الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقتل والقاتل بالعين لا يقتل. وما ذلك إلّا أنّه ليس ممّا يريده ويقصده أو يتركه وإنّما هو مجبور في صدوره عنه. والله أعلم بما في الغيوب ومطّلع على ما في السّرائر.
الفصل التاسع والعشرون علم أسرار الحروف
وهو المسمّى لهذا العهد بالسيمياء. نقل وضعه من الطّلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرّف من المتصوّفة، فاستعمل استعمال العامّ في الخاصّ. وحدث هذا العلم في الملّة بعد صدر منها، وعند ظهور الغلاة من المتصوّفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحسّ، وظهور الخوارق على أيديهم والتّصرّفات في عالم العناصر، وتدوين الكتب والاصطلاحات، ومزاعمهم في تنزّل الوجود عن الواحد وترتيبه.
وزعموا أنّ الكمال الأسمائيّ مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وأنّ طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء، فهي سارية في الأكوان على هذا النظام.
والأكوان من لدن الإبداع الأوّل تتنقّل في أطواره وتعرب عن أسراره، فحدث لذلك علم أسرار الحروف، وهو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوعة ولا تحاط بالعدد مسائله. تعدّدت فيه تآليف البونيّ وابن العربيّ وغيرهما ممّن اتّبع آثارهما. وحاصله عندهم وثمرته تصرّف النّفوس الربّانيّة في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهيّة الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السّارية في الأكوان.
ثمّ اختلفوا في سرّ التصرّف الّذي في الحروف [1] بما هو: فمنهم من جعله
[1] علق الهوريني على هذه العبارة بقوله: ترتيب طبائع الحروف عند المغاربة غير ترتيب المشارقة.
ومنهم الغزالي. كما أن الجمل عندهم مخالف في ستة أحرف. فان الصاد عندهم بستين والضاد بتسعين والسين المهملة بثلاثمائة والظاء بثمانمائة والغين بتسعمائة والشين بألف. 1 هـ-.
للمزاج الّذي فيه، وقسّم الحروف بقسمة الطّبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر.
واختصّت كلّ طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرّف في طبيعتها فعلا وانفعالا بذلك الصنف: فتنوّعت الحروف بقانون صناعيّ يسمّونه التكسير إلى ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة على حسب تنوّع العناصر، فالألف للنار والباء للهواء والجيم للماء والدال للتراب. ثمّ ترجع كذلك على التوالي من الحروف والعناصر إلى أن تنفذ. فتعيّن لعنصر النار حروف سبعة: الألف والهاء والطاء والميم والفاء والسين والذال، وتعيّن لعنصر الهواء سبعة أيضا: الباء والواو والياء والنون والضاد والتاء والظاء، وتعيّن لعنصر الماء أيضا سبعة: الجيم والزاي والكاف والصاد والقاف والثاء والغين، وتعيّن لعنصر التراب أيضا سبعة: الدال والحاء واللّام والعين والراء والخاء والشّين.
والحروف الناريّة لدفع الأمراض الباردة ولمضاعفة قوّة الحرارة حيث تطلب مضاعفتها، إمّا حسّا أو حكما، كما في تضعيف قوى المرّيخ في الحروب والقتل والفتك. والمائيّة أيضا لدفع الأمراض الحارّة من حمّيات وغيرها، ولتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسّا أو حكما، كتضعيف قوى القمر وأمثال ذلك.
ومنهم من جعل سرّ التصرّف الّذي في الحروف للنسبة العدديّة: فإنّ حروف أبجد دالّة على أعدادها المتعارفة وضعا وطبعا فبينها من أجل تناسب الأعداد تناسب في نفسها أيضا، كما بين الباء والكاف والراء لدلالتها كلّها على الاثنين كلّ في مرتبته، فالباء على اثنين في مرتبة الآحاد، والكاف على اثنين في مرتبة العشرات، والرّاء على اثنين في مرتبة المئين. وكالّذي بينها وبين الدال والميم والتاء لدلالتها على الأربعة، وبين الأربعة والاثنين نسبة الضّعف. وخرّج للأسماء أوفاق كما للأعداد يختصّ كلّ صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الّذي يناسبه من حيث عدد الشّكل أو عدد الحروف، وامتزج التصرّف من السرّ الحرفيّ
والسرّ العدديّ لأجل التناسب الّذي بينهما. فأمّا سرّ التناسب الّذي بين هذه الحروف وأمزجة الطبائع، أو بين الحروف والأعداد، فأمر عسير على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات، وإنّما مستندهم فيه الذّوق والكشف. قال البونيّ: ولا تظنّ أنّ سرّ الحروف ممّا يتوصّل إليه بالقياس العقليّ، وإنّما هو بطريق المشاهدة والتوفيق الإلهيّ. وأمّا التصرّف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء المركّبة فيها وتأثّر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. وقد يظنّ أنّ تصرّف هؤلاء وتصرّف أصحاب الطّلسمات واحد، وليس كذلك، فإنّ حقيقة الطّلسم وتأثيره على ما حقّقه أهله أنّه قوى روحانيّة من جوهر القهر، تفعل فيما له ركّب فعل غلبة وقهر، بأسرار فلكيّة ونسب عدديّة وبخورات جالبات لروحانيّة ذلك الطّلسم، مشدودة فيه بالهمّة، فائدتها ربط الطبائع العلويّة بالطبائع السّفليّة، وهو عندهم كالخميرة المركّبة من هوائيّة وأرضيّة ومائيّة وناريّة حاصلة في جملتها، تخيّل وتصرّف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير للأجسام المعدنيّة، كالخميرة تقلب المعدن الّذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. ولذلك يقولون: موضوع الكيمياء جسد في جسد لأنّ الإكسير أجزاؤه كلّها جسدانيّة. ويقولون: موضوع الطّلسم روح في جسد لأنّه ربط الطبائع العلويّة بالطّبائع السّفليّة. والطبائع السّفليّة جسد والطبائع العلويّة روحانيّة. وتحقيق الفرق بين تصرّف أهل الطّلسمات وأهل الأسماء، بعد أن تعلم أنّ التصرّف في عالم الطبيعة كلّه إنّما هو للنفس الإنسانيّة والهمم البشريّة أنّ النفس الإنسانيّة محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات، إلّا أنّ تصرّف أهل الطّلسمات إنّما هو في استنزال روحانيّة الأفلاك وربطها بالصّور أو بالنسب العدديّة، حتّى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما حصلت فيه. وتصرّف أصحاب الأسماء إنّما هو بما حصل لهم بالمجاهدة والكشف من النّور الإلهيّ والإمداد الربّانيّ، فيسخّر
الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، ولا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكيّة ولا غيرها، لأنّ مدده أعلى منها.
ويحتاج أهل الطّلسمات إلى قليل من الرّياضة تفيد النفس قوّة على استنزال روحانيّة الأفلاك. وأهون بها وجهة ورياضة. بخلاف أهل الأسماء فإنّ رياضتهم هي الرياضة الكبرى، وليست لقصد التصرّف في الأكوان إذ هو حجاب. وإنّما التصرّف حاصل لهم بالعرض، كرامة من كرامات الله لهم. فإن خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله وحقائق الملكوت، الّذي هو نتيجة المشاهدة والكشف، واقتصر على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف والكلمات، وتصرّف بها من هذه الحيثيّة وهؤلاء هم أهل السيمياء في المشهور- كأنّ إذا لا فرق بينه وبين صاحب الطّلسمات، بل صاحب الطّلسمات أوثق منه لأنّه يرجع إلى أصول طبيعيّة علميّة وقوانين مرتّبة. وأمّا صاحب أسرار الأسماء إذا فاته الكشف الّذي يطّلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة، وليس له في العلوم الاصطلاحيّة قانون برهانيّ يعوّل عليه يكون حاله أضعف رتبة. وقد يمزج صاحب الأسماء قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب، فيعيّن لذكر الأسماء الحسنى، أو ما يرسم من أوفاقها، بل ولسائر الأسماء، أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب الّذي يناسب ذلك الاسم، كما فعله البونيّ في كتابه الّذي سمّاه الأنماط. وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائيّة. وهي برزخيّة الكمال الأسمائيّ، وإنّما تنزّل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من المناسبة.
وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب الأسماء عن تلك المشاهدة، وتلقّى تلك المناسبة تقليدا، كأنّ عمله بمثابة عمل صاحب الطّلسم، بل هو أوثق منه كما قلناه. وكذلك قد يمزج أيضا صاحب الطّلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلّفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب، إلّا أنّ مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب
الأسماء من الاطّلاع في حال المشاهدة، وإنّما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السّحريّة، من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكوّنات، من جواهر وأعراض وذوات ومعان، والحروف. والأسماء من جملة ما فيه.
فلكلّ واحد من الكواكب قسم منها يخصّه، ويبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا النحو، كما فعله مسلمة المجريطيّ في الغاية. والظّاهر من حال البونيّ في أنماطه أنّه اعتبر طريقتهم. فإنّ تلك الأنماط إذا تصفّحتها، وتصفّحت الدّعوات الّتي تضمّنتها، وتقسيمها على ساعات الكواكب السّبعة، ثمّ وقفت على الغاية، وتصفّحت قيامات الكواكب الّتي فيها، وهي الدّعوات الّتي تختصّ بكلّ كوكب، ويسمّونها قيامات الكواكب، أي الدعوة الّتي يقام له بها، شهد له ذلك: إمّا بأنّه من مادّتها، أو بأنّ التناسب الّذي كان في أصل الإبداع وبرزخ العلم قضى بذلك كلّه. «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85» . وليس كلّ ما حرّمه الشّارع من العلوم بمنكر الثبوت، فقد ثبت أنّ السحر حقّ مع حظره. لكنّ حسبنا من العلم ما علمنا.
ومن فروع علم السيمياء عندهم استخراج الأجوبة من الأسئلة، بارتباطات ش بين الكلمات- حرفيّة، يوهمون أنّها أصل في معرفة ما يحاولون علمه من الكائنات الاستقباليّة، وإنّما هي شبه المعاياة والمسائل السّيالة. ولهم في ذلك كلام كثير من أدعيّة وأوراد. وأعجبه زايرجة العالم للسّبتيّ، وقد تقدّم ذكرها. ونبيّن هنا ما ذكروه في كيفيّة العمل بتلك الزايرجة بدائرتها وجدولها المكتوب حولها، ثمّ نكشف عن الحقّ فيها وأنّها ليست من الغيب، وإنّما هي مطابقة بين مسألة وجوابها في الإفادة فقط، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل. وليس عندنا رواية يعوّل عليها في صحّة هذه القصيدة إلّا أنّنا تحرّينا أصحّ النّسخ منها في ظاهر الأمر. والله الموفّق بمنّه. وهي هذه:
يقول سبيتيّ ويحمد ربّه
…
مصلّ على هاد إلى النّاس أرسلا
محمّد المبعوث خاتم الأنبيا
…
ويرضى عن الصّحب ومن لهم تلا
ألا هذه زايرجة العالم الّذي
…
تراه بحيّكم وبالعقل قد حلا
فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه
…
ويدرك أحكاما تدبّرها العلا
ومن أحكم الرّبط فيدرك قوّة
…
ويدرك للتّقوى وللكلّ حصّلا
ومن أحكم التصريف يحكم سرّه
…
ويعقل نفسه وصحّ له الولا
وفي عالم الأمر تراه محقّقا
…
وهذا مقام من بالأذكار كملا
فهذي سرائر عليكم بكتمها
…
أقمها دوائر وللحاء عدّلا
فطاء لها عرش وفيظ نقوشنا
…
بنظم ونثر قد تراه مجدولا
ونسب دوائر كنسبة فلكها
…
وارسم كواكبا لأدراجها العلا
وأخرج لأوتار وارسم حروفها
…
وكوّر بمثله على حدّ من خلا
أقم شكل زيرهم وسوّ بيوته
…
وحقّق بهامهم ونورهم جلا
وحصّل علوما للطّباع مهندسا
…
وعلما لموسيقى والأرباع مثّلا
وسوّ لموسيقى وعلم حروفهم
…
وعلم بآلات فحقّق وحصّلا
وسوّ دوائرها ونسب حروفها
…
وعالمها أطلق والإقليم جدولا
أمير لنا فهو نهاية دولة
…
زناتية آبت وحكم لها خلا
وقطر لأندلس فابن لهودهم
…
وجاء بنو نصر وظفرهم تلا
ملوك وفرسان وأهل لحكمة
…
فإن شئت نصّبهم وقطرهم حلا
ومهديّ توحيد بتونس حكمهم
…
ملوك وبالشّرق بالأوفاق نزّلا
واقسم على القطر وكن متفقّدا
…
فإن شئت للرّوم فبالحرّ شكّلا
ففنش وبرشنون الرّاء حرفهم
…
وإفرنسهم دال وبالطّاء كمّلا
ملوك كناوة دلوا لقافهم
…
وإعراب قومنا بترقيق أعملا
فهند حباشيّ وسند فهرمس
…
وفرس ططاري وما بعدهم طلا
فقيصرهم جاء ويزدجردهم
…
لكاف وقبطيهم بلامه طوّلا
وعبّاس كلّهم شريف معظّم
…
ولكنّ تركي بذا الفعل عطّلا
فإن شئت تدقيق الملوك وكلّهم
…
فختّم بيوتا ثمّ نسب وجدولا
على حكم قانون الحروف وعلمها
…
وعلم طبائعها وكلّه مثّلا
فمن علم العلوم تعلّم علمنا
…
ويعلم أسرار الوجود وأكملا
فيرسخ علمه ويعرف ربّه
…
وعلم ملاحيم بحاميم فصّلا
وحيث أتى اسم والعروض يشقّه
…
فحكم الحكيم فيه قطعا ليقتلا
وتأتيك أحرف فسوّ لضربها
…
وأحرف سيبويه تأتيك فيصلا
فمكّن بتنكير وقابل وعوّضن
…
بترنيمك الغالي للأجزاء خلخلا
وفي العقد والمجزور يعرف غالبا
…
وزد لمح وصفيه في العقل فعّلا
واختر لمطلع وسوّيه رتبة
…
واعكس بجذريه وبالدور عدّلا؟
ويدركها المرء فيبلغ قصده
…
وتعطي حروفها وفي نظمها انجلا
إذا كان سعد والكواكب أسعدت
…
فحسبك في الملك ونيل اسمه العلا
وإيقاع دالهم بمرموز ثمّمة
…
فنسب دنادينا تجد فيه منهلا
وأوتار زيرهم فللحاء بمّهم
…
ومثناهم المثلّث بجيمه قد جلا
وأدخل بأفلاك وعدّل بجدول
…
وأرسم أبا جاد وباقيه جملا
وجوّز شذوذ النو تجري ومثله
…
أتى في عروض الشّعر عن جملة ملا
فأصل لديننا وأصل لفقهنا
…
وعلم لنحونا فاحفظ وحصّلا
فادخل لفسطاط على الوفق جذره
…
وسبّح باسمه وكبّر وهلّلا
فتخرج أبياتا وفي كلّ مطلب
…
بنظم طبيعيّ وسرّ من العلا
وتفنى بحصرها كذا حكم عدّهم
…
فعلم الفواتيح ترى فيه منهلا
فتخرج أبياتا وعشرون ضعّفت
…
من الألف طبعيا فيا صاح جدولا
تريك صنائعا من الضرب أكملت
…
فصح لك المنى وصح لك العلا