الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلطانه منفذ في ذلك من وراء الحجاب لأحكامه. فهو يتجافى عن سمات الملك وشاراته وألقابه جهده ويبعد نفسه عن التّهمة بذلك.
وإن حصل له الاستبداد لأنّه مستتر في استبداده ذلك بالحجاب الّذي ضربه السّلطان وأوّلوه على أنفسهم عن القبيل منذ أوّل الدّولة ومغالط عنه بالنّيابة ولو تعرّض لشيء من ذلك لنفسه [1] عليه أهل العصبيّة وقبيل الملك وحاولوا الاستئثار به دونه لأنّه لم تستحكم له في ذلك صبغة تحملهم على التّسليم له والانقياد فيهلك لأوّل وهلة وقد وقع مثل هذا لعبد الرّحمن بن النّاصر بن منصور بن أبي عامر حين سما إلى مشاركة هشام وأهل بيته في لقب الخلافة ولم يقنع بما قنع به أبوه وأخوه من الاستبداد بالحلّ والعقد والمراسم المتتابعة فطلب من هشام خليفته أن يعهد له بالخلافة فنفس ذلك عليه بنو مروان وسائر قريش وبايعوا لابن عمّ الخليفة هشام محمّد بن عبد الجبّار بن النّاصر وخرجوا عليهم وكان في ذلك خراب دولة العامريّين وهلاك المؤيّد خليفتهم واستبدل منه سواه من أعياص [2] الدّولة إلى آخرها واختلّت مراسم ملكهم والله خير الوارثين.
الفصل الثالث والعشرون في حقيقة الملك وأصنافه
الملك منصب طبيعيّ للإنسان لأنّا قد بيّنا أنّ البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلّا باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضروريّاتهم وإذا اجتمعوا دعت الضّرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ومدّ كلّ واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه لما في الطّبيعة الحيوانيّة من الظّلم والعدوان بعضهم على بعض
[1] قوله لنفسه بفتح اللام والنون وكسر الفاء يقال نفس عليه الشيء كفرح لم يره أهلا له كما في القاموس.
[2]
اعياص ج عيص: منبت خيار الشجر، ويقال هو من عيص كريم: أي من أصل كريم (قاموس)
ويمانعه الآخر عنها بمقتضى الغضب والأنفة ومقتضى القوّة البشريّة في ذلك فيقع التّنازع المفضي إلى المقاتلة وهي تؤدّي إلى الهرج وسفك الدّماء وإذهاب النّفوس المفضي ذلك إلى انقطاع النّوع وهو ممّا خصّه الباري سبحانه بالمحافظة فاستحال بقاؤهم فوضى دون حالم يزع بعضهم عن بعض واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع وهو الحاكم عليهم وهو بمقتضى الطّبيعة البشريّة الملك القاهر المتحكّم ولا بدّ في ذلك من العصبيّة لما قدّمناه من أنّ المطالبات كلّها والمدافعات لا تتمّ إلّا بالعصبيّة وهذا الملك كما تراه منصب شريف تتوجّه نحوه المطالبات ويحتاج إلى المدافعات.
ولا يتمّ شيء من ذلك إلّا بالعصبيّات كما مرّ والعصبيّات متفاوتة وكلّ عصبيّة فلها تحكّم وتغلّب على من يليها من قومها وعشيرها وليس الملك لكلّ عصبيّة وإنّما الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرّعية ويجبي الأموال ويبعث البعوث ويحمي الثّغور ولا تكون فوق يده يد قاهرة وهذا معنى الملك وحقيقته في المشهور فمن قصّرت به عصبيّته عن بعضها مثل حماية الثّغور أو جباية الأموال أو بعث البعوث فهو ملك ناقص لم تتمّ حقيقته كما وقع لكثير من ملوك البربر في دولة الأغالبة بالقيروان ولملوك العجم صدر الدّولة العباسيّة.
ومن قصّرت به عصبيّته أيضا عن الاستعلاء على جميع العصبيّات، والضّرب على سائر الأيدي وكان فوقه حكم غيره فهو أيضا ملك ناقص لم تتمّ حقيقته وهؤلاء مثل أمراء النّواحي ورؤساء الجهات الّذين تجمعهم دولة واحدة وكثيرا ما يوجد هذا في الدّولة المتّسعة النّطاق أعني توجد ملوك على قومهم في النّواحي القاصية يدينون بطاعة الدّولة الّتي جمعتهم مثل صنهاجة مع العبيديّين وزناتة مع الأمويّين تارة والعبيديّين تارة أخرى ومثل ملوك العجم في دولة بني العبّاس ومثل ملوك الطّوائف من الفرس مع الإسكندر وقومه اليونانيّين وكثير من هؤلاء فاعتبره تجده والله القاهر فوق عباده
.