكتّاب الدّواوين من أهل العهد من الفريقين ولمّا جاء عبد الملك بن مروان واستحال الأمر ملكا وانتقل القوم من غضاضة البداوة إلى رونق الحضارة ومن سذاجة الأميّة إلى حذق الكتابة وظهر في العرب ومواليهم مهرة في الكتّاب والحسبان فأمر عبد الملك سليمان بن سعد والي الأردنّ لعهده أن ينقل ديوان الشّام إلى العربيّة فأكمله لسنة من يوم ابتدائه ووقف عليه سرحون كاتب عبد الملك فقال لكتّاب الرّوم: «اطلبوا العيش في غير هذه الصّناعة فقد قطعها الله عنكم» . وأمّا ديوان العراق فأمر الحجّاج كاتبه صالح بن عبد الرّحمن وكان يكتب بالعربيّة والفارسيّة ولقّن ذلك عن زادان فروخ كاتب الحجّاج قبله ولمّا قتل زادان في حرب عبد الرّحمن بن الأشعث استخلف الحجّاج صالحا هذا مكانه وأمره أن ينقل الدّيوان من الفارسيّة
إلى العربيّة ففعل ورغم لذلك كتّاب الفرس وكان عبد الحميد بن يحيى يقول للَّه درّ صالح ما أعظم منّته على الكتّاب ثمّ جعلت هذه الوظيفة في دولة بني العبّاس مضافة إلى من كان له النّظر فيه كما كان شأن بني برمك وبني سهل بن نوبخت وغيرهم من وزراء الدّولة. وأمّا ما يتعلّق بهذه الوظيفة من الأحكام الشّرعيّة ممّا يختصّ بالجيش أو بيت المال في الدّخل والخرج وتمييز النّواحي بالصلح والعنوة وفي تقليد هذه الوظيفة لمن يكون وشروط النّاظر فيها والكاتب وقوانين الحسبانات فأمر راجع إلى كتب الأحكام السّلطانيّة وهي مسطورة هنالك وليست من غرض كتابنا وإنّما نتكلّم فيها من حيث طبيعة الملك الّذي نحن بصدد الكلام فيه وهذه الوظيفة جزء عظيم من الملك بل هي ثالثة أركانه لأنّ الملك لا بدّ له من الجند والمال والمخاطبة لمن غاب عنه فاحتاج صاحب الملك إلى الأعوان في أمر السّيف وأمر القلم وأمر المال فينفرد صاحبها لذلك بجزء من رئاسة الملك وكذلك كان الأمر في دولة بني أميّة بالأندلس والطّوائف بعدهم وأمّا في دولة الموحّدين فكان صاحبها إنّما يكون من الموحّدين يستقلّ بالنّظر في استخراج الأموال وجمعها وضبطها وتعقّب نظر الولاة والعمّال فيها ثمّ تنفيذها على قدرها وفي مواقيتها وكان يعرف بصاحب الأشغال وكان ربّما يليها في الجهات غير الموحّدين ممّن يحسنها. ولمّا استبدّ بنو أبي حفص بإفريقيّة وكان شان الجالية من الأندلس فقدم عليهم أهل البيوتات وفيهم من كان يستعمل ذلك في الأندلس مثل بني سعيد أصحاب القلعة جوار غرناطة المعروفين ببني أبي الحسن فاستكفوا بهم في ذلك وجعلوا لهم النّظر في الأشغال كما كان لهم بالأندلس ودالوا فيها بينهم وبين الموحّدين ثمّ استقلّ بها أهل الحسبان والكتّاب وخرجت عن الموحّدين ثمّ لمّا استغلظ أمر الحاجب ونفذ أمره في كلّ شأن من شئون الدّولة تعطّل هذا الرّسم وصار صاحبه مرءوسا للحاجب وأصبح من جملة الجباة وذهبت تلك الرّئاسة الّتي كانت له في الدّولة. وأمّا دولة بني مرين لهذا العهد فحسبان