الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحرير والذّهب فسقطت هذه الوظيفة من دولتهم واستدرك منها أعقابهم آخر الدّولة طرفا لم يكن بتلك النّباهة وأمّا لهذا العهد، فأدركنا بالمغرب في الدّولة المرينيّة لعنفوانها وشموخها رسما جليلا لقّنوه من دولة ابن الأحمر معاصرهم بالأندلس واتّبع هو في ذلك ملوك الطّوائف فأتى منه بلمحة شاهدة بالأثر. وأمّا دولة التّرك بمصر والشّام لهذا العهد ففيها من الطّراز تحرير آخر على مقدار ملكهم وعمران بلادهم إلّا أنّ ذلك لا يصنع في دورهم وقصورهم وليست من وظائف دولتهم وإنّما ينسج ما تطلبه الدّولة من ذلك عند صنّاعه من الحرير ومن الذّهب الخالص ويسمّونه المزركش لفظة أعجميّة ويرسم اسم السّلطان أو الأمير عليه ويعدّه الصّنّاع لهم فيما يعدّونه للدّولة من طرف الصّناعة اللّائقة بها «وَالله مُقَدِّرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالله خَيْرُ الْوَارِثِينَ» .
الفساطيط والسياج
اعلم أنّ من شارات الملك وترفه اتّخاذ الأخبية والفساطيط والفازات [1] من ثياب الكتّان والصّوف والقطن فيباهي بها في الأسفار وتنوّع منها الألوان ما بين كبير وصغير على نسبة الدّولة في الثّروة واليسار وإنّما يكون الأمر في أوّل الدّولة في بيوتهم الّتي جرت عادتهم باتّخاذها قبل الملك وكان العرب لعهد الخلفاء الأوّلين من بني أميّة إنّما يسكنون بيوتهم الّتي كانت لهم خياما من الوبر والصّوف ولم تزل العرب لذلك العهد بادين [2] إلّا الأقلّ منهم فكانت أسفارهم لغزواتهم وحروبهم بظعونهم وسائر حللهم وأحيائهم من الأهل والولد كما هو شأن العرب لهذا العهد وكانت عساكرهم لذلك كثيرة الحلل بعيدة ما بين المنازل متفرّقة الأحياء يغيب كلّ واحد منها عن نظر صاحبه من الأخرى كشأن العرب ولذلك ما كان عبد الملك يحتاج إلى ساقة تحشد النّاس على أثره وأن يقيموا إذا ظعن.
[1] مظلة بعامودين.
[2]
من البداوة.
ونقل أنّه استعمل في ذلك الحجّاج حين أشار به روح بن زنباع وقصّتهما في إحراق فساطيط روح وخيامه لأوّل ولايته حين وجدهم مقيمين في يوم رحيل عبد الملك قصّة مشهورة. ومن هذه الولاية تعرف رتبة الحجّاج بين العرب فإنّه لا يتولّى إرادتهم على الظّعن إلّا من يأمن بوادر السّفهاء من أحيائهم بما له من العصبيّة الحائلة دون ذلك ولذلك اختصّه عبد الملك بهذه الرّتبة ثقة بغنائه فيها بعصبيّته وصرامته فلمّا تفنّنت الدّولة العربيّة في مذاهب الحضارة والبذخ ونزلوا المدن والأمصار وانتقلوا من سكنى الخيام إلى سكنى القصور ومن ظهر الخفّ إلى ظهر الحافر اتّخذوا للسّكنى في أسفارهم ثياب الكتّان يستعملون منها بيوتا مختلفة الأشكال مقدّرة الأمثال من القوراء [1] والمستطيلة والمربّعة ويحتفلون فيها بأبلغ مذاهب الاحتفال والزّينة ويدير الأمير والقائد للعساكر على فساطيطه وفازاته من بينهم سياجا من الكتّان يسمّى في المغرب بلسان البربر الّذي هو لسان أهله أفراك بالكاف والقاف ويختصّ به السّلطان بذلك القطر لا يكون لغيره. وأمّا في المشرق فيتّخذه كلّ أمير وإن كان دون السّلطان ثمّ جنحت الدّعة بالنّساء والولدان إلى المقام بقصورهم ومنازلهم فخفّ لذلك ظهرهم وتقاربت السّياج بين منازل العسكر واجتمع الجيش والسّلطان في معسكر واحد يحصره البصر في بسيطة زهوا أنيقا لاختلاف ألوانه واستمرّ الحال على ذلك في مذاهب الدّول في بذخها وترفها. وكذا كانت دولة الموحّدين وزناتة الّتي أظلّتنا كان سفرهم أوّل أمرهم في بيوت سكناهم قبل الملك من الخيام والقياطين [2] حتّى إذا أخذت الدّولة في مذاهب التّرف وسكنى القصور وعادوا إلى سكنى الأخبية والفساطيط بلغوا من ذلك فوق ما أرادوه وهو من التّرف بمكان إلّا أنّ العساكر به تصير عرضة للبيات لاجتماعهم في مكان واحد تشملهم فيه الصّيحة ولخفّتهم من الأهل
[1] القوراء: الواسعة.
[2]
القياطين: المخادع.