الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموشحات والأزجال في المشرق
وكان لعامّة بغداد أيضا فنّ من الشعر يسمّونه المواليا، وتحته فنون كثيرة يسمّون منها القوما، وكان وكان، ومنه مفرد ومنه في بيتين، ويسمّونه دو بيت على الاختلاف المعتبرة عندهم في كلّ واحد منها، وغالبها مزدوجة من أربعة أغصان. وتبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب، وتبحّروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضريّة، فجاءوا بالعجائب، ورأيت في ديوان الصفيّ الحلّي من كلامه «أنّ المواليا من بحر البسيط، وهو ذو أربعة أغصان وأربع قواف، ويسمّى صوتا وبيتين. وأنّه من مخترعات أهل واسط، وأنّ كان وكان فهو قافية واحدة وأوزان مختلفة في أشطاره: الشطر الأوّل من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلّا مردفة بحرف العلّة وأنّه من مخترعات البغداديّين. وأنشد فيه لنا:
بغمز الحواجب حديث تفسير ومنو أوبو، وأمّ الأخرس تعرف بلغة الخرسان» . انتهى كلام الصفيّ. ومن أعجب ما علق بحفظي منه قول شاعرهم:
هذي جراحي طريا
…
والدما تنضح
وقاتلي يا أخيا
…
في الفلا يمرح
قالوا ونأخذ بثأرك
…
قلت ذا أقبح
إلى جرحتي يداويني
…
يكون أصلح
ولغيره:
طرقت باب الخبا قالت من الطارق
…
فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق
تبسمت لاح لي من ثغرها بارق
…
رجعت حيران في بحر أدمعي غارق
ولغيره:
عهدي بها وهي لا تأمن علي البين
…
وان شكوت الهوى قالت فدتك العين
لمن يعاين لها غيري غلام الزين
…
ذكرتها العهد قالت لك على دين
ولغيره في وصف الحشيش:
دي خمر صرف التي عهدي بها باقي
…
تغني عن الخمر والخمار والساقي
قحبا ومن قحبها تعمل على احراقي
…
خبيتها في الحشى طلت من احداقي
ولغيره:
يا من وصالو لأطفال المحبة بح
…
كم توجع القلب بالهجران أوّه أح
أودعت قلبي حوحو والتصبر بح
…
كل الورى كخ في عيني وشخصك دح
ولغيره:
ناديتها ومسيبي قد طواني طيّ
…
جودي عليّ بقبلة في الهوى يا مي
قالت وقد كوت داخل فؤادي كيّ
…
ما ظن ذا القطن يغشى فمّ من هو حيّ
ولغيره:
رآني ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه
…
ماط اللثام تبدي بدر في شرقه
اسبل دجى الشعرتاه القلب في طرقه
…
رجع هدانا بخيط الصبح من فرقه
ولغيره:
يا حادي العيس ازجر بالمطايا زجر
…
وقف على منزل أحبابي قبيل الفجر
وصيح في حيهم يا من يريد الأجر
…
ينهض يصلي على ميت قتيل الهجر
ولغيره:
عيني التي كنت ارعاكم بها باتت
…
ترعى النجوم وبالتسهيد اقتاتت
وأسهم البين صابتني ولا فاتت
…
وسلوتي عظم الله أجركم ماتت
ولغيره:
هويت في قنطرتكم يا ملاح الحكر
…
غزال يبلى الأسود الضاريا بالفكر
غصن إذا ما انثنى يسبي البنات البكر
…
وان تهلل فما للبدر عند وذكر
ومن الّذي يسمّونه دو بيت:
قد أقسم من أحبه بالباري
…
أن يبعث طيفه مع الأسحار
يا نار أشواقي به فاتقدي
…
ليلا فعساه يهتدي بالنار
واعلم أنّ الأذواق كلّها في معرفة البلاغة إنّما تحصل لمن خالط تلك اللّغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها حتّى يحصّل ملكتها كما قلناه في اللّغة العربيّة. فلا يشعر الأندلسيّ بالبلاغة الّتي في شعر أهل المغرب ولا المغربيّ بالبلاغة الّتي في شعر أهل الأندلس والمشرق ولا المشرقيّ بالبلاغة الّتي في شعر الأندلس والمغرب. لأنّ اللّسان الحضريّ وتراكيبه مختلفة فيهم. وكلّ واحد منهم مدرك لبلاغة لغته وذائق لمحاسن الشّعر من أهل جلدته وفي خلق السّماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم آيات للعالمين وقد كدنا نخرج عن الغرض.