الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجمعت بين قريبه وبعيده
…
وجمعت بين مجمّه ومعينة
وإذا مدحت به جوادا ماجدا
…
وقضيته بالشّكر حقّ ديونه
أصفيته (بتفتّش ورضيته)[1]
…
وخصصته بخطيره وثمينه
فيكون جزلا في مساق صنوفه
…
ويكون سهلا في اتّفاق فنونه
وإذا بكيت به الدّيار وأهلها
…
أجريت للمحزون ماء شئونه [2]
وإذا أردت كناية عن ريبة
…
باينت بين ظهوره وبطونه
فجعلت سامعه يشوب شكوكه
…
بثبوته [3] وظنونه بيقينه
وإذا عتبت على أخ في زلّة
…
أدمجت شدّته له في لينه
فتركته مستأنسا بدماثة
…
مستأمنا لوعوثه وحزونه.
وإذا نبذت إلى الّذي علقتها
…
إذ صارمتك بفاتنات شئونه
تيّمتها بلطيفه ورفيقه
…
وشغفتها بخبيّه وكمنه
وإذا اعتذرت لسقطة أسقطتها
…
وأشكت بين مخيله ومبينه
فيحول ذنبك عند من يعتدّه
…
عتبا عليه مطالبا بيمينه
الفصل السادس والخمسون في أن صناعة النظم والنثر إنما هي في الألفاظ لا في المعاني
اعلم أنّ صناعة الكلام نظما ونثرا إنّما هي في الألفاظ لا في المعاني وإنّما المعاني تبع لها وهي أصل. فالصّانع الّذي يحاول ملكة الكلام في النّظم والنّثر
[1] وفي نسخة أخرى: بنفيسة ورصينه.
[2]
مجاري الدمع.
[3]
وفي نسخة أخرى: بثنائه.
إنّما يحاولها في الألفاظ بحفظ أمثالها من كلام العرب ليكثر استعماله وجريه على لسانه حتّى تستقرّ له الملكة في لسان مضر ويتخلّص من العجمة الّتي ربّي عليها في جيله ويفرض نفسه مثل وليد نشأ في جيل العرب ويلقّن لغتهم كما يلقّنها الصّبيّ حتّى يصير كأنّه واحد منهم في لسانهم. وذلك أنّا قدّمنا أنّ للّسان ملكة من الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها على اللّسان حتّى تحصل شأن الملكات والّذي في اللّسان والنّطق إنّما هو الألفاظ وأمّا المعاني فهي في الضّمائر.
وأيضا فالمعاني موجودة عند كلّ واحد وفي طوع كلّ فكر منها ما يشاء ويرضى فلا يحتاج إلى تكلّف صناعة في تأليفها وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصّناعة كما قلناه وهو بمثابة القوالب للمعانيّ. فكما أنّ الأواني الّتي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذّهب والفضّة والصّدف والزّجاج والخزف والماء واحد في نفسه. وتختلف الجودة في الأواني المملوءة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء. كذلك جودة اللّغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد. والمعاني واحدة في نفسها وإنّما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللّسان إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن بمثابة المقعد الّذي يروم النّهوض ولا يستطيعه لفقدان القدرة عليه. والله يعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون.