الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنّما مذهبي وديني
…
ما كان للنّاس أولياء
إذ لا فصول ولا أصول
…
ولا جدال ولا رياء
ما تبع الصّدر واقتفينا
…
يا حبّذا كان الاقتفاء
كانوا كما يعلمون منهم
…
ولم يكن ذلك الهذاء
يا أشعريّ الزّمان إنّي
…
أشعرني الصّيف والشّتاء
لم أجز بالشّرّ غير شرّ
…
والخير عن مثله جزاء
وإنّني إن أكن مطيعا
…
فلست أعصى ولي رجاء
وإنّني تحت حكم بار
…
أطاعه العرش والثّراء
ليس انتصار بكم ولكن
…
أتاحه الحكم والقضاء
لو حدّث الأشعريّ عمّن
…
له إلى رأيه انتماء
لقال أخبرهم بأنّي
…
ممّا يقولونه براء
الفصل الثالث والثلاثون في انكار ثمرة الكيميا واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها
اعلم أنّ كثيرا من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصّنائع ويرون أنّها أحد مذاهب المعاش ووجوهه وأنّ اقتناء المال منها أيسر وأسهل على مبتغيه فيرتكبون فيها من المتاعب والمشاقّ ومعاناة الصّعاب وعسف الحكّام وخسارة الأموال في النّفقات زيادة على النّيل من غرضه والعطب آخرا إذا ظهر على خيبة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. وإنّما أطمعهم في ذلك رؤية أنّ المعادن تستحيل وينقلب بعضها إلى بعض للمادّة المشتركة فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضّة ذهبا والنّحاس والقصدير فضّة ويحسبون أنّها من ممكنات عالم
الطّبيعة ولهم في علاج ذلك طرق مختلفة لاختلاف مذاهبهم في التّدبير وصورته وفي المادّة الموضوعة عندهم للعلاج المسمّاة عندهم بالحجر المكرّم هل هي العذرة أو الدّم أو الشّعر أو البيض أو كذا أو كذا ممّا سوى ذلك. وجملة التّدبير عندهم بعد تعيّن المادّة أن تمهى بالفهر على حجر صلد أملس وتسقى أثناء إمهائها بالماء وبعد أن يضاف إليها من العقاقير والأدوية ما يناسب القصد منها ويؤثّر في انقلابها إلى المعدن المطلوب. ثمّ تجفّف بالشّمس من بعد السّقي أو تطبخ بالنّار أو تصعّد أو تكلّس لاستخراج مائها أو ترابها فإذا رضي بذلك كلّه من علاجها وتمّ تدبيره على ما اقتضته أصول صنعته حصل من ذلك كلّه تراب أو مائع يسمّونه الإكسير ويزعمون أنّه إذا ألقي على الفضّة المحماة بالنّار عادت ذهبا أو النّحاس المحمي بالنّار عاد فضّة على ما قصد به في عمله. ويزعم المحقّقون منهم أنّ ذلك الإكسير مادّة مركّبة من العناصر الأربعة حصل فيها بذلك العلاج الخاصّ والتّدبير مزاج ذو قوى طبيعيّة تصرف ما حصلت فيه إليها وتقلبه إلى صورتها ومزاجها وتبثّ فيه ما حصل فيها من الكيفيّات والقوى كالخميرة للخبز تقلب العجين إلى ذاتها وتعمل فيه ما حصل لها من الانفشاش والهشاشة ليحسن هضمه في المعدة ويستحيل سريعا إلى الغذاء. وكذا إكسير الذّهب والفضّة فيما يحصل فيه من المعادن يصرفه إليهما ويقلبه إلى صورتهما. هذا محصّل زعمهم على الجملة فتجدهم عاكفين على هذا العلاج يبتغون الرّزق والمعاش فيه ويتناقلون أحكامه وقواعده من كتب لأئمّة الصّناعة من قبلهم يتداولونها بينهم ويتناظرون في فهم لغوزها وكشف أسرارها إذ هي في الأكثر تشبه المعمّى. كتآليف جابر بن حيّان في رسائله السّبعين ومسلمة المجريطيّ في كتابه رتبة الحكيم والطّغرائيّ والمغيربيّ في قصائده العريقة في إجادة النّظم وأمثالها ولا يحلون من بعد هذا كلّه بطائل منها. ففاوضت يوما شيخنا أبا البركات التّلفيقيّ [1] كبير مشيخة
[1] وفي نسخة أخرى: التلفيقي.
الأندلس في مثل ذلك ووقفته على بعض التّآليف فيها فتصفّحه طويلا ثمّ ردّه إليّ وقال لي وأنا الضّامن له أن لا يعود إلى بيته إلّا بالخيبة. ثمّ منهم من يقتصر في ذلك على الدّلسة فقط. إمّا الظّاهرة كتمويه الفضّة بالذّهب أو النّحاس بالفضّة أو خلطهما على نسبة جزء أو جزءين أو ثلاثة أو الخفيّة كإلقاء الشّبه بين المعادن بالصّناعة مثل تبييض النّحاس وتلبيسه بالزّوق المصعّد فيجيء جسما معدنيّا شبيها بالفضّة ويخفى إلّا على النّقّاد المهرة فيقدّر أصحاب هذه الدّلس مع دلستهم [1] هذه سكّة يسربونها في النّاس ويطبعونها بطابع السّلطان تمويها على الجمهور بالخلاص. وهؤلاء أخسّ النّاس حرفة وأسوأهم عاقبة لتلبّسهم بسرقة أموال النّاس فإنّ صاحب هذه الدّلسة إنّما هو يدفع نحاسا في الفضّة وفضّة في الذّهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شرّ من السّارق. ومعظم هذا الصّنف لدينا بالمغرب من طلبة البربر المنتبذين بأطراف البقاع ومساكن الأغمار يأوون إلى مساجد البادية ويموّهون على الأغنياء منهم بأنّ بأيديهم صناعة الذّهب والفضّة والنّفوس مولعة بحبّهما والاستهلاك في طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش. ثمّ يبقى ذلك عندهم تحت الخوف والرّقبة إلى أن يظهر العجز وتقع الفضيحة فيفرّون إلى موضع آخر ويستجدّون حالا أخرى في استهواء بعض أهل الدّنيا بأطماعهم فيما لديهم. ولا يزالون كذلك في ابتغاء معاشهم وهذا الصّنف لا كلام معهم لأنّهم بلغوا الغاية في الجهل والرّداءة والاحتراف بالسّرقة ولا حاسم لعلّتهم إلّا اشتداد الحكّام عليهم وتناولهم من حيث كانوا وقطع أيديهم متى ظهروا على شأنهم لأنّ فيه إفسادا للسّكّة الّتي تعمّ بها البلوى وهي متموّل النّاس كافّة. والسّلطان مكلّف بإصلاحها والاحتياط عليها والاشتداد على مفسديها. وأمّا من انتحل هذه الصّناعة ولم يرض بحال الدّلسة بل استنكف عنها ونزّه نفسه عن إفساد سكّة المسلمين ونقودهم وإنّما يطلب إحالة الفضّة للذّهب والرّصاص والنّحاس والقصدير إلى
[1] الدلس: (بفتح الدال وسكون اللام) الخديعة والدلسة بضم الدال الظلمة (لسان العرب) .
الفضّة بذلك النّحو من العلاج وبالإكسير الحاصل عنده فلنا مع هؤلاء متكلّم وبحث في مداركهم لذلك. مع أنّا لا نعلم أنّ أحدا من أهل العالم تمّ له هذا الغرض أو حصل منه على بغية إنّما تذهب أعمارهم في التّدبير والفهر [1] والصّلابة والتّصعيد والتّكليس واعتيام الأخطار بجمع العقاقير والبحث عنها. ويتناقلون في ذلك حكايات وقعت لغيرهم ممّن تمّ له الغرض منها أو وقف على الوصول يقنعون باستماعها والمفاوضات فيها ولا يستريبون في تصديقها شأن الكلفين المغرمين بوساوس الأخبار فيما يكلّفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلك بالمعاينة أنكروه وقالوا إنّما سمعنا ولم نر. هكذا شأنهم في كلّ عصر وجيل واعلم أنّ انتحال هذه الصّنعة قديم في العالم وقد تكلّم النّاس فيها من المتقدّمين والمتأخّرين فلننقل مذاهبهم في ذلك ثمّ نتلوه بما يظهر فيها من التّحقيق الّذي عليه الأمر في نفسه فنقول إنّ مبنى الكلام في هذه الصّناعة عند الحكماء على حال المعادن السّبعة المتطرّقة وهي الذّهب والفضّة والرّصاص والقصدير والنّحاس والحديد والخارصين هل هي مختلفات بالفصول وكلّها أنواع قائمة بأنفسها أو إنّها مختلفة بخواصّ من الكيفيّات وهي كلّها أصناف لنوع واحد؟ فالّذي ذهب إليه أبو النّصر الفارابيّ وتابعه عليه حكماء الأندلس أنّها نوع واحد وأنّ اختلافها إنّما هو بالكيفيّات من الرّطوبة واليبوسة واللّين والصّلابة والألوان من الصّفرة والبياض والسّواد وهي كلّها أصناف لذلك النّوع الواحد والّذي ذهب إليه ابن سينا وتابعه عليه حكماء المشرق أنّها مختلفة بالفصول وأنّها أنواع متباينة كلّ واحد منها قائم بنفسه متحقّق بحقيقته له فصل وجنس شان سائر الأنواع. وبنى أبو نصر الفارابيّ على مذهبه في اتّفاقها بالنّوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض لإمكان تبدّل الأغراض حينئذ وعلاجها بالصّنعة. فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء
[1] الفهر: الحجر قدر ما يدق به الجوز ونحوه. وقيل هو حجر يملأ الكف (لسان العرب) وهنا تعني الدق.
عنده ممكنة سهلة المأخذ. وبنى أبو عليّ بن سينا على مذهبه في اختلافها بالنّوع إنكار هذه الصّنعة واستحالة وجودها بناء على أنّ الفصل لا سبيل بالصّناعة إليه وإنّما يخلقه خالق الأشياء ومقدّرها وهو الله عز وجل. والفصول مجهولة الحقائق رأسا بالتّصوّر فكيف يحاول انقلابها بالصّنعة. وغلّطه الطّغرائيّ من أكابر أهل هذه الصّناعة في هذا القول. وردّ عليه بأنّ التّدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه وإنّما هو في إعداد المادّة لقبوله خاصّة. والفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النّور على الأجسام بالصّقل والإمهاء. ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوّره ومعرفته قال: «وإذا كنّا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها مثل العقرب من التّراب والنّتن ومثل الحيّات المتكوّنة من الشّعر ومثل ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النّحل إذا فقدت من عجاجيل البقر. وتكوين القصب من قرون ذوات الظّلف وتصييره سكّرا بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك الفلح للقرون فما المانع إذا من العثور على مثل ذلك في الذّهب والفضّة. فتتّخذ مادّة تضيفها للتّدبير بعد أن يكون فيها استعداد أوّل لقبول صورة الذّهب والفضّة. ثمّ تحاولها بالعلاج إلى أن يتمّ فيها الاستعداد لقبول فصلها» . انتهى كلام الطّغرائيّ بمعناه. وهو الّذي ذكره في الرّدّ على ابن سينا صحيح. لكنّ لنا في الرّدّ على أهل هذه الصّناعة مأخذا آخر يتبيّن منه استحالة وجودها وبطلان مزعمهم أجمعين لا الطّغرائيّ ولا ابن سينا. وذلك أنّ حاصل علاجهم أنّهم بعد الوقوف على المادّة المستعدّة بالاستعداد الأوّل يجعلونها موضوعا ويحاذون في تدبيرها وعلاجها تدبير الطّبيعة في الجسم المعدنيّ حتّى أحالته ذهبا أو فضّة ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتمّ في زمان أقصر. لأنّه تبيّن في موضوعة أنّ مضاعفة قوّة الفاعل تنقص من زمن فعله وتبيّن أنّ الذّهب إنّما يتمّ كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السّنين دورة الشّمس الكبرى فإذا تضاعفت القوى والكيفيّات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ضرورة على
ما قلناه أو يتحرّون بعلاجهم ذلك حصول صورة مزاجيّة لتلك المادّة تصيّرها كالخميرة فتفعل في الجسم المعالج الأفاعيل المطلوبة في إحالته وذلك هو الإكسير على ما تقدّم. واعلم أنّ كلّ متكوّن من المولّدات العنصريّة فلا بدّ فيه من اجتماع العناصر الأربعة على نسبة متفاوتة إذ لو كانت متكافئة في النّسبة لما تمّ امتزاجها فلا بدّ من الجزء الغالب على الكلّ. ولا بدّ في كلّ ممتزج من المولّدات من حرارة غريزيّة هي الفاعلة لكونه الحافظة لصورته. ثمّ كلّ متكوّن في زمان فلا بدّ من اختلاف أطواره وانتقاله في زمن التّكوين من طور إلى طور حتّى ينتهي إلى غايته. وانظر شأن الإنسان في طور النّطفة ثمّ العلقة ثمّ المضغة ثمّ التّصوير ثمّ الجنين ثمّ المولود ثمّ الرّضيع ثمّ إلى نهايته. ونسب الأجزاء في كلّ طور تختلف في مقاديرها وكيفيّاتها وإلّا لكان الطّور الأوّل بعينه هو الآخر وكذا الحرارة الغريزيّة في كلّ طور مخالفة لها في الطّور الآخر. فانظر إلى الذّهب ما يكون له في معدنه من الأطوار منذ ألف سنة وثمانين وما ينتقل فيه من الأحوال فيحتاج صاحب الكيمياء إلى أن يساوق فعل الطّبيعة في المعدن ويحاذيه بتدبيره وعلاجه إلى أن يتمّ. ومن شرط الصّناعة أبدا تصوّر ما يقصد إليه بالصّنعة فمن الأمثال السّائرة للحكماء أوّل العمل آخر الفكرة وآخر الفكرة أوّل العمل. فلا بدّ من تصوّر هذه الحالات للذّهب في أحواله المتعدّدة ونسبها المتفاوتة في كلّ طور واختلاف الحارّ الغريزيّ عند اختلافها ومقدار الزّمان في كلّ طور وما ينوب عنه من مقدار القوى المضاعفة ويقوم مقامه حتّى يحاذي بذلك كلّه فعل الطّبيعة في المعدن أو تعدّ لبعض الموادّ صورة مزاجيّة كصورة الخميرة للخبز وتفعل في هذه المادّة بالمناسبة لقواها ومقاديرها. وهذه كلّها إنّما يحصرها العلم المحيط والعلوم البشريّة قاصرة عن ذلك وإنّما حال من يدّعي حصوله على الذّهب بهذه الصّنعة بمثابة من يدّعي بالصّنعة تخليق إنسان من المنيّ. ونحن إذا سلّمنا له الإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفيّة تخليقه في رحمه وعلم ذلك علما
محصّلا بتفاصيله حتّى لا يشذّ منه شيء عن علمه سلّمنا له تحليق هذا الإنسان وأنّى له ذلك. ولنقرّب هذا البرهان بالاختصار ليسهل فهمه فنقول: حاصل صناعة الكيمياء وما يدّعونه بهذا التّدبير أنّه مساوقة الطّبيعية المعدنيّة بالفعل الصّناعيّ ومحاذاتها به إلى أن يتمّ كون الجسم المعدنيّ أو تخليق مادّة بقوى وأفعال وصورة مزاجيّة تفعل في الجسم فعلا طبيعيّا فتصيّره وتقلّبه إلى صورتها.
والفعل الصّناعيّ مسبوق بتصوّرات أحوال الطّبيعة المعدنيّة الّتي يقصد مساوقتها أو محاذاتها أو فعل المادّة ذات القوى فيها تصوّرا مفصّلا واحدة بعد أخرى. وتلك الأحوال لا نهاية لها والعلم البشريّ عاجز عن الإحاطة بما دونها وهو بمثابة من يقصد تخليق إنسان أو حيوان أو نبات. هذا محصّل هذا البرهان وهو أوثق ما علمته وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيته ولا من الطّبيعة إنّما هو من تعذّر الإحاطة وقصور البشر عنها. وما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك وله وجه آخر في الاستحالة من جهة غايته. وذلك أنّ حكمة الله في الحجرين وندورهما أنّهما قيم لمكاسب النّاس ومتموّلاتهم. فلو حصل عليهما بالصّنعة لبطلت حكمة الله في ذلك وكثر وجودهما حتّى لا يحصل أحد من اقتنائهما على شيء. وله وجه آخر من الاستحالة أيضا وهو أنّ الطّبيعة لا تترك أقرب الطّرق في أفعالها وترتكب الأعوص والأبعد. فلو كان هذا الطّريق الصّناعيّ الّذي يزعمون أنّه صحيح وأنّه أقرب من طريق الطّبيعة في معدنها أو أقلّ زمانا لما تركته الطّبيعة إلى طريقها الّذي سلكته في كون الفضّة والذّهب وتخلّقهما وأمّا تشبيه الطّغراءي هذا التّدبير بما عثر عليه من مفردات لأمثاله في الطّبيعة كالعقرب والنّحل والحيّة وتخليقها فأمر صحيح في هذه أدّى إليه العثور كما زعم. وأمّا الكيمياء فلم ينقل عن أحد من أهل العالم أنّه عثر عليها ولا على طريقها وما زال منتحلوها يخبطون فيها عشواء إلى هلمّ جرّا ولا يظفرون إلّا بالحكايات الكاذبة. ولو صحّ ذلك لأحد منهم لحفظه عنه أولاده أو تلميذه وأصحابه وتنوقل في الأصدقاء وضمن تصديقه
صحّة العمل بعده إلى أن ينتشر ويبلغ إلينا وإلى غيرنا. وأمّا قولهم إنّ الإكسير بمثابة الخميرة. وإنّه مركّب يحيل ما يحصل فيه ويقلبه إلى ذلك فاعلم أنّ الخميرة إنّما تقلب العجين وتعدّه للهضم وهو فساد والفساد في الموادّ سهل يقع بأيسر شيء من الأفعال والطّبائع. والمطلوب بالإكسير قلب المعدن إلى ما هو أشرف منه وأعلى فهو تكوين وصلاح والتّكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الإكسير بالخميرة. وتحقيق الأمر في ذلك أنّ الكيمياء إن صحّ وجودها كما تزعم الحكماء المتكلّمون فيها مثل جابر بن حيّان ومسلمة بن أحمد المجريطيّ وأمثالهم فليست من باب الصّنائع الطّبيعيّة ولا تتمّ بأمر صناعيّ. وليس كلامهم فيها من منحى الطّبيعيّات إنّما هو من منحى كلامهم في الأمور السّحريّة وسائر الخوارق وما كان من ذلك للحلّاج وغيره وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك. وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وهذا كلام جابر في رسائله ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه وبالجملة فأمرها عندهم من كلّيّات الموادّ الخارجة عن حكم الصّنائع فكما لا يتدبّر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبّر ذهب من مادّة الذّهب في يوم ولا شهر ولا يتغيّر طريق عادته إلّا بإرفاد ما وراء عالم الطّبائع وعمل الصّنائع فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيّا ضيّع ماله وعمله ويقال لهذا التّدبير الصّناعيّ التّدبير العقيم لأنّ نيله إن كان صحيحا فهو واقع ممّا وراء الطّبائع والصّنائع كالمشي على الماء وامتطاء الهواء والنّفوذ في كشائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطّير ونحوها من معجزات الأنبياء. قال تعالى: «وَإِذْ تَخْلُقُ من الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي 5: 110» [1] وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها. فربّما أوتيها الصّالح ويؤتيها غيره فتكون عنده
[1] سورة المائدة من الآية 110.