الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجنابهم أمصار انتظموها في استيلائهم للأمن من مثل هذا الانخرام وإن لم يكن هناك مصر استحدثوه ضرورة لتكميل عمرانهم أوّلا وحطّ أثقالهم وليكون شجا في حلق من يروم العزّة والامتناع عليهم من طوائفهم وعصائبهم فتعيّن أنّ الملك يدعو إلى نزول الأمصار والاستيلاء عليها والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق لا ربّ سواه.
الفصل الثالث في أن المدن العظيمة والهياكل المرتفعة إنما يشيدها الملك الكثير
قد قدّمنا ذلك في آثار الدّولة من المباني وغيرها وأنّها تكون على نسبتها وذلك أنّ تشييد المدن إنّما يحصل باجتماع الفعلة وكثرتهم وتعاونهم فإذا كانت الدّولة عظيمة متّسعة الممالك حشر الفعلة من أقطارها وجمعت أيديهم على عملها وربّما استعين في ذلك في أكثر الأمر بالهندام الّذي يضاعف القويّ والقدر في حمل أثقال البناء لعجز القوّة البشريّة وضعفها عن ذلك كالمخّال [1] وغيره وربّما يتوهّم كثير من النّاس إذا نظر إلى آثار الأقدمين ومصانعهم العظيمة مثل إيوان كسرى وأهرام مصر وحنايا المعلّقة وشرشال بالمغرب إنّما كانت بقدرهم متفرّقين أو مجتمعين فيتخيّل لهم أجساما تناسب ذلك أعظم من هذه بكثير في طولها وقدرها لتناسب بينها وبين القدر الّتي صدرت تلك المباني عنها ويغفل عن شأن الهندام والمخّال وما اقتضته في ذلك الصّناعة الهندسيّة وكثير من المتغلّبين في البلاد يعاين في شأن البناء واستعمال الحيل في نقل الأجرام عند أهل الدّولة المعتنين بذلك من العجم ما يشهد له بما قلناه عيانا وأكثر آثار الأقدمين لهذا العهد تسمّيها
[1] لم نعثر على هذه الكلمة في القاموس ولا في لسان العرب. والمعروف المخل وهو آلة حديدية تستعمل لرفع الحجارة.
العامّة عاديّة نسبة إلى قوم عاد لتوهّمهم أنّ مباني عاد ومصانعهم إنّما عظمت لعظم أجسامهم وتضاعف قدرهم. وليس كذلك، فقد نجد آثارا كثيرة من آثار الّذين تعرف مقادير أجسامهم من الأمم وهي في مثل ذلك العظم أو أعظم كإيوان كسرى ومباني العبيديّين من الشّيعة بإفريقيّة والصّنهاجيّين وأثرهم باد إلى اليوم في صومعة قلعة بني حمّاد وكذلك بناء الأغالبة في جامع القيروان وبناء الموحّدين في رباط الفتح ورباط السّلطان أبي سعيد لعهد أربعين سنة في المنصورة بإزاء تلمسان وكذلك الحنايا الّتي جلب إليها أهل قرطاجنّة الماء في القناة الرّاكبة عليها ماثلة لهذا العهد وغير ذلك من المباني والهياكل الّتي نقلت إلينا أخبار أهلها قريبا وبعيدا وتيقّنا أنّهم لم يكونوا بإفراط في مقادير أجسامهم وإنّما هذا رأي ولع به القصّاص عن قوم عاد وثمود والعمالقة. ونجد بيوت ثمود في الحجر منحوتة إلى هذا العهد وقد ثبت في الحديث الصّحيح أنّها بيوتهم يمرّ بها الرّكب الحجازيّ أكثر السّنين ويشاهدونها لا تزيد في جوّها ومساحتها وسمكها على المتعاهد وإنّهم ليبالغون فيما يعتقدون من ذلك حتّى إنّهم ليزعمون أنّ عوج بن عناق من جيل العمالقة كان يتناول السّمك من البحر طريئا فيشويه في الشّمس يزعمون بذلك أنّ الشّمس حارّة فيما قرب منها ولا يعلمون أنّ الحرّ فيما لدينا هو الضّوء لانعكاس الشّعاع بمقابلة سطح الأرض والهواء وأمّا الشّمس في نفسها فغير حارّة ولا باردة وإنّما هي كوكب مضيء لا مزاج له وقد تقدّم شيء من هذا في الفصل الثّاني حيث ذكرنا أنّ آثار الدّولة على نسبة قوّتها في أصلها. والله يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد
.